تؤثر الصراعات العسكرية في العادة على من هم في قلب الصراع داخل بلد ما، لكن هذا التأثير غالباً ما يمتد إلى بلدان الجوار ، فالصراع في الشرق الاوسط جعل المنطقة برمتها كرة لهب تتدحرج في كل اركان الاقليم، وكان النشاط الاقتصادي في تلك البلدان من اكبر الخاسرين جراء هذه الصراعات التي اتت على الاخضر واليابس ، حيث اثرت على التجارة والصناعة والسياحة، وكل اشكال النشاط الاقتصادي ناهيك عن هروب المستثمرين نتيجة انعدام عامل الاستقرار.
تكبدت المنطقة العربية على مر العقود العديد من الخسائر الهائلة في المجالات الاقتصادية والعسكرية والبيئية والاجتماعية والسياسية للصراع سواء اكانت بشرية او اقتصادية ، وبلغت تكلفة الصراعات التي خاضتها المنطقة العربية منذ العام 1948 نحو12 تريليون دولار، وقد اشرنا لتاريخ 1948 كونه بداية الصراع الطويل الامد بين العرب والاحتلال الاسرائيلي .
واليوم يشهد الوطن العربي الذي يفوق عدد سكانه 360 مليون نسمة، نزوحاً كثيفاً للمدن وتراجعا في المساحات الصالحة للزراعة، ما نتج عنه العديد من المشكلات البيئية والتصحر والجفاف ، بسبب الفشل التنموي في بعض البلدان.
إن الصراع في المنطقة أثر بشكل كبير على التجارة والسياحة وهز ثقة المستثمرين “وهو ما يجعل التوقعات لمستقبل اقتصاد المنطقة سلبية”.
وفيما يتصل بالدول المستوردة للنفط ، تشير الدراسات الى ان هناك إشارات إيجابية بعد ثلاث إلى أربع سنوات صعبة، متوقعة حدوث انتعاش في مستوى النشاطات الاقتصادية، في ظل مخاطر تتصل بالصراع الدائر في المنطقة.
النزوح وتبعاته
من المعلوم ان الصراعات التي تشهدها المنطقة العربية افرزت العديد من القضايا التي شكلت عقبات وعراقيل في طريق التقدم الاقتصادي لدولها، وكانت اهمها مسألة النزوح وما يرافقه من تأثير على الدول المضيفة وموازناتها ، ولنأخذ على سبيل المثال الاردن نموذجا للدول التي عانت تبعات النزوح فالأردن من اكثر الدول التي تأثرت بالصراعات التي شهدتها المنطقة نظرا لموقعه الاستراتيجي الذي يقع داخل بؤرة الصراع وكانت مسألة النازحين من سوريا اكبر التحديات التي القت بظلالها على الاقتصاد الاردني خصوصا مع تقاعس الدول المانحة والمنظمات الدولية عن الايفاء بالتزاماتها تجاهه، ما سبب للاردن عجزا في الموازنة العامة يرافقه ضغط هائل على الخدمات والقطاعات الحيوية التي زاد من تأثيرها الاقتصادي السلبي اغلاق المعابر التجارية مع سوريا التي شكلت احدى الضربات المؤلمة للاقتصاد الاردني .
الانفاق العسكري الهائل
تقول دراسات متخصصة ان منطقة الشرق الأوسط تشهد منذ سنين اتساعا في الصراعات تعد هي الأكبر من نوعها في العالم.
وبما ان النتيجة المنطقية لاي صراع ، ان يرافقه سباق تسلح وتهافت على شراء الات الحرب ، فان هذا ما حصل في المنطقة العربية التي تعج بالصراعات، حيث سعت العديد من الدول الى اقتناء احدث انواع الاسلحة العسكرية لمواجهة الصراعات التي تعيشها او تحيط بحدودها؛ ما رتب عليها مبالغ ضخمة جدا ارهقت ميزانياتها خصوصا غير النفطية التي تعاني بالاصل مشاكل اقتصادية جوهرية .
و قُدرت مراكز بحوث اقتصادية عالمية الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط لعام 2014 بـ196 مليار دولار، بزيادة قدرها 5.2% عن عام 2013، وبزيادة 57% عن عام 2005.
وتشير تقارير الى ان منطقة الشرق الأوسط، تسجل نسبة زيادة في حجم الإنفاق العسكري بـ4.6% غير أن هناك نقصا في البيانات الخاصة بالعديد من الدول، وبينها إيران.
وتعد السعودية في مقدمة الدول العشر المتصدرة للقائمة في العالم من حيث الانفاق العسكري حيث بلغت “أكثر من 80 مليار دولار في أحدث تقرير للمعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم، بسبب صراعات الشرق الأوسط. مشيرا الى ارتفاع الانفاق العسكري السعودي بنسبة 17 % في 2014.
وتاتي المملكة الخليجية الثرية بالنفط ضمن أكبر 15 دولة تتصدر قائمة الدول ذات الإنفاق العسكري الأعلى في العالم.
وقال رئيس مشروع الانفاق العسكري في المعهد سام بيرلو-فريمان: “على الرغم من أن إجمالي الانفاق العسكري العالمي لم يتغير في الأغلب فإن بعض المناطق مثل الشرق الأوسط وكثيرا من دول افريقيا مازالت تشهد عمليات تعزيز سريعة تضع عبئا ثقيلا على نحو متزايد على اقتصاديات كثيرة.”
وأضاف “هذه الزيادات تعكس إلى حد ما تدهور بالأوضاع الأمنية.”
ونبهت تقارير مختصة من أن زيادة الحشد العسكري في الشرق الأوسط وأفريقيا تشكل ضغوطا على ميزانيات الدول التي تزيد إنفاقها على التسلح.
وتشير الأرقام إلى أن دولا آسيوية وشرق أوسطية تتصدر قائمة البلدان التي تعد أكبر المنفقين على قدراتها العسكرية عام 2014 مقارنة بعام 2013، وتأتي على رأسها المملكة العربية السعودية.
وتبين ان القلق الحقيقي ينبع من أن تصبح الموارد البيئية خاصة ندرة المياه سببا في الصراع في المستقبل، وتتصف الصراعات في المنطقة بأنها “سياسية ذات أبعاد اجتماعية ودينية منذ عام 1948 .
ان الشرق الاوسط هو المنطقة الاكثر تسليحا في العالم بجميع المقاييس، من حيث نسبة اجمالي الناتج المحلي المخصصة للنفقات الدفاعية والخسائر في أرواح المدنيين وعدد الشباب من الرجال المرتبطين بالقطاع الامني في شكل أفراد مجندين أو أفراد احتياط أو قوات شبه عسكرية.”
ومن المتوقع بحسب خبراء ومراقبين ان تتجاوز النفقات العسكرية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اكثر من920 مليار دولار بحلول عام 2020.
عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية