عن هراء نظام التفتيش في الاتفاق النووي الأمريكي – الإيراني

عن هراء نظام التفتيش في الاتفاق النووي الأمريكي – الإيراني

54bfc914601e9bc73c8b456b

في 11 نيسان/ أبريل الحالي، وضمن سلسلة المقالات التي نخصصها لمناقشة الاتفاق النووي الأمريكي – الإيراني الذي أعلن في 2 نيسان/ أبريل، نشرت مقالا تحت عنوان “مناقشة ضمانات اتفاق الإطار النووي الأمريكي – الإيراني”، ركّزت فيه انطلاقا من التجارب التاريخية ومن المعطيات الواقعية والموضوعيّة على ثلاث نقاط أساسية هي:

1) أن الاتفاق لا “يمنع” إيران بالمطلق من امتلاك سلاح نووي وإنما “قد” يؤخر امتلاكها له. وقد ضربنا مثالا على ذلك الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع كوريا الشمالية عام 1994، والذي انتهى بامتلاك كوريا الشمالية لعدد من القنايل النووية بعد 12 عاما، فقط.

2) إنّ ما يسمى ضمانات تتمثل بالقدرة على التفتيش والتحقق عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية ليست فعالة مهما كانت قوية، وأنّها لن تمنع إيران في النهاية من القيام بما تريد إذا أرادت. وقد ضربنا مثالا على ذلك أيضا بتجربة التفتيش الأقوى عالميا حتى الآن والمتمثلة بالتجربة العراقية.

3 ) أنّ تهديد إيران بإعادة فرض العقوبات عليها إن هي خرقت الالتزام هو مجرّد هراء غير قابل للتطبيق عمليا حينها. وحتى لو افترضنا جدلا لمصلحة النقاش أن ذلك قد تم فعلا، فلن يكون له أي تأثير على المسار النهائي على الاطلاق.

وبخصوص نظام التفتيش والرقابة، كانت الحجج كالتالي:

1 ) نظام المراقبة والتفتيش لا يضمن التزام إيران أو يردعها، لأنه ليس “العصى” بحد ذاته، وإنما هو وسيلة مراقبة، أي بمثابة “كاميرا”.

2 ) إيران دولة شبه قارة من الصعب جدا مراقبة نشاطاتها بشكل كامل، وحتى لو تم ذلك فمن الصعب جدا القطع بنتيجته النهائية. من سيكون قادرا على القول إنّ إيران لم أو لن تغش مطلقا، أو أنها لم تخف أو لن تخفي شيئا؟ وإذا خرقت الاتفاق، فمن سيكون قادرا على إعطاء الدليل القاطع على ذلك؟

3 ) الاتفاق لا ينص أصلا على وجود عمليات تفتيش فجائية، كما أنه لا ينص على أنّ فرق التفتيش يحق لها الوصول إلى أي مكان.

4 ) لدينا تجربة العراق، المفتشون كان لديهم كل الحقوق بالدخول إلى أي مكان في العراق في أي مكان وزمان بشكل مفاجئ ولسنوات طويلة، ومع ذلك لم يكونوا متأكدين من أنّ العراق لا يمتلك أسلحة دمار شامل حتى بعد الحرب التي شنت عليه، فما بالك بدولة معقدة مثل إيران؟

5 ) من هي الجهة التي تمتلك مثل هذه الموارد للقيام بهذه المهمة، وهل الوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤهلة؟ وهل النظام الأممي الذي تتبع له يعمل بشكل جيد وناجح حتى نقول إنّ المهمة ستكون ناجحة؟ (انظروا مثلا الحالة الكيماوية السورية)، ناهيك أصلا عن أنّ إيران لم تتخصّص بشيء بقدر تخصصها في خرقها لنظام العقوبات وفي تعاملها مع السوق السوداء. وبالتالي، فإن إيران تمتلك الخبرة اللازمة للقيام بذلك، وحقيقة أنه سبق لها وإن فعلت ذلك مرارا وتكرارا، فهذا يجعلني لا أطمئن نهائيا إلى أي كلام عن التزامها الطوعي.

6 ) وحتى لو افترضنا أنّه حصل خرق أو تجاوز أو التفاف أو تلاعب بالاتفاق من قبل إيران، فبالتأكيد سيحصل تجاذب وأخذ ورد في المسألة بين من يقول إنه خرق جزئي لا يؤثر وبين من يقول إنه خرق يجب المعاقبة عليه، ونعود بعدها إلى لعبة التجاذبات وإلى المحاور الدولية المعروفة والى لعبة القط والفأر، ويمضي الوقت كما مضى حتى اليوم 12 عاما منذ اكتشاف أن إيران تمتلك برنامجا نوويا.

في 22 نيسان/ أبريل الحالي، عقدت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي جلسة استماع حول الاتفاق النووي الأمريكي- الإيراني لثلاثة من أهم المتخصصين على الإطلاق في النقاط الثلاث التي ناقشها المقال السابق المذكور أعلاه، سنعرض لكم أهم ما جاء في الشهادة الأولى لـ”تشارلز دويلفر” التي تم تخصيصها لمناقشة موضوع التفتيش أيضا ونقارنها بما ذكرناه أعلاه.

وبالمناسبة، فإن تشارلز دويلفر، سبق له وأن شغل منصب نائب الرئيس التنفيذي للجنة التفتيش الخاصة التابعة للأمم المتحدة “اونيسكوم ” والمكلّفة التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل لدى العراق ونزعها وتدميرها. كما أنّه شغل منصب الرئيس السابق لمجموعة مسح العراق، وهي مجموعة مكلّفة معرفة ماذا فعل صدّام بأسلحة الدمار الشامل، وقد عملت في أعوام 2004 و2005 بتوجيه من الـ”سي اي ايه” وكانت تضم 1600 فرد من بينهم بريطانيين وأستراليين أيضا.

يقول “دويلفر” في شهادته من واقع خبرته في العراق:

1 ) تم منح فريق التفتيش صلاحيات غير اعتيادية بموجب الفصل السابع، وقد منحنا الحق بتفتيش أي موقع في أي وقت عبر أي وسيلة نشاء، وكان على العراق الامتثال. كان للجنة وشركائها كالوكالة الدولية للطاقة الذرية مقرات في بغداد وكان هناك أكثر من 100 مفتش مقيم في بغداد بصورة دائمة وكان لدينا مروحيات وأجهزة مراقبة للأماكن التي نختارها، وكان تحت تصرفنا أنظمة مراقبة جوية عبر طائرات، وكنا نحصل على صور تزودنا بها بعض الدول، وكان يحق لنا استجواب أي شخص على الأطلاق نعتقد أن له علاقة ببرنامج أسلحة الدمار الشامل العراقية، وكان يحق لنا مصادرة أيّة وثائق في أي منشأة نفتّشها. كان يحق لنا التفتيش في أي مكان على الإطلاق، وزارة الدفاع ومقر الاستخبارات والثكنات والمواقع العسكرية وحتى قصور صدام.

2 ) كنا نقوم بعملنا في ظل العقوبات المفروضة على العراق، والتي تبقى قائمة إلا إذا أعلن المفتشون أنّهم: تأكدوا من نيّة العراق بخصوص برنامجه لأسحلة الدمار الشامل، وأنهم وضعوا نظام مراقبة يكشف جهود العراق في إعادة إطلاق برنامجه حال فعل ذلك.

3 ) عبء البرهان كان يقع على العراق لكي يظهر أنه يتعاون، وليس على المفتشين.

4 ) استطاع العراق أن يجعل مجلس الأمن يتآكل نظرا لاستمالة روسيا.

5 ) انتهى عمل اللجنة بعد سبع سنوات بالفشل، ولم تستطع إكمال مهمتها.

الاستنتاجات التي خرج بها “دويلفر” هي:

1 ) في المجمل، لا استطيع أن أتخيّل أنّ الظروف في إيران تلعب لصالح نظام التفتيش والرقابة، وأكرر أن إيران لا بد وأنها راقبت تجربة العراق وتعلمت منها أيضا.

2 ) لا يبدو أنّ المفتشين في إيران سيكون لديهم سلطة أكبر أو صلاحيات أكبر من تلك التي كانوا يمتلكونها في العراق.

3 ) على عكس الحالة العراقية، لن يكون هناك قوة تقف خلف نظام التفتيش، لأن العقوبات تكون قد أزيلت وبالتالي لا يمكن فرضها إلا إذا أثبت المفتشون أنّ هناك شيئا سلبيا. وهنا يدور التساؤل حول تعريف “السلبي”، ما هو الشيء الذي يمكن من خلاله أن نقول أنّ هناك دور سلبي، هل هو تأخير دخول المفتشين إلى مكان ما؟ هل هي معلومات ضبابية غير واضحة؟

4 ) عندما يتم اسئناف حركة التجارة يصبح من الصعب إيقافها، وفي الحالة الإيرانية لن يكون هناك عمل غير شرعي عبر التجارة.

5 ) وحدة وتضامن مجلس الأمن ستكون أمرا مشكوكا فيه بدرجة عالية.

الخلاصة أنّ نظام التفتيش الذي يعدنا به أوباما كضمانة هو محض هراء ووهم، لا يمكن التعويل عليه، لا بل هو في هذه الحالة يلعب لصالح إيران، إذ أنّه يرسّخ اعتقادا خاطئا بإمكانية أن يقوم بمنع إيران من إنتاج قنبلة نووية أو رصدها حال قررت التلاعب أو الاحتيال، وهذا ما يجعل الاستنفار الدفاعي في حالة استرخاء إلى أن تفاجئ طهران العالم.

علي حسين باكير

نقلا عن عربي21