في الثلاثين من تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2017م، صرّح وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون تصريحًا في غاية الأهمية . حيث جاء في تصريحه:” أن القوات الأمريكية الموجودة في العراق، باقية فيه لمحاربة داعش، ولن تغادر العراق حتى لو طلبت الحكومة العراقية منا ذلك”. هذا التصريح على درجة عالية من الأهمية لأنه يستشف منه مستقبل السياسة الأمريكية إزاء العراق. فالقواعد العسكرية الأمريكية التي أنشئت في العراق والتي كانت من إحدى أسباب احتلاله في التاسع من نيسان/إبريل عام 2003م. كقاعدة الأسد وقاعدة بلد وتاجي والحبانية وقاعدة قيارة وقاعدة في مطار أربيل ومطار بغداد ومطار حرير، وقاعدة معسكر بعشيقة وكرم لس قريب حمدانية وقاعدة سد الموصل. وفي المستقبل القريب قد يكون للولايات المتحدة الأمريكية قواعد عسكرية أخرى. لم يكن إقامة تلك القواعد أمرًا عبثيًا أو خال من أي مضمون استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية في العراق. فمع هذه القواعد أصبح الجيش الأميركي يمتلك فيه حاليّا أكثر من 11 ألف عسكري بينهم نحو 6 آلاف عنصر مخصص لأغراض قتالية. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق ماذا يشكل العراق في الاستراتيجية الأمريكية؟
للعراق أهمية عسكرية وأمنية واستخبارتية واقتصادية لدي صانع القرار السياسي في واشنطن، وما أدل على ذلك، تلك القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في العراق ما بعد عام 2003م، فمن بين أهداف إقامة تلك القواعد مواجهة النفوذ الإيراني في العراق فقد شجعت سياسة الانكفاء التي انتهجتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما إلى ترسيخه، الذي يمثّل مركز ثقل كبير له. كما ساهم هذا النفوذ في تقوية أو صمود حليفه النظام السوري، ويبدو أن تلك السياسة قد طويت صفحتها مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، حيث لم يتردّد في التعبير عن امتعاضه من هيمنة ايران على العراق، معتبرا أنه استفاد من جهود كبيرة بذلتها بلاده وأموال طائلة دفعتها دون طائل. وهذا ما عبر عنه بعد مجيئه للبيت الأبيض في شهر كانون الثاني/ يناير عام 2017م، حينما صرّح: “إن بلاده اقترفت خطأً فادحاً حينما دخلت العراق ثم سلمته إلى إيران” وعبّر عن استيائه الشديد من سياسة الإدارة السابقة لبلاده تجاه العراق، والتي قال إنها “تركت العراق وحيداً”؛ وإن ذلك “أنشأ فراغاً استغله الإيرانيون”. وتابع “كان يجب ألا نترك العراق، فقد شكّلنا هناك فراغاً كبيراً، مُلئ من قِبل إيران وداعش”. وتأتي أهمية القواعد العسكرية الأمريكية في العراق أيضًا بحجة حماية الاراضي التي تم طرد عناصر داعش منها واستمرار متابعة هذا التنظيم وقياداته في العراق ورصد تحركات خلاياه النائمة وافشال مخططاته بالعودة من جديد والعمل على تعزيز الدعم والاسناد الدولي لهذا التوجه والاشراف على جميع المساعدات الدولية التي تقدم في سبيل مكافحة الارهاب وأدواته في العراق .
