القاهرة – تفرض الحكومة المصرية وصايتها على المستثمرين في الأدوات المالية الإلكترونية، وتحذر الأفراد من الاقتراب من تلك الأوعية، بزعم حماية مدخراتهم من الخسائر، نتيجة ارتفاع مخاطر الاستثمار في منتجات غير متعارف على تعاملاتها بالأسواق المصرية.
ولا يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل امتد إلى إصدار فتاوى تحرم التعامل بعدد من هذه المنتجات المالية .وحذرت هيئة الرقابة المالية مؤخرا من مخاطر الانسياق والاستثمار في العملات الرقمية، وما يرتبط بها من معاملات لأنها غير خاضعة للرقابة. ووصفت عملة “بيتكوين” على أنها تعد تحايلا على المنظومة النقدية الرسمية وما يرتبط بها من قوانين مكافحة غسيل الأموال.
ولم تكتف بذلك، بل حذرت أيضا من التعامل في أسواق المشتقات المالية والعقود والتعاملات المستقبلية. وكانت الهيئة قد حذرت في وقت سابق من تعامل الأفراد في أسواق تداول العملات “فوركس”.
وأصدرت دار الإفتاء فتوى أكدت فيها أن ترى تحريم معاملات “فوركس” والاشتراك فيها، وهو الموقف نفسه الذي أبدته حيال بيتكوين.
ورغم التحذيرات المتكررة، إلا أن فئات كبيرة من الأفراد، خاصة الشباب يتعاملون مع تلك الأدوات بطرق غير رسمية، وأصبحت مكاتب الاستشارات المالية ملاذا للشباب للتعامل مع تلك الأوعية المحظورة بالبلاد.
وقال أحمد سعيد، وهو مهندس بأحد المصانع لـ“العرب”، لقد “قمت بالتعامل في سوق تجارة العملة “فوركس” بعد مشاهدة الإعلانات على الشبكات الاجتماعية والعديد من المواقع الإلكترونية الإخبارية على شبكة الإنترنت”.
وأضاف “بدأت بمحفظة صغيرة منذ أربعة أعوام، وحجمها الآن وصل إلى مستويات مرضية بالنسبة إلي، ومع مرور الوقت اكتسبت خبرات، بالإضافة إلى نصائح المكتب الذي أتعامل معه، ما يمكنني من جني الأرباح وقت الصعود وتخفيف الخسائر وقت عمليات التصحيح”.
وأكد سعيد أنه كان على بيّنة تماما بحجم المخاطر في تلك السوق، لكن هناك قاعدة استثمارية هو مقتنع بها تقول “كلما زادت المخاطر زادت الأرباح”، لذلك استثمر جزءا من أمواله في هـذه الأدوات، وليس كـامل مدخراته.
هاني توفيق: زمن وصاية الحكومة انتهى وخضوع الأنشطة المالية للرقابة أفضل الوسائل
ويقول هاني توفيق، الرئيس السابق للاتحاد العربي للاستثمار المباشر، إن سياسة الوصاية التي يتم فرضها على استثمارات الأفراد لن تجدي في ظل تقدم التكنولوجيا، والتي تمكن الأفراد من التداول إلكترونيا على كافة المنتجات المالية التي تمنعها هيئة الرقابة المالية من خلال المحمول.
وقدر حجم محافظ الأفراد في سوق تداول العملات فوركس بنحو 600 مليون دولار، وهي خارج رقابة الحكومة تماما، بسبب عدم قدرتها على مواكبة هذه الأدوات المالية العالمية ووضع نظم رقابية بشكل يمكنها من تتبّع حركة الأموال، وهو دور أصيل للحكومات، حفاظا على أمن البلاد، ووفق اتفاقيات مواجهة جرائم غسيل الأمـوال عالميا.
وتتعامل على هذه الأدوات المالية فئات كبيرة من شباب الجامعات، وبدأت في التوسع بمصر منذ العام 2005 من خلال مكاتب الاستشارات المالية وكانت ملاذا استثماريا قويا في ذلك الوقت في ظل مستويات سعر الفائدة المنخفض.
وسجلت أعلى معدلات لسعر الفائدة على المدخرات خلال تلك الفترة وفقا لبيانات البنك المركزي مستوى 10.5 بالمئة، بينما وصلت بشأن الاقتراض إلى نحو 13.27 بالمئة، الأمر الذي دفع الأفراد للبحث عن وسائل مختلفة لاستثمار أموالهم.
وشجع الشباب على تلك الأدوات المالية انخفاض متوسط سعر صرف الدولار أمام الجنيه إلى نحو 5.77 جنيه لكل دولار، إلى جانب إمكانية بدء التعامل في سوق تجارة العملة بنحو 300 دولار فقط.
وبدلا من أن تقوم هيئة الرقابة المالية برقابة تلك الأسواق باتت تصدر بيانات تحذيرية حول مخاطر تلك الأدوات، لكن أمام الأرباح السريعة لم يلتفت الأفراد إلى تلك التحذيرات.
وأوضح محسن عادل، نائب رئيس البورصة المصرية، أن العملات الرقمية أصبحت واقعا بعد اعتراف عدد من الأسواق المالية العالمية بها، منها السوق الأميركية، وبالتالي لا بد من تقنين وضع التداول على هذه الأداة المالية ورقابة تعاملاتها.
وقال لـ“العرب” إن “العملات الافتراضية قد تتحول إلى عملة مبادلة مهمة، في ظل عدم مواكبة القطاع المصرفي عالميا للتطورات التي تشهدها العملات الرقمية”.
ويتجاوز عدد العملات الرقمية نحو 65 عملة من أشهرها بيتكوين التي تستحوذ على نحو 62 بالمئة من حركة التداول في سوق العملات المشفرة عالميا، فضلا عن عشر عملات نشيطة، أما باقي العملات فهي غير معروفة.
وقالت خلود حسن، المحللة الاستراتيجية بوحدة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب بالبنك المركزي، إن “الدول التي سمحت بالتعامل مع العملات الرقمية ألزمت جميع المؤسسات المالية التي تتعامل بها بأن تقدم كافة البيانات عن طبيعة تلك المعاملات”.
وأشارت لـ“العرب” إلى أنه يتم تصنيف الشركات التي تتعامل بهذه العملات على أنها مؤسسات مالية، حتى تخضع لنظم هيئات الرقابة المالية.
العرب اللندنية