الخرطوم – لم يفلح الرئيس السوداني عمر حسن البشير في حرف أنظار السودانيين عن الأزمة الاجتماعية التي تعيشها البلاد بالرغم من حملة لحشد الرأي العام المحلي ضد مصر، والترويج لمكاسب اقتصادية وسياسية كبرى للتحالف الناشئ مع تركيا وقطر.
وقال شهود عيان إن مجموعات من الطلاب والمواطنين تظاهروا السبت في مدينة بوسط السودان ضد ارتفاع أسعار الخبز في ظل دعوة أحزاب المعارضة إلى التظاهر سلميا، ما يشير إلى صدامات جديدة تضغط على الحكومة للتراجع عن قراراتها ككل مرة في ما يتعلق برفع الأسعار.
وتدخلت الشرطة مستخدمة الغاز المسيل للدموع والهراوات ضد المتظاهرين الذين أشعلوا النار في الإطارات لإغلاق بعض الطرق.
وتضاعفت أسعار الخبز الجمعة في السودان بعد أن رفعت المطاحن سعر طحين القمح بسبب قرار الحكومة وقف استيراد القمح والتخلي عن ذلك للقطاع الخاص. وقال عضو اتحاد المخابز محمد عوض السيد “كل المخابز قررت رفع الأسعار بعد أن ارتفعت أسعار طحين القمح الخميس″.
ورفعت المطاحن سعر كيس الطحين زنة 50 كلغ من 167 إلى 450 جنيها سودانيا (65 دولارا).
وهتف العشرات من طلاب جامعة سنار (366 كلم جنوب الخرطوم) “طالب بحقوقك يا مواطن” قبل أن ينضم إليهم العشرات من المواطنين.
وأكد أحد مواطني المدينة لفرانس برس عبر الهاتف أن الشرطة أطلقت الغاز المسيل للدموع وأغلقت المحلات التجارية أبوابها في السوق الرئيسي في المدينة.
وقال أحد أصحاب المحلات التجارية “أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين (…) أغلقت محلي عند وصولهم إلى السوق”.
ودعت أحزاب معارضة رئيسية إلى التظاهر ضد الحكومة بعد رفع أسعار الخبز.
وحث حزب “الأمة” أكبر أحزاب المعارضة في بيان جميع عناصره و”المواطنين السودانيين على التظاهر سلميا ضد رفع أسعار الخبز″. وأضاف أن “الطريق الوحيد لحل هذه المشكلات هو إسقاط هذا النظام”.
كما أصدر الحزبان الشيوعي والمؤتمر الشعبي السوداني بيانات مماثلة.
وأفاد بيان الحزب الشيوعي أن “الطريق الوحيد لهزيمة هذا النظام هو الخروج إلى الشارع والتظاهر لاستعادة كرامة السودانيين وحريتهم. على الشعب التظاهر ضد السياسات الاقتصادية”.
رفع الأسعار لا يحل مشكلة السودان
وشهد السودان مظاهرات مشابهة عام 2016 بعد أن رفعت الحكومة الدعم عن الوقود. وقمعتها الحكومة كما فعلت عام 2013 عندما تصدت لمظاهرات ضد رفع الدعم عن المشتقات النفطية.
وأكدت منظمات حقوقية دولية مقتل العشرات بسبب عنف الأجهزة الأمنية ضد المتظاهرين عام 2013.
ويعاني الاقتصاد السوداني منذ انفصال جنوب السودان عام 2011 آخذا معه 75 بالمئة من إنتاج النفط الذي كان حجمه 470 ألف برميل يوميا، إضافة إلى عقود من العقوبات الاقتصادية الأميركية.
ورفعت واشنطن في 12 أكتوبر الماضي العقوبات التي كانت فرضتها عام 1997. لكن مسؤولين سودانيين يؤكدون أن البنوك العالمية لديها تحفظات حيال التعامل مع نظيراتها السودانية.
وبلغ معدل التضخم 37 في المئة كما أن قيمة العملة المحلية تراجعت مقابل الدولار خلال العام 2017.
ويعتقد خبراء اقتصاديون أن مساعي السودان للتحالف مع تركيا وقطر لن تحل مشاكله وأزماته المختلفة، سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وأن سقف الحماس السوداني الذي يعكسه التصعيد مع مصر والسعودية وإريتريا لا يتماشى مع خطط أنقرة والدوحة اللتين اكتفتا إلى حد الآن بمجرد الوعود.
وفي سياق التصعيد، أغلق السودان حدوده الشرقية مع دولة إريتريا كما ذكرت وكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا) السبت بعد أسبوع على إعلان البشير حالة الطوارئ في ولاية كسلا على الحدود مع إريتريا.
وقالت وكالة الأنباء السودانية إن “والي كسلا آدم جماع آدم أصدر قرارا بإغلاق جميع المعابر الحدودية مع دولة إريتريا اعتبارا من مساء الخامس من يناير 2018″.
وأكد شهود عيان من مواطني كسلا أن المئات من الجنود والسيارات العسكرية والمدرعات عبرت مدينة كسلا باتجاه الحدود مع إريتريا خلال اليومين الماضيين.
ويفر الآلاف من الإريتريين سنويا إلى السودان عبر كسلا في طريقهم إلى البحر المتوسط للتوجه إلى أوروبا.
وتنشر وسائل إعلام سودانية معلومات حول وجود خطر على الحدود السودانية – الإريترية، تقوده مصر. كما استدعى السودان الخميس سفيره لدى مصر “للتشاور” بعد تجدد التوتر بين البلدين.
ويعتبر المراقبون أن الخرطوم بهذه الخطوات تريد رفع التوتر إلى أقصاه لنيل رضا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي زارها الأسبوع الماضي، وأطلق سلسلة من الوعود الاستثمارية.
وسمح السودان لتركيا بامتلاك فضاء استراتيجي يمنحها وجودا كبيرا، اقتصاديا وعسكريا في البحر الأحمر، الذي تعتبره مصر والسعودية من أهم مناطق النفوذ التاريخية.
العرب اللندنية