قبل شهرٍ من تاريخ نشر هذا المقال وفي 25 مارس (آذار) أمر الملك سلمان بن عبد العزيز ببدء معركة «عاصفة الحزم» وقبل خمسة أيامٍ في 21 أبريل (نيسان) أمر بإنهائها بعد تحقيقها لأهدافها الرئيسية.
بعقلانية وواقعية وبعيدًا عن المبالغة تكاد هذه الحرب تكون حربًا نموذجيةً للمعارك الحديثة. حربٌ تمّ التمهيد لها بهدوءٍ وتفكير استراتيجي متكاملٍ وترتيب لمراحلها وبناء تحالفٍ واسعٍ يقوم بها بقيادة سعودية وبنفس الطريقة تمّ استصدار قرار من مجلس الأمن لدعمها تحت البند السابع وتحييد الموقف الروسي، ولم تدع مجالاً للخصوم إلا تجرع السم.
الانتقال للمرحلة الجديدة أي مرحلة «إعادة الأمل» لا يعني إيقاف العمليات العسكرية بل يعني إعادة ترتيب أولويات الحرب والتوجه للنتيجة الطبيعية لأي حربٍ وهي الحلول السياسية، والرياض أصبحت موئلاً لكل أطياف المجتمع اليمني، وقد وصلها مؤخرًا وفدٌ من حزب المؤتمر أي حزب الرئيس المعزول علي عبد الله صالح.
تحدث المتحدث الرسمي باسم التحالف بإسهابٍ عن إنجازات «عاصفة الحزم» العسكرية وتحقيقها الكامل لأهدافها الرئيسية، والإنجازات السياسية لا تقل أهميةً فقد أثبتت السعودية ودول التحالف العربي نفسها كلاعبٍ رئيسي في منطقة الشرق الأوسط قادرٍ بقوته السياسية والاقتصادية والعسكرية على حسم الملفات التي تشكل تهديدًا لمصالح الشعوب العربية والدول العربية.
وفي التفاصيل فقد تم بنجاحٍ مبهرٍ وسرية تامة بناء التحالف، من عشر دولٍ عربية، وعدد من الدول الإسلامية، مع دعم دولي واسع، كانت ذروته في قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع بعد تحييد روسيا، مع استعادة للسودان للصف العربي.
في المشهد اليمني الداخلي انقلب السحر على الساحر، وتغيرت المعادلة داخل اليمن بشكلٍ كبيرٍ، فقد عادت للشرعية هيبتها وتمّ كسر عناصر الإرهاب من الحوثيين وعناصر التخريب من أنصار صالح، ولم يعد أمامهم إلا الإذعان والعودة لطاولة الحوار الذي يقوده الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي ونائبه خالد بحّاح وفق أسسٍ وطنية جديدة.
مع انطلاق عملية «إعادة الأمل» التي ستتطور باتجاه مشروع مارشالٍ ضخمٍ لإنقاذ الدولة اليمنية والاقتصاد اليمني بعد بسط استقرار الدولة وفرض الأمن والسلام داخل ربوع اليمن فمن الطبيعي أن تأخذ بعض الترتيبات وقتها الطبيعي وأحسب أن من أهمها اختيار شخصية سياسية ذات مصداقية تكون من المحافظات الشمالية في اليمن وتنتسب للمذهب الزيدي الكريم ويتم تعيينها نائبًا للرئيس دعمًا وتأكيدًا على وحدة الدولة اليمنية وعدالة التمثيل السياسي لكل مكونات الشعب اليمني.
لقد رفعت السعودية علامة «قف» سياسية وعسكرية لا في وجه ميليشيات الحوثي ومخربي صالح فحسب بل في وجه المشروع الإيراني التوسعي في المنطقة برمّتها، وقد تمّ إخضاع إيران وكسر هيبتها في أقل من شهرٍ، وقد أصيبت عمائم الفتنة في طهران في مقتلٍ أجبرهم على الصمت لأسبوعين كاملين، ومن ثم أطلقت سيلاً من الشتائم تجاه السعودية بدأت بالمرشد الأعلى علي خامنئي مرورًا بالرئيس حسن روحاني وصولاً لأتباع إيران في الدول العربية كحسن نصر الله وعبد الملك الحوثي.
التدخل الإيراني في شؤون الدول العربية أصبح مرفوضًا رفضًا قاطعًا، فهو لا يستند إلى أي شرعية من أي نوعٍ، وهو مرفوض عربيًا وإقليميًا ودوليًا، وهو مشروعٌ فضح نفسه وطموحاته الإمبراطورية وسعيه لبسط نفوذه على الشعوب العربية ولم يبق له من نصيرٍ عربي إلا مثقفٌ خائنٌ أو إسلاموي منافق.
