العراقيون يخسرون 77% من قيمة اموالهم بالاكتناز

العراقيون يخسرون 77% من قيمة اموالهم بالاكتناز

شذى خليل*
يعرف الاكتناز اقتصاديا بأنه: إمساك النقود وحبسها عن التداول”، وقد يكون بدفن النقود، او حفظها في الصناديق داخل البيوت، وعدم اخراجها للتداول في اسواق النقود ورأس المال.
ويرجع شيوع ظاهرة الاكتناز في البلدان النامية الى ضعف الثقافة المصرفية؛ مما يولد حلقة مفرغة ذات قوى معاكسة لحركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فمعطيات التخلف توسع ظاهرة الاكتناز، مما يؤدي إلى تقليص في حجم الادخار الإيجابي، أي تقليص الاستثمار، الأمر الذي يحدّ من نماء الدخل العام، وحركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية اللازمة لتطوير بلدان العالم الثالث.
ومن الاثار السلبية للاكتناز، وانعكاسه على النشاط الاقتصادي في البلدان النامية تقسيم الدخل وفق الاعتبارات الاقتصادية إلى قسمين: قسم ينفق على المتطلبات الاستهلاكية، وآخر يذهب إلى الادخار.
وإذا افترض أن الدخل، في المدى القصير، يكون ثابتاً، فإن الفرد لا يستطيع أن يزيد ادخاره إلا عن طريق الإقلال من نفقاته الاستهلاكية.

وفي العراق اكد محافظ البنك المركزي علي العلاق ان ظاهرة الاكتناز المالي خارج المنظومة المصرفية، خطيرة اذ تم تسجيل ٧٧٪ من العملة المتداولة خارج اطار منظومة الجهاز المصرفي وهي في حالة اكتناز، ومن اجل توظيف هذه الموارد ودفعها تجاه الادخار واتجاه القطاع المصرفي نحتاج الى جهد كبير و واسع على جميع المستويات”.
واوضح الخبير الاقتصادي رائد فهمي “ان تأمين الموارد الداخلية وتحشيدها في قضية الادخار مهم جدا، وهذا يشكل خطرا وقلقا كبيرين على الأموال الموجودة في حالة اكتناز”
وأشار الى“ ان حالة الاكتناز تعني وجود حالة من عدم الثقة بالقطاع المصرفي في جذب الودائع وهذا تحد كبير لأنه ليس تحديا ماليا واداريا فحسب بل يضر بالواقع الاقتصادي والواقع الأمني والواقع السياسي، وهنا يبرز دور المصارف في تعزيز ثقة المواطن بان يودع أمواله في المصارف.
وقال مدير عام العمليات المالية وإدارة الدين في البنك المركزي العراقي الدكتور محمود داغر ان عدم ثقة المواطن بالمصارف يواجه كل الدول المتخلفة ومنها العراق، حيث نشأت المصارف الخاصة في ظرف غير مستقر وعلى الرغم من كل ما جرى من تعديلات وتحسينات الا انه المصارف ما زالت غير قادرة على المواجهة، وما زلنا نشهد هيمنة للمصارف الحكومية مثل الرافدين والرشيد، على معظم الودائع والموجودات المصرفية وبالتالي هذا الامر خلق معضلة للمصارف الخاصة لكي تنهض بدورها.
وأشار داغر الى “مخالفات المصارف لتعليمات البنك المركزي خصوصا في عمليات بيع الدولار، مشيرا الى تحول العراق الى اقتصاد السوق، الذي من شروطه العرض والطلب .
وبين ان هناك طلبا عاليا على الدولار بسبب عدم الاستقرار ولا يمكن كبح جماحه لافتا الى انه سابقا كان البنك المركزي قبل ٢٠١٤ يغطي كل الكمية والان نحن لا تغطى الكمية المطلوبة من قبل المستوردين او الذين لديهم أصول او التحويلات الخارجية وهذا ضغط، على الاقتصاد
ويرجع عدم ثقة المواطن بالمصارف الى ما يلي:-
• عدم دفع الحكومة مستحقات القطاع الخاص، والمقاولين والفلاحين بالرغم من مرور سنوات طويلة على استحقاقها، إضافة الى عدم وجود سيولة نقدية في المصارف وخاصة الاهلية منها، فعند مراجعة المواطن لسحب أمواله يصدم بعدم قدرة المصرف على الوفاء بمستحقاته.
• ان المواطن العراقي يخسر ما يقارب ٥٪ من أمواله بسبب فرق سعر الصرف بمجرد إيداع أمواله بالدولار في حسابه المصرفي ثم سحبها، وهذه معاناة كبيرة عليه، وعلى البنك المركزي مراقبة المصارف الاهلية والحكومية في تثبيت ووضع سقف ثابت لمقدار صرف العملة الأجنبية لكن نلاحظ ان هناك عمليات تلاعب وفساد في هذا الموضوع.
• ان أخطر حالة يواجهها المواطن مع المصارف الاهلية هي انها تغلق وتقفل أبوابها دون سابق انذار ودون أي محاسبة قانونية لها، لذلك نرى ان اغلب المواطنين هربوا من التعامل مع المصارف الاهلية.
• ان تلكؤ الخدمة وعدم مواكبة بعض المصارف للحداثة والروتين في النظام المصرفي الخاص الذي كان من المفترض ان تتخطاه، وهذه أمور لها دورها ووقعها.
• ضعف الوعي لدى الافراد بأهمية وجود قطاع مصرفي خاص وهذه النظرة تعني الحاجة لتوسيع نطاق الشمول المالي الذي يعني إيصال الخدمة المصرفية لجميع المواطنين سواء في القطاع الحكومي او الخاص.

واكد المستشار المالي والاقتصادي الدكتور مظهر محمد صالح ان مظاهر الاكتناز في العراق تأخذ ابعادا مختلفة ، وهي: الاكتناز العيني كالذهب والمجوهرات والنفائس الثمينة ، والاكتناز بالدينار العراقي الذي يستحوذ على نسبة 77% من العملة المصدرة خارج البنك المركزي العراقي ، والاكتناز بالعملة الاجنبية.
والاكتناز يضعف قوة الاقتصاد الوطني بتحويل مدخراته التي تؤازر دروتي الدخل والانتاج ، الى تسريبات متعثرة ، في دورة الدخل او تضعف فرص الانتاج وادامة النشاط الاقتصادي .
وهنا يكون الطلب على النقود او الثروة الشبيهة بالنقود لأغراض التحوط ” اللايقين “.
ان تاريخ المصرفي العراقي شهد خلال القرن الماضي ظاهرة مبادلة الذهب بالعملة الورقية عن طريق وضع الذهب كرهينة عند الصاغة، او المرابين لقاء فائدة ربوية ، اذ يساعد الطلب على النقود هنا عبر ضمانة الذهب بإخراج النقود الرسمية المكتنزة من دورة التسريبات النقدية الى دورة الانفاق، وتحريك النشاط الاقتصادي ، لكن بأدوات السوق غير القانونية ، وبهذا يكون الطلب على النقد لأغراض المعاملات ولكن لدورات دخل غير مكتملة بالضرورة ولا تقود الى التوازن الاقتصادي الحقيقي .
واشار صالح الى حدث مهم في تاريخ الاقتصاد العراقي، في ستينيات القرن الماضي اذ تم تأسيس مصرف حكومي سمي بمصرف الرهون / بديلا قانونيا ورسميا لظاهرة المرابين وعموم السوق غير القانونية ، اذ كان يوفر قروضا نقدية مضمونة بالذهب يتولى ممارستها مصرف الرهون ، في تقديم القروض النقدية لقاء الاحتفاظ بالذهب الذي هو بحوزة المقترض الى حين موعد استحقاق القرض او السداد مقابل فائدة يتقاضاها مصرف الرهون لسد التكاليف التشغيلية وجزء من مخاطر تقلب قيمة الضمانة نفسها من المجوهرات والقطع الذهبية المشغولة .
ويسلط صالح الضوء على المصرف الغي في بداية السبعينيات لأسباب غير معروفة .
وظلت المصارف على علاقة شبه مصرفية متبادلة مع الزبائن في تقديم الخدمات ، اذ ظلت الصناديق المصرفية او خزائن المصارف الشخصية الحصينة متاحة للمواطنين ويتاح استخدامها داخل كل مصرف ولاسيما الحكومية ومنها وخصوصا الرافدين والرشيد .
ويستطيع المواطن الاحتفاظ بمسوغاته الثمينة، ووثائقه المهمة، في قاصات حصينة بنسبة أمان تبلغ مئة بالمئة، لقاء اجر شهري او سنوي مقطوع.
وانحسرت هذه الظاهرة الايجابية منذ زمن ليس بالبعيد ، وكانت تسهم في تقريب المواطن الى اجواء المصرف او البيئة المصرفية، والتعريف بخواصها كمؤسسة قانونية، وبغياب هذه الخدمة الامينة قطعت واحدة من اواصر الصلة بين المواطن، والمصرف ككيان يحافظ على ثروة المجتمع وتقوية الصلة بين المواطن والمصرف .

ودعا صالح البنك المركزي العراقي لمباشرة دراسة ، منح اجازة لمصرف العراقي للرهون، لرهن الذهب والمجوهرات لقاء المال النقدي ( مما يعزز الائتمان المصرفي ويحول اشباه الثروة المكتنزة الى قوة ضامنة في توليد طلب على النقود لاغراض المعاملات ودعم النشاط الاقتصادي .
وعد هذا الامر احد القنوات المؤسسية في القضاء على ظاهرة الاكتناز بأشباه النقود كالذهب وغيره، وتعظيم اجواء الثقة بين المصارف والمواطنين، باستقبال مجوهراتهم الذهبية وغيرها من النفائس الثمينة في خزائن حصينة لدى المصارف لقاء اجور ميسرة .
وطالب المواطنون بإنشاء شركة ضمان للودائع ليطمئنوا على ودائعهم المصرفية من مخاطر انكشاف المصارف واخفاقاتها؛ كونه يخفض من حالة الطلب على النقد السائل كمكتنزات والتي تعد دالة غير مستقرة، شديدة القلق، عالية الارتباط في تفسير تأثير اللايقين في طلب الافراد على النقد بشكله المتداول، الاكتناز( او اشباه النقود، والحيلولة دون زجها بدورة الدخل وحرمان دورة النشاط الاقتصادي.

وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية