حذر البروفيسور غوستاف هورن مدير المعهد الألماني للاقتصاد الكلي من مخاطر الاستثمار في العملات الرقمية المشفرة، مشيرا إلى أن بتكوين وأخواتها من العملات الرقمية هي مشروعات مضاربة ارتبط انتشارها وارتفاع قيمتها بأجواء الأزمة والقلق وتهديدات الحروب التجارية الراهنة.
ونوه الخبير الاقتصادي الألماني إلى أن البعد الإجرامي لهذه العملات بسبب سرية معاملاتها المالية أدخلها في دائرة متابعة أجهزة الاستخبارات والشرطة.
واستبعد أن تحل العملات الرقمية مكان العملات التقليدية، وقال إن “العملات الرقمية ليس لها قيمة ولا علاقة لها بالاقتصاد ولا يمكن قياسها بالذهب ولا توجد ضمانة لإمكانية استخدامها في معاملات مالية طبيعية”. وهذا نص الحوار:
بعلم الاقتصاد ترتبط العملات الوطنية التقليدية للدول والكيانات السياسية بقوة أو ضعف الاقتصاد أو بغطاء نقدي ذهبي متوفر بالبنوك المركزية، لكن منذ عام 2008 تغير هذا الوضع بدخول بتكوين وأخواتها على المشهد المالي العالمي، أي أهداف تخدمها هذه العملات المشفرة؟
هذه العملات الجديدة هي بالأساس مشروعات مضاربات، ولا ترتبط بمقومات الاقتصاد المتعارف عليها كالذهب أو العملة، وليس لها قيمة إلا ما يراها مشتروها، وهي جاءت في وقت أزمات وتراجع الأمان والوضوح بالأسواق المالية، وتهديدات باندلاع حروب تجارية، ولهذا أقبلت شرائح من الناس الفاقدين الثقة في الدولار واليورو والعملات التقليدية على استثمار أموالهم في هذه العملات السرية (الافتراضية) لاعتقادهم أنها مضمونة تقنيا، وشرائح أخرى استثمرت فيها لاستغلال ما تتيحه من إمكانية إخفاء تحويلاتها المالية المشبوهة والمرتبطة بغسيل الأموال أو أنشطة إجرامية أخرى.
هناك أكثر من مئة عملة رقمية، فهل تتوقعون زيادة هذا العدد مستقبلا؟
نعم، وزيادة أعدادها تبدو الآن مجدية مع صعود قيمة بتكوين، واعتبارها في وقت عدم الأمان حافزا لإطلاق عملات رقمية جديدة يمكن التحكم فيها وتحقيق مكاسب عبر رسوم التحويلات المالية المستخدمة فيها، ومرحلة زيادة أعداد هذه العملات المشفرة ستتلوها مرحلة أخرى يتبين فيها للناس انعدام قيمتها بعد خسارة مدخراتهم، وهو ما سيقود لانهيار واختفاء هذه العملات.
هل تؤشر بتكوين وأخواتها على ظاهرة صحية في الاقتصاد العالمي؟
هي ظاهرة تؤشر على أمرين، الأول هو التأثير الكبير للتطور التقني في النشاط الاقتصادي العالمي، والثاني هو أن تزايد الإقبال على الاستثمار فيها بوصفها مشروعات جديدة وارتفاع قيمتها مرتبطان بأجواء عدم الثقة السائدة في الأسواق المالية، وهو نفس ما حدث في مراحل عدم أمان سابقة بالاستثمار في سبائك الذهب.
هل تعبر العملات الرقمية عن واقع مستقبلي؟
نعم لأن لها إيجابية وحيدة مهمة للجميع هي خفضها رسوم التحويلات المالية، واستمرار التقدم التقني سيجعل هذه التحويلات تتم عبر العملات المشفرة بلا حاجة لبنوك أو وسطاء ماليين، وبرسوم أرخص كثيرا مقارنة برسوم التحويلات التقليدية، لذلك فالعملات الرقمية مرشحة للتحول لواقع رقمي مواز للعملات التقليدية.
توقعت دراسة أوروبية صدرت قبل أيام حلول العملات المشفرة مكان الدولار واليورو والعملات الورقية الأخرى بحلول عام 2030، ما هو رأيكم بهذا؟
توقع خاطئ، لأن العملات الرقمية ليس لها قيمة ولا علاقة لها بالاقتصاد ولا يمكن قياسها بالذهب ولا توجد ضمانة لإمكانية استخدامها بمعاملات مالية طبيعية مثل السداد في المتاجر، لكن ما يمكن حدوثه هو تغيير العملات الورقية مثل الدولار واليورو لطبيعتها وتحولها لعملات رقمية، وهذا ما أتوقع حدوثه عبر التطورات التقنية، ولذلك فالعملات الورقية لن تختفي.
هل تتوقع تسبب العملات الرقمية المشفرة بحدوث فقاعة مالية وبالتالي أزمة جديدة للاقتصاد العالمي؟
هذا الخطر لا يمكن استبعاده، فالصعود الكبير لقيمة بتكوين يعكس استثمار أموال هائلة فيها، وترديها سيحوّل هذه الاستثمارات لعدم، وحالة هذه العملات ضعيفة حاليا ولا تمكنها من التسبب في أزمة، لكن استمرار معدلات الصعود والهبوط بشكل حاد من شأنه التسبب بأزمة عالمية.
لماذا دعا الاتحاد الأوروبي لإصدار عملته الرقمية الخاصة “يوروكوين”؟
إصدار “يوروكوين” عملة رقمية موازية لليورو يتيح استخدام التطورات التقنية لتسهيل التحويلات المالية وخفض رسومها للأفراد والشركات، وتقديم المصرف المركزي الأوروبي يوروا رقميا موازيا لليورو الورقي سيحول دون إصدار كل دولة بمنطقة اليورو عملة رقمية خاصة بها مثلما أعلنت إستونيا، وهو ما يحمل مخاطر شديدة لليورو من خلال فتح باب خلفي للعودة للعملات الوطنية الأوروبية السابقة.
كيف تقيمون عزم إستونيا إصدار عملتها الرقمية الرسمية “إستكوين”؟
هذا الإعلان علامة خطر للمصرف المركزي الأوروبي، وأنا ضد إصدار أحادي للدول بمنطقة اليورو لعملة رقمية خاصة بها، وإذا أصدرت إستونيا “إستكوين” وقالت بالبداية إن قيمة هذه العملة ستعادل يوروا واحدا، فإن هذا يطرح شكوكا بشأن ما ستعمله حكومتها بمواجهة أي أزمة قادمة، وهل ستبقي هذا التقييم كما هو أم ستلجأ لتخفيض قيمة “إستكوين”؟ وفي الحالتين هناك مخاطرة كبيرة على اليورو.
السويد أول دولة بأوروبا تصدر عملة ورقية عام 1661، وأعلنت قبل أيام أنها ستكون الأولى عالميا التي تصدر عملة رقمية رسمية هي الكرونة الرقمية العام القادم، كيف تنظرون لهذا التطور؟
هذا تطور إيجابي لكون السويد ليست عضوا بمنطقة اليورو، وعملتها الرقمية المرتقبة ستكون موازية لعملتها الحالية الكرونة، وهي ستخفض لمواطنيها رسوم التحويلات المالية.
شركة كوداك الأميركية لكاميرات التصوير فاجأت بإعلانها عزمها إصدار عملة رقمية خاصة بها لاستخدامها في سداد مكافآت مصوريها، هل ستتسع هذه الظاهرة؟
هذا متوقع، لكن مثل هذه العملة لن يكون لها أي قيمة، والمصورون لن يكونوا ملزمين بالقبول بها لأنهم لن يمكنهم استخدامها في معاملات مالية طبيعية كالبيع أو الشراء.
هل هناك توقعات بوجود قوى إجرامية أو مشبوهة خلف العملات الرقمية، فهل تراقب الأجهزة الأمنية بأوروبا ما يجري بهذا المجال؟
هناك منظمات أو عصابات تستغل السرية الشديدة للمعاملات المالية للعملات الرقمية في أنشطة مشبوهة مثل غسيل الأموال وغيرها، وهذا البعد الإجرامي جعل بتكوين وأخواتها في مجال متابعة الشرطة والاستخبارات.
هل يمكن مراقبة أو ضبط العملات الرقمية الحالية بواسطة هيئة عالمية تنشأ لهذا الغرض؟
أنا ضد هذا، لأنه سيمنح هذه العملات نوعا من الشرعية والضمانة من خلال إلزامها بمعايير، وهذا خطأ، والأفضل منه الإعلان بوضوح أن هذه العملات السرية هي مضاربات لا ضمان لها، وأن كل من يستثمر فيها يتحمل مسؤولية ما يفعل، ومن ضمنه فقد أمواله.
معظم الدول العربية حظرت التعامل في بتكوين، فهل من نصيحة أفضل لهذه الدول بشأن العملات الرقمية؟
سأنصح الدول العربية بما نصحت به المصرف المركزي الأوروبي بإصدار عملات رقمية خاصة بها كعملة رسمية للدفع لتسهيل التحويلات المالية، وإبعاد المستهلكين والمستثمرين عن مخاطر العملات الرقمية الحالية، وهذا ممكن لكل دولة عربية بشكل مستقل أو كعملة عربية موحدة.
المصدر : الجزيرة