لم يكن حسن البنا يمثل الإسلام التقليدي حين خرج بفكرة «الإسلام السياسي» والجماعة التي تحتكر الإسلام، ولم يكن الخميني يمثل المذهب الشيعي حين هدم الفقه الشيعي التقليدي وبنى نظرية ولاية الفقيه التي تمثل «الإسلام السياسي» بصيغته الخمينية، وما كان يسعى إليه حسين بدر الدين الحوثي المنظِّر الأشهر لحركة الحوثيين هو أن يصنع «إسلامًا سياسيًا» بنكهة زيدية تسحب المذهب الزيدي للتشيع الاثني عشري وفق نظرية الخميني. والثلاثة سياسيون دمويون لا يتورعون عن استخدام الدين أو الطائفة أو المذهب بشكلٍ دموي خدمةً لأهدافٍ سياسية بحتة تهدف للتوسع والنفوذ عبر القتل والدماء والأشلاء.
ولكن ما الذي أخاف إيران من عاصفة الحزم؟ أولاً، الجهود الدبلوماسية المنسقة على مستوى عالٍ لبناء التحالف ولبناء التأييد الدولي مع حلفاء العاصفة (الدول الغربية والإسلامية والعربية)، ومع خصومها (روسيا)، ثانيًا، العملية العسكرية الجوية الضاربة، التي كانت مفاجئةً لإيران في كثافتها وفي نوعيتها، والتي تخشى في حال نجاحها أن يتم تطبيقها وفق مواضعات معينة ذات سياقٍ مختلفٍ في أماكن أخرى في المنطقة. ثالثًا، أن القوّات الجوية الضاربة يمكن أن تحسم الحروب.
يردد بعض المؤدلجين الزعم بأن القوّات الجويّة لا تحسم الحروب، وهذا كلام غير صحيح، بل لقد أصبحت القوات الجوية تحسم الحروب وتكسبها، وأشهر الأمثلة على ذلك حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت 1990 حيث تمت هزيمة صدام حسين وطرده من الكويت وإجباره على الخضوع من خلال حربٍ جوية بالكامل. ولم تدخل أي من قوات التحالف العراق.
وكذلك حرب كوسوفو التي حسمت بالقوات الجوية، وما تبقى تكفلت به قوات تابعة للأمم المتحدة، وقل مثل هذا في حرب إسرائيل ضد حزب الله 2006 حرب انتصرت فيها إسرائيل بالقوات الجوية ولم تدخل قوة برية للبنان.
إن الخوف الإيراني مصدره العجز عن الفهم للمرحلة الجديدة التي خلقتها السعودية في المنطقة، وهذا العجز له مسبباتٌ من أهمها: أولاً، ظلت إيران مخمورةً بأوهام الانتصار والتوسع والبناء الإمبراطوري وفرض الهيمنة، وبعد تصريحات متفرقة تتحدث عن «جيوش» لها في الدول العربية، وعن نجاحاتٍ لها في العراق وسوريا ولبنان، عجز العقل الإيراني في صناعة القرار عن وعي وإدراك المرحلة الجديدة التي كشرت فيها السعودية ودول الخليج والدول العربية عن أنيابها.
ثانيًا، الهرم والطعن في السن، فقادة إيران هرمون في السن ومرضى في الوعي، يعانون من الشيخوخة وسيطرة الأوهام، تقودهم الآيديولوجيا وتعميهم أوهام القوة، وقد حجبتهم أحلام التوسع ونجاحات الاختراق للدول العربية عن رؤية الصورة الكاملة للمنطقة، وللجديد فيها.
ثالثًا، لقد ركز خامنئي طويلاً على أسلوب التغلغل في الدول العربية وصناعة الجماعات المسلحة أو دعمها في حال وجودها، ولكنه نسي الحروب النظامية التي تخوضها الدول دفاعًا عن مصالحها وأمنها، ومن هنا أصيب في مقتل.
أخيرًا، فإن «إعادة الأمل» هي مرحلة جديدة بعد «عاصفة الحزم» واستمرارٌ لها في الوقت نفسه، وهي ستكون أطول زمنيًا وتستلزم الكثير من الجهود السياسية والاقتصادية والإغاثية ولن تقل نتائجها عن نتائج «عاصفة الحزم».
* نقلا عن “الشرق الأوسط”