مع التسارع الذي تشهده تطورات الأزمة السورية، تتكشف يوما بعد آخر أوجه جديدة لصراع التحالفات فيها، وتبدو النهاية المرتقبة للحرب فرصة لتعويض الدول الداعمة لطرفي النزاع عما تكبدته من خسائر مادية وحتى بشرية خلال السنوات السبع الماضية.
ولا يألو كلا الحليفين الداعمين للنظام السوري روسيا وإيران جهدا لترسيخ موطئ قدم في بلاد منهكة اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، ولا يتركان مناسبة تمر دون الحديث بشكل مبطن أو صريح عن الرغبة في ذلك.
وقد دعمت إيران النظام السوري ماديا وبشريا منذ الأشهر الأولى لاندلاع الثورة، ويقدر خبراء اقتصاديون إنفاق إيران بأكثر من ستة مليارات دولار والمئات من الجنود خلال الحرب في سوريا، إضافة لتدفق قروض ائتمانية بملايين الدولارات.
وفي المقابل، حصلت إيران على عقود اقتصادية في سوريا في مجالات الزراعة والنفط والصناعة والثروة الحيوانية والموانئ، ونمت مختلف صادراتها للبلاد بشكل مطرد خاصة بعد إعفائها من الضرائب عام 2012.
كما عملت على ترسيخ وجودها الثقافي والديني داخل سوريا خلال السنوات الماضية، مع انتشار المظاهر الدينية الشيعية بشكل غير مسبوق في دمشق خاصة، إضافة للعمل على تأسيس فروع لجامعة “آزار الإسلامية الإيرانية” وانتشار تعليم اللغة الفارسية في مدن سورية عديدة.
أما روسيا، التي تدخلت عسكريا في سوريا نهاية سبتمبر/أيلول 2015 بعد سنوات من تقديم الدعم لنظام بشار الأسد، فهي تنفق حوالي مليار دولار سنويا على العمليات الحربية، وفق تقديرات مجموعة “أي أتش أس جاينز” الاستشارية البريطانية، وسقط لها ما لا يقل عن مئتي روسي مدني وعسكري بين قتيل وجريح في سوريا
ترسيخ الوجود
بموازاة ذلك، حصلت روسيا حتى اليوم على اتفاق للتنقيب عن النفط والغاز بمياه سوريا الإقليمية ومشاريع في قطاعات الغاز والمطاحن والأعلاف والكهرباء والقمح، إضافة لاتفاقيات تخص القواعد العسكرية الروسية في سوريا تضمن استمرارها لـ49 عاما مقبلا.
اتفاقات لا يبدو أنها ترضي الطرفين بشكل تام حيث تستمر طهران وموسكو في السعي للمزيد من ترسيخ وجودهما في سوريا بمختلف المجالات، فقد تحدث ديمتري روغوزين نائب رئيس الوزراء الروسي نهاية العام الماضي عن “ضرورة التفكير بكيفية جني الأموال لقاء العمل الكبير الذي قامت به روسيا على أراضي سوريا. فروسيا ليست فاعل خير أو دولة مانحة وإنما ستحسب كل روبل وضعته في هذه الحرب دون التساهل فيما يخص مصالحها وأرباحها”.
من جهته، أكد مستشار المرشد الإيراني للشؤون الإستراتيجية رحيم صفوي بمنتصف فبراير/شباط الماضي “ضرورة تعويض إيران عن كافة التضحيات والتكاليف التي قدمتها وهي تحارب الإرهاب في سوريا، مع إمكانية توقيع معاهدات مع الحكومة السورية مشابهة لما حصلت عليه موسكو من معاهدات استعادت من خلالها ما قدمته لسوريا”، وهي تصريحات جاءت بعد حوالي أسبوعين من تأكيدات لصفوي أنه “لولا طهران لسقطت دمشق وبغداد”.
حقل اختبار
وفي تعليقه على الموضوع، رأى الباحث الاقتصادي يونس الكريم العلاقة الروسية الإيرانية في سوريا أنها علاقة “تحارب وتضاد”غرد النص عبر تويتر مع سعي كل منهما لإيجاد منفذ إستراتيجي لأهداف مقبلة على المدى البعيد.
وتتجلى أوجه هذا “التحارب” -وفق الباحث- في سعي الدولتين لوضع اليد على منافذ الطاقة التي تملكها سوريا على البحر الأبيض المتوسط باعتبارها ممرا ملائما لنقل النفط والغاز، وأيضا السيطرة على مناطق القلمون الحدودية بين سوريا ولبنان، فروسيا -بحسب كريم- “تهيمن اليوم على الساحل السوري، في حين نجحت إيران بفرض السيطرة على القلمون خاصة بلدات الزبداني ومضايا”.
وبالإضافة إلى ذلك، سعت روسيا -وفق المتحدث ذاته- للسيطرة على القرار السياسي العسكري في سوريا وأيضا الجوانب الأمنية كاختيار الضباط والمسؤولين في مناصب رفيعة والمطالبة بخروج المليشيات الإيرانية من سوريا.
كما مثلت سوريا بالنسبة لروسيا حقل اختبار لمختلف أنواع أسلحتها سمح للأخيرة بإنعاش هذه الصناعة ومبيعاتها خلال الأعوام المنصرمة. وبدورها رسخت إيران نفوذا تجاريا بشكل خاص في مراكز المدن الأساسية وعلى رأسها دمشق.
الفيلق الخامس
وتحدث مدير شبكة صوت العاصمة الإخبارية العاملة في دمشق رائد الصالحاني للجزيرة نت عن خلافات روسية إيرانية بدأت بالظهور مطلع العام الماضي مع تدخل روسي مباشر في مفاصل وأركان النظام والتوجه نحو الحد من تشكيل مليشيات تابعة لإيران عن طريق استبدالها بالفيلق الخامس اقتحام الذي قدم مغريات مادية كبيرة للمتطوعين فيه لحملهم على ترك تلك المليشيات الشيعية بطابعها.
ولاحقا تحولت الخلافات لما يشبه “الحرب الباردة” كما وصفها الصالحاني، إذ بدأ الروس بالتدخل في أهم المعارك بمحيط دمشق كمعركة “يا عباد الله اثبتوا” في مارس/آذار الماضي لكف يد الإيرانيين الذين أخذوا بالانسحاب بشكل تدريجي لمواقعهم في السيدة زينب جنوبي دمشق، ومن ثم الانتقال لساحات معارك أخرى كدير الزور وحلب.
ورأى المتحدث أن “الوقوف الروسي بوجه إيران بدا أكثر وضوحاً عبر عملية السماح بالعودة لمهجري مناطق جنوب دمشق كالسبينة والبويضة ووادي بردى وأقسام من مدينة داريا، وذلك للحد من مشروع إيران التوسعي بمحيط دمشق ومخطط إنشاء ضاحية جنوبية دمشق قرب المطار على غرار ضاحية بيروت الجنوبية”.
وتشكل مشاريع إعادة إعمار سوريا بعد انتهاء الحرب فرصة لكل من روسيا وإيران لإنعاش اقتصادهما وشركاتهما في مختلف المجالات ذات الصلة، إذ يرى الكريم أن “سوريا دولة مهدمة وبالتالي تمثل مشاريع استثمارية واعدة للبلدين لترسيخ سيطرتيهما بشكل أكبر”.
المصدر : الجزيرة