ملفت للنظر حقّاً أن يصدر المكتب الرئاسيّ في إيران تقريراً يؤكد أن أغلبية الإيرانيين تعتقد أن النساء يجب أن يقررن بأنفسهن ما إذا كن راغبات في ارتداء الحجاب أم لا، وليس الدولة، وهو ما اعتبره مراقبون انتصارا للاحتجاجات التي تقوم بها النساء الإيرانيات ضد الحجاب في طهران ومدن إيرانية أخرى.
وكان حسن روحاني، الرئيس الإيراني، قد حذّر يوم الأربعاء الماضي من أن القادة الإيرانيين قد يواجهون مصير الشاه الأخير إذا تجاهلوا الاستياء الشعبي، وذلك في خطاب متلفز أمام ضريح الإمام الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية، مطالبا هؤلاء القادة بأن يسمعوا مطالب وتمنيات الشعب لأن «النظام السابق فقد كل شيء» لأنه لم يفعل ذلك.
نسرين ستوده، الشخصية المؤثرة التي بدأت حركة نزع الحجاب، معروفة بدفاعها عن سجناء المعارضة الإيرانية الأمر الذي أدى لاعتقالها عام 2010 بتهمة نشر الدعاية المضادة للدولة وتعريض الأمن القومي للخطر، وهي تخوض حالياً، بعد أن تم إطلاق سراحها من تهمتها الأولى، معركة الدفاع عن نساء يرفضن ارتداء الحجاب، ضمن حركة الاحتجاجات هذه التي أدت لاعتقال 29 امرأة منهن على الأقل.
تظهر هذه الوقائع وجود محاولات من مؤسسة الرئاسة الإيرانية لإدراك التطوّرات السياسية والاجتماعية للشعب الإيراني والتفاعل معها بشكل إيجابي، تقابلها أشكال حراك من الشارع تعبّر عن نفسها بأكثر من طريقة، بينها المظاهرات المناهضة للسياسات الاقتصادية للحكومة وما ينتج عنها من غلاء وتدهور في الأحوال المعيشية وأسعار الصرف (الدولار يعادل 36950 ريالا إيرانيا)، والتي كانت احتجاجات نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي حلقة كبيرة فيها.
إضافة إلى العنف الكبير الذي شاب تلك المظاهرات والقمع الذي لحق بقطاعات شعبية بعدها، خصوصاً ضمن الطلبة، فإنها استهدفت أحيانا شخصيات ورموزاً سياسية ودينية وهو أمر نابع طبعاً من الربط الشعبي بين الطابع الديني والسياسي معاً في أجهزة الدولة، وهو ما يعطي حركة نزع الحجاب معنى سياسياً يتجاوز معناها الديني.
تحاول حركة نزع الحجاب مواجهة فكرة الإلزام التي تنفذها الدولة وأجهزتها، ومواجهة اعتبارها طريقة لبس النساء أمراً يمكن فرضه بالقوانين، وهو ما يذكّرنا بحركة مشابهة، ولكن في الاتجاه المعاكس، حصلت في إيران نفسها، حين أصدر الشاه قانونا عام 1936 يحظر الملابس التقليدية للذكور والإناث، وينزع الحجاب بالقوّة، وهو ما اعتبر في حينها انتهاكا للحرية وكرامة المرأة واستفزازا وجريمة ضد الإسلام.
جدير بالتأمل هنا أن موقف رضا شاه تأثر بزيارة له إلى تركيا مصطفى كمال المتطرفة في علمانيتها عام 1934 حيث أعجب بما اعتبره تقدما سريعا فيها فيما يخص حرية النساء وكشفهن الحجاب، وبعد إصداره قانون كشف الحجاب احتفل الشاه بحضور زوجته وابنته وزوجات الوزراء والمحامين من دون حجاب وتم حظر استخدام التشادور، وبعدها لم يعد مسموحا للنساء المحجبات بدخول الشوارع واستخدام المركبات، وكانت المحجبات يواجهن الهجوم والقمع من قبل الشرطة، وكان الأمن مولجا بإزالة الحجاب من أي امرأة ترتديه علنا.
المقارنة التاريخية تظهر المفارقة الكبيرة حين تقوم الدول بربط أفكار التقدم، في حالة الشاه، بالسفور، وربط الالتزام بالدين، في حالة الجمهورية الإسلامية، بالحجاب، وقد تم في الحالتين، تجاهل ما تريده النساء أنفسهن، سواء من يردن الالتزام بالحجاب أو من يردن التخلّص منه، وهو أيضاً تجاهل لا يقتصر على قضايا الزيّ واللباس وتأويلهما بل يتسع ليشمل قضايا الاقتصاد والسياسة والاجتماع.
المقارنة نفسها تظهر أن ما فعلته الجمهورية الإسلامية عمليّاً هو مقلوب سياسات الشاه، وهو ما يجعلنا نفهم تحذير روحاني لقادة إيران من عدم فهم مطالب شعبهم، كما نفهم أيضاً ما فعلته فتاة شارع «انقلاب» (أي شارع الثورة بالفارسية) حين نزعت الحجاب.
القدس العربي