أما على الجانب السياسي- الديبلوماسي فالعراق أيضاً يحتل مكانة متقدمة لدى صانع القرار السياسي سواء كان ذلك الصانع من الحزب الجمهوري أو الديموقراطي والدليل على ذلك أن السفارة الأمريكية في العراق تعد أكبر السفارات الأمريكية في المنطقة الشرق الأوسط وهذا يوحي بأهمية هذا البلد في السياسة الأمريكية، أما في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق فلدى الولايات المتحدة الأمريكية أكبر قنصلية في العالم، وتبلغ تكلفت المرحلة الأولى من بنائها 600 مليون دولار أمريكي، فهي تعد من بين أكبر السفارات الأمريكية من حيث المساحة. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق هل الولايات المتحدة الأمريكية في عهد رئيسها الجديد دونالد ترمب تسعى بجد لمواجهة النفوذ الإيراني في العراق؟
في مقابلة مع محطة “أي بي سي” أعرب ترمب عن استيائه الشديد من الإدارة السابقة التي تركت العراق لوحده، ليكون فيه فراغ يشغله الإيرانيون وداعش، مشيرا إلى أنه كان يجب أن تضع أميركا يدها على النفط في العراق. وقال الرئيس الأميركي إن العراق كان يمتلك قوة تساوي إيران، إلا أن أميركا أخطأت حينما دخلت العراق -في إشارة للغزو الأميركي للعراق عام 2003- ثم سلمته لإيران، مشيرا إلى أن الإدارة الأميركية كان عليها أن تبقى هناك وتسيطر على النفط العراقي. وانتقد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في تغريدة له على تويتر، التدخل الإيراني في العراق. وقال إن إيران تتوسع أكثر فأكثر في العراق حتى بعد أن بددت الولايات المتحدة ثلاثة ترليونات دولار هناك منذ مدة طويلة.
وأضاف ترمب أن هذا التوسع كان جليا للعيان منذ وقت طويل. وعلى خلفية إطلاق ايران صاروخاً باليستياً في أواخر شهر كانون الثاني/ يناير عام 2017م، صرّح الرئيس الأمريكي بالقول: إن إيران تلعب بالنار، وأشار في تغريدة على موقع تويتر إلى أن الإيرانيين لا يقدرون كم كان باراك أوباما طيبا معهم، مؤكدا أنه لن يكون مثله. وقال إن كل الخيارات مطروحة على الطاولة في ما يتعلق بالرد على قيام إيران بتجربة صاروخية. والسؤال الآخر الذي يطرح في هذا السياق هل تصنف تصريحات ترمب على أنها بيان سياسي “عدم الفعل” أقرب إلى تلك البيانات التي كان يستخدمها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما فيما يتعلق بالأزمة السورية، أم إنها تصريحات سياسية ذات جدول عمل مرتقب؟ توحي تصريحات دونالد ترمب الرئيس الأمريكي للولايات المتحدة الأمريكية المتعلقة بالنظام الإيراني، بأنه عازم على تصحيح الخطأ الذي ارتكب من قبل الإدارتين الأمريكيتين السابقتين” جورج دبليو بوش وباراك أزباما” فالأول باحتلاله للعراق في 9 نيسان/إبريل عام 2003م، قدم للنظام الإيراني هدية إستراتيجية لا تُقدر بثمن حينما أسقط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين العدو اللدود له، والثاني عززت سياساته المتهاونة مع النظام الإيراني نفوذه وتغلغله بكل مفاصل النظام السياسي العراقي بشقيه الحكومي وغير الحكومي. إذ بسياساتهما إزاء العراق دشنا لنظرية جديدة في العلاقات الدولية وهي ” نظرية المستفيد من الإحتلال” فهل حقًا ترمب ماضِ في محو آثار تلك النظرية؟ أم ماذا؟
فإلى جانب الجهد الدبلوماسي والعسكري لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب المنصبّ على العراق، بالتوازي مع انخراطها بشكل متزايد في الحرب على داعش في منعطفها الأخير، لتوفير البيئة المناسبة لمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية بشكل فاعل في ترتيب أوضاعها في مرحلة عراق ما بعد داعش وإعادة توزيع خارطة النفوذ داخله باتجاه تحجيم الدور الإيراني والحدّ من تأثيراته. يشكل العراق أهمية كبيرة في المدرك الإستراتيجي الأمريكي فهو ببساطة أعظم من أن تتم المخاطرة بفشله. فهو يحوي اليوم رابع أكبر كثافة سكانية في الشرق الأوسط. فالفرضية الأمريكية مبنية على النحو الآتي: إذا سئمتَ من معاناة 23 مليون مواطن في سورية، أو إذا كنت تقلق حيال تدفق النازحين ومن الملاذ الآمن للإرهابيين داخل البلاد، فحاول أن تتخيل كم سيكون الوضع أسوأ بكثير لو أضيف 36 مليون عراقي إلى المعادلة. وكاد هذا يحصل عندما سيطر تنظيم داعش على ثلث العراق في حزيران/يونيو عام 2014، إلّا أنّه تم تفاديه بشكلٍ أساسي بفضل الهجوم العراقي المعاكس بمساعدةٍ من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. وسوف ينقسم العراق من جديد، وسوف يظهر خطرٌ آخر مماثلٌ لـداعش، ما لم تبقى الولايات المتحدة منخرطة في تلك البلاد.
ويضم العراق أيضاً خامس أكبر مخزون نفطي في العالم. فتخيل لو وقعت هذه الثروة في أيدي نظامٍ مناهض للغرب ومدعوم من إيران، التي تملك بدورها رابع أكبر احتياطي نفطي في العالم.؟ يمتلك العراق ثروة معدنية هائلة، بجانب الثروة النفطية، إلا أن هذه الثروة لم تستثمر بعد، ولم يتم الاستفادة من كامل طاقتها، حسب مسؤولين وخبراء. وبحسب الخطة المستقبلية للعراق والتي وضعت عام 1981، فإن استثمار جميع الثروات المعدنية والغازية في العراق، سيكون من نصيب جيل ما بعد 2050.ويقول مستشار وزارة النفط العراقية السابق محمد فاضل الحبوبي (1980 ــ 1998) إنه لو تم استثمار تلك الثروة في الفترة الماضية، لتبددت الآن، كما تبددت عائدات النفط خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية.ويبين الحبوبي أن المعادن في العراق، يمكن أن تكون موردا رئيسيا بعد نضوب النفط، إلا أنها تحتاج إلى شركات عالمية لاستخراج المعادن وتصديرها.ويضيف الحبوبي في حديث لـ”العربي الجديد” أن “المعادن في العراق أكثر عدلا من النفط، فهي موزعة على جميع محافظات العراق”.ووفق مسحٍ سابق أجرته هيئة المسح الجيولوجي العراقية بالتعاون مع جامعات تكريت وبابل والأنبار، فإن العراق يحتوي على عشرات المعادن بكميات كبيرة، منها بعض المعادن النادرة كاليورانيوم والذهب والفضة والزئبق الأحمر والكبريت الحر، فضلاً عن الحديد والنحاس والقصدير والكروم والنيكل والألمنيوم وغيرها من المعادن. كما يحتوي العراق على معادن أخرى كالألمنيوم والسيراميك والنيكل والمنغنيز والكروم في بغداد وبابل وكربلاء والقادسية وسط وجنوب العراق، لا يعرف حجمها حتى الآن كونها اكتشفت مؤخرا من قبل كوادر عراقية محلية تنقصها خبرة وآليات تحديد حجم تلك الاستكشافات.
إن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في إزاء العراق تقوم بالاساس علي تحقيق مصلحها الحيوية المطلقة دون النظر إلى مصالح الآخرين، فكان احتلالها للعراق في عام 2003 من أبرز الاحداث في الوطن العربي وأوضح مدي رغبتها في تحقيق أهدافها فيه، حتي لو يقتضي اللجوء إلى الخيار العسكري فرغم المواقف الدولية المعارضة للعدوان الامريكي علي العراق الا ان الولايات المتحدة تبنت مجموعة من الدوافع للتدخل في العراق منها رغبتها في التخلص من نظام صدام حسين والقضاء علي أسلحة الدمار الشامل ومحاربة الارهاب ونشر الديمقراطية في العراق الا انها في حقيقية الامر لم تكن الاسباب المباشرة للقيام بالغزو وكان هناك دوافع مباشرة منها الدوافع الاقتصادية والاستفادة من بترول العراق و موارده وضمان أمن اسرائيل وتفوقها وكذلك من أجل اقامة مشروع القرن الامريكي وكذلك القضاء علي الدول الصاعدة في المنطقة وتحقيق الهيمنة الامريكية علي المنطقة ، أما بالنسبة للقرارات التي اتخذتها في العراق مثل حل الجيش العراقي وحزب البعث فقد كان لها نتائج كارثية علي الدولة العراقية ويمكن القول ان من نتائج الحرب الامريكية علي العراق ظهور تنظيم داعش في العراق وسوريا لاحقا حيث ان التنظيم هو امتداد لتنظيم القاعدة الذي هو نفسة نتج عن الحرب الامريكية علي العراق ، والحرب الامريكية كانت مدمرة للمجتمع العراقي فهي قد وضعت البذور الاولي للطائفية في العراق وساهمت الاستراتيجية الامريكية المتبعة في العراق في افشال الدولة العراقية وتحولها لدولة هشة اقتصاديا وسياسا واجتماعيا وامنيا.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية