أنقرة – لا يترك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أي فرصة تتاح ليخلط الأوراق عبر مبادرات و”تخريجات” لإلهاء الشارع السياسي التركي والحيلولة دون مساءلته عن الأزمات التي تعيشها البلاد سواء ما تعلق منها بالوضع الداخلي أو بحالة الإرباك الخارجية لأنقرة بسبب التورط في أكثر من ملف.
ولم تأت “التخريجة” الجديدة على لسان أردوغان بل عن طريق رئيس حزب معارض هو حزب الحركة القومية التركي دولت باهجة لي، الذي اقترح تقديم موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية إلى 26 أغسطس القادم، بدل الموعد المقرر مسبقا في نوفمبر 2019.
ويقول متابعون للشأن التركي إن اقتراح باهجة لي تقديم الانتخابات كان مرتبا بشكل واضح مع أردوغان، والدليل أنهما سيلتقيان، الأربعاء، لتدارس هذا المقترح وسبل تحويله إلى أمر واقع. كما أن الحزب الحاكم بادر وبشكل فوري إلى التفاعل بإيجابية مع ما طرحه رئيس حزب الحركة القومية.
وصرح المتحدث باسم الحكومة التركية بكر بوزداغ، الثلاثاء، بأن حزب العدالة والتنمية الحاكم يدرس دعوة باهجة لي المطالبة بإجراء انتخابات مبكرة في أغسطس القادم. وقالت وكالة أنباء الأناضول، إن “الاجتماع ينطوي على أهمية خاصة”.
يذكر أن باهجة لي دعم مسعى أردوغان لتوسيع صلاحياته الرئاسية في الاستفتاء الذي جرى في أبريل 2017، ونجح الرئيس التركي من خلاله في تمرير التعديلات المقترحة.
ويقول محللون إن اقتراح باهجة لي يحرر أردوغان من تبعات الدعوة المباشرة لإجراء انتخابات مبكرة، حتى لا يبدو في صورة من يريد الهروب إلى الأمام عبر حرف الأنظار عن انهيار العملية وحالة الشك في مستقبل الاقتصاد، فضلا عن توسع دائرة الغاضبين على سياساته الخارجية.
ويشيرون إلى أن التركيز على تضخيم اقتراح باهجة لي ليس له من هدف سوى تجنيب الرئيس التركي حالة الإحراج التي ستعتريه لو كان هو صاحب المبادرة، وأن الأمر مجرد مناورة كي لا يقال إنه يخشى من ابتعاد الناس عنه، أو من انخفاض مستوى الدعم الشعبي، وهو وضع سيعطي مبررات قوية لخصومه ليهاجموه بشدة.
ومن الواضح أن أردوغان، الذي عمل ما في وسعه لتوسيع صلاحيات الرئيس وتجميع السلطات بيده، يريد انتخابات مبكرة للبقاء لأنه غير متأكد من أنه سينجح لو حدثت الانتخابات في العام القادم.
واعتبر ياوز بيدر رئيس تحرير موقع “أحوال” التركي، أن باهجة لي تحرك لإجبار أردوغان على الدخول في مناورة بالنظر إلى أنه يرى أن حزبه (الحركة القومية) قد دخل في اضطرابات، حيث غادره الكثير من الأعضاء، بينما يسعى الناخبون الذين أزعجهم بناء تحالف بين الحزب وأردوغان إلى الانضمام لأحزاب أخرى.
وأشار بيدر في تصريح لـ”العرب” إلى أن أردوغان سيجد نفسه قد انجر إلى موقف صعب. فإذا أصر على إجراء الانتخابات العام المقبل، فقد ينهار التحالف مع باهجة لي. كما أنه في حاجة إلى وقت لتمرير قوانين توافقية أساسية بشأن الرئاسة عبر البرلمان ومن شأن الانتخابات المبكرة أن تجعل ذلك صعبا جدا إن لم يكن مستحيلا.
وعزا مراقبون سعي أردوغان والمحيطين به لتصوير الأمر وكأنه كان عبارة عن مبادرة من باهجة لي دون إملاءات من أردوغان، بأنها مناورة لا تخفى على المطلعين على تطورات الأوضاع في تركيا.
وشدد هؤلاء المراقبون على أن الانتخابات المبكرة التي يصبو إليها الرئيس التركي ربما تكون حلا وقائيا مؤقتا مأمولا لديه، وهو الذي يفكر في استغلال الوقت والهروب بأزماته إلى الأمام، ومن ثم البدء بعد ذلك بإطلاق رهانات جديدة بناء على مستجدات الواقع.
ويراهن أردوغان على مباغتة الأحزاب المنافسة لحزب العدالة والتنمية وله شخصيا من خلال عرض انتخابات مبكرة تهدف إلى تطويق تراجع شعبيته، كما أنها تربك خطط الآخرين لاستثمار أزماته الداخلية والخارجية في حملات مركزة ربما كانوا يخططون لإطلاقها مع بداية العام القادم.
ويقول محللون إن الرئيس التركي يجد صعوبة في الإقناع بسياساته الداخلية والخارجية حتى داخل حزب العدالة والتنمية، خاصة المحاكمات والاعتقالات التي طالت الآلاف من أنصار حليفه السابق فتح الله غولن، وهم في الأصل جزء كبير من الجمهور الانتخابي لأردوغان والعدالة والتنمية.
ويضاف ذلك إلى حالة من الغضب الشعبي في صفوف أكراد تركيا الذين لا يجدون مبررا لتورط أنقرة في معارك ضد أشقائهم في سوريا والعراق.
العرب