كيف نتعلم حب القنبلة من جديد

كيف نتعلم حب القنبلة من جديد

580

الشيء الصادم في قضية الأسلحة النووية أنها فقدت قدرتها على إثارة الصدمة، فبينما قد يشير الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه مع إيران في لوزان إلى غير ذلك، ورغم أنه يشكل خبرا جيدا للغاية، لا ينبغي لهذا الجهد أن يحجب الأنباء السيئة في أماكن أخرى.

والواقع أن الزخم باتجاه عالم خال من الأسلحة النووية والمستلهم من خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما التاريخي في براغ عام 2009، بدأ الآن يسلك الاتجاه العكسي بشكل حاد، بعد أن تعثر على مدى السنوات القليلة الأخيرة.

وعندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في العام الماضي، أعلن رئيسها فلاديمير بوتن استعداده لوضع القوى النووية الروسية في حالة تأهب، بل وأشار إلى خطط تتحدث عن “مفاجأة الغرب بتطورات جديدة في مجال الأسلحة النووية الهجومية”. ولم يحرك هذا مشاعر العالم إلا بالكاد.

“الولايات المتحدة تخطط لإنفاق 355 مليار دولار لتطوير وتحديث ترسانتها النووية الضخمة على مدى السنوات العشر القادمة. وبعيدا عن التحرك نحو نزع السلاح، يبدو أن النوايا تتوجه نحو الحفاظ على كافة عناصر القدرة النووية الأميركية البرية والبحرية والجوية الحالية وتعزيزها”

ومن ناحية أخرى، تعمل الصين والهند بشكل مطرد على زيادة حجم ترسانتيهما النوويتين، بل وتفعل باكستان هذا بسرعة أكبر، حتى إنها تتحدث علانية عن خطط للجمع بين الأسلحة النووية الميدانية والأسلحة التقليدية. ومرة أخرى تجاهل العالم الأمر بلا مبالاة.

من جانبها، تخطط الولايات المتحدة لإنفاق 355 مليار دولار لتطوير وتحديث ترسانتها النووية الضخمة على مدى السنوات العشر القادمة. وبعيدا عن التحرك نحو نزع السلاح، يبدو أن النوايا تتوجه نحو الحفاظ على كافة عناصر القدرة النووية الأميركية البرية والبحرية والجوية الحالية وتعزيزها.

وكان قدر التسلية أكبر كثيرا من الانزعاج في المؤتمر الذي جمع 800 متخصص في المجال النووي بواشنطن العاصمة في مارس/آذار الماضي، عندما عَرَض أحد كبار جنرالات القوات الجوية -في إشارة غريبة إلى جورج سي. سكوت في فيلم “دكتور سترانجيلوف”- دفاعا سافرا عن “امتلاك القدرة على عدم السماح لأي عدو بالاحتماء بأي ملاذ في أي مكان في العالم”.

بل إن حلفاء الولايات المتحدة في شرق آسيا وأوروبا الذين أفزعهم التوغل الروسي في أوكرانيا، والتعنت المتقطع من قبل كوريا الشمالية، وعدوانية روسيا الجديدة في السياسة الخارجية، هُرِعوا إلى احتضان افتراضات الحرب الباردة غير المتعقلة حول فائدة الردع التي توفرها الأسلحة النووية وأهميتها المركزية في السياسة الأمنية.

وكما أشرت أنا وزملائي في تقرير طويل بعنوان “الأسلحة النووية.. الوضع الراهن 2015” الذي صدر في جنيف وفيينا وواشنطن في فبراير/شباط الماضي، فإن “الدلائل المستمدة من حجم ترساناتها النووية، ومخزوناتها من المواد الانشطارية، وخططها لتحديث قدراتها النووية، وعقيدتها المعلنة وممارساتها المعروفة في نشر الأسلحة، تشير إلى أن الدول التسع المسلحة نوويا تتوقع الاحتفاظ إلى أجل غير مسمى بالأسلحة النووية واستمرار دورها في سياساتها الأمنية”.

وكل هذا ينطوي على آثار خطيرة تهدد مؤتمر استعراض أداء معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية في السنوات الخمس الأخيرة والذي من المقرر أن يبدأ أواخر الشهر الجاري. فقد كانت هذه المعاهدة بمثابة العامل الأكثر حسما في عدم زيادة عدد الدول المسلحة نوويا في العالم عن التسع الحالية، بدلا من عشرين أو ثلاثين دولة كما كنا نخشى قبل جيل واحد. ولكن مصداقية المعاهدة أصبحت الآن معلقة بخيط رفيع.

إن معاهدة منع الانتشار النووي تقوم في نهاية المطاف على صفقة، فالدول التي لا تمتلك أسلحة نووية تعد بعدم محاولة الحصول عليها في مقابل التعهد من تلك التي تمتلكها بالتحرك بجدية نحو إزالة ترساناتها النووية. ومرة أخرى، تعرّض التطورات الأخيرة هذه الصفقة للخطر، حيث تتساءل دول عديدة مرة أخرى عن السبب الذي يجعلها في غير حاجة إلى الأسلحة النووية بينما تحتاج إليها دول مثل الولايات المتحدة وروسيا.

ونظرا لهذه المشاعر، فسيكون من المستحيل تقريبا في مؤتمر استعراض المعاهدة بناء الإجماع لصالح المزيد من الدعم اللازم لنظام منع الانتشار، مع تحسين الضمانات، وضوابط التصدير، والانضباط الأمني، وفرض عقوبات على المنسحبين من المعاهدة. ومن غير المرجح أن تكون لاعقلانية هذه المقاومة سببا في إضعافها.

ولكن ليست كل الأخبار قاتمة، فعلاوة على مفاوضات إيران، يستمر التعاون في برامج أخرى للتعاون في مجال مراقبة التسلح، بما في ذلك بين الولايات المتحدة وروسيا حول معاهدة ستارت للحد من نشر الأسلحة الإستراتيجية، وحول الأسلحة الكيميائية في سوريا. ورغم الافتقار إلى أي تقدم ملموس نحو التخلص من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، فهناك علامات مشجعة تشير إلى أن مصر وبلدانا أخرى في المنطقة راغبة في الاستمرار في المحاولة، ولن تستخدم قضية المنطقة الخالية من أسلحة الدمار الشامل لإفساد مؤتمر استعراض معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، كما تخوف البعض من قبل.

“بوسع الدول النووية -بل ينبغي لها- أن تقدم التزامات جادة بالمزيد من التخفيضات الكبيرة في حجم ترساناتها، والإبقاء على عدد الأسلحة المنتشرة فعليا والجاهزة للإطلاق الفوري عند أدنى حد ممكن، وتغيير عقائدها الإستراتيجية للحد من دور الأسلحة النووية من خلال التعهد بعدم استخدامها أولا”

والأمر الأكثر تشجيعا على الإطلاق هو تلك الحركة الدولية الجديدة الكبرى التي تستجمع قواها لتركيز الاهتمام السياسي على العواقب الإنسانية المروعة التي قد تترتب على أي استخدام للأسلحة النووية، وخلق الظروف المناسبة لإبرام معاهدة لحظرها إلى الأبد. فمنذ عام 2012، عقدت عدة مؤتمرات استضافتها النرويج والمكسيك والنمسا، كما تعهدت أكثر من 155 دولة بتقديم الدعم للعمل المناسب، في حين كان التثاقل والتكاسل فقط من جانب الدول المسلحة نوويا هي وحلفاؤها.

إن الدول المسلحة نوويا لن توقع في أي وقت قريب على أي معاهدة تحظر استخدام أسلحتها تحت أي ظرف من الظروف، وستقاوم بقوة أكبر الإزالة الصريحة لأسلحتها، لأن العالم ربما لا يزال بعيدا عِدة عقود من الزمان عن ابتكار تدابير التحقق والإنفاذ الكافية.

ولكن إذا فشل مؤتمر استعراض معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية في إنهاء الانقسام، مع كل ما قد يترتب على ذلك الفشل من مخاطر تهدد النظام العالمي، فإن الدول الخمس المسلحة نوويا الموقعة على معاهدة منع الانتشار، يمكنها -بل يتعين عليها- أن تكون مستعدة لتقديم المزيد على الطاولة مقارنة بما قدمته حتى الآن. والواقع أن الخطوات الصغيرة -مثل تحسين الشفافية في رفع التقارير، أو الموافقة على معاني المصطلحات الفنية مثل “الإستراتيجية”، و”النشر”، و”الاحتياطي”- لن تكون مُرضية للدول العديدة الموقعة على معاهدة منع الانتشار والتي روعتها عودة عقلية وسلوكيات الحرب الباردة إلى الظهور مؤخرا.

وبوسع الدول المسلحة نوويا -بل ينبغي لها- أن تقدم التزامات جادة بالمزيد من التخفيضات الكبيرة في حجم ترساناتها، والإبقاء على عدد الأسلحة المنتشرة فعليا والجاهزة للإطلاق الفوري عند أدنى حد ممكن، وتغيير عقائدها الإستراتيجية للحد من دور الأسلحة النووية وبروزها، من خلال التعهد “بعدم استخدامها أولا”.

وفي المقام الأول من الأهمية، يتعين على هذه الدول أن تتفق على مواعيد مستهدفة دلالية -من 5 إلى 15 سنة- لتحقيق كل هذه الأهداف الأولية. كانت المواعيد النهائية تشكل ضرورة أساسية لا غنى عنها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وأهداف الحد من الكربون، وإنقاذ العالم من تهديد الإبادة النووية ليس بأي حال من الأحوال هدفا أقل إلحاحا وأهمية.

جاريث إيفانز

نقلا عن الجزيرة