توتر ينذر بحرب شرق أوسطية إذا لم تنسحب إيران من سوريا

توتر ينذر بحرب شرق أوسطية إذا لم تنسحب إيران من سوريا

لندن – وسعت إسرائيل وإيران من حدود المواجهة بينهما، ليل الأربعاء الخميس، في خطوة بدت كفرصة لإسرائيل للانقضاض على النفوذ الإيراني في سوريا، من دون أن تدوس على قدم روسيا التي تدعم الرئيس السوري بشار الأسد حليف إيران.

ولم يكن اشتباك الأمس فرصة لإسرائيل فقط، بل سعت إيران، عبر وابل من الصواريخ غير الموجهة التي استهدفت منشآت عسكرية إسرائيلية، إلى إظهار أن إسرائيل هي الهدف الرخو الذي تستطيع إيران الرد من خلاله على قرار الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، الذي أعلن عنه الثلاثاء الماضي. وجاء الهجوم الإيراني بعد يوم واحد من قصف إسرائيلي على قاعدة الكسوة قرب دمشق، قتل خلاله عسكريون إيرانيون.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يزال يقوم بزيارة رسمية إلى موسكو، التقى خلالها الرئيس فلاديمير بوتين، عندما اندلعت اشتباكات، قال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إن الجيش دمر خلالها “تقريبا” كل البنية التحتية الإيرانية في سوريا.

وبعد سلسلة من الغارات الجوية شنتها 26 طائرة إسرائيلية على أهداف إيرانية في الأراضي السورية وعلى بطاريات صواريخ مضادة للطائرات، أرسلت إسرائيل أمس تعزيزات عسكرية كبيرة إلى هضبة الجولان التي تحتلها منذ العام 1967.

وقالت مصادر دبلوماسية غربية لـ”العرب” إن الغارات الإسرائيلية، التي استمرّت أربع ساعات، كانت مؤشرا على حرب شاملة في حال لم تقتنع إيران بأنّ عليها الانسحاب عسكريا من سوريا.

ورغم ذلك يقول محللون كثر إن إسرائيل لم تتخط الخط الأحمر الذي رسمه “جيرانها الجدد” في سوريا، أي الروس. ويبقى من مصلحة روسيا، الدولة الوحيدة المتحكمة في مفاصل النزاع السوري، وفي نفس الوقت تملك علاقات مع إيران وإسرائيل معا، الحفاظ على توازن استراتيجي بينهما.

وأي توازن مثالي يحقق مصالح روسيا، سيتمثل في غض الطرف عن ضربات إسرائيلية تبقي التواجد الإيراني في سوريا دون الحد المقبول في موسكو، لكن لا يجب أن تؤثر هذه الضربات على قوة الميليشيات التابعة لإيران، بحيث يفقد نظام الأسد القدرة على الاستمرار في تحقيق المكاسب العسكرية بشكل متسارع.

وفي نفس الوقت ليست هناك نية في موسكو لخسارة إسرائيل، التي أصبحت الدولة الأولى في الشرق الأوسط التي تمثل حجر زاوية بالنسبة لنفوذ تسعى روسيا لمده عبر المنطقة، منذ تدخلها في الصراع السوري في سبتمبر 2015.

ويقول الجنرال ياكوف ناجيل، الذي كان يعمل مستشار الأمن القومي لنتنياهو حتى عام 2017، “لا أتصور أن هناك زعيما في المنطقة يتحدث بشكل دائم إلى بوتين كنتنياهو”.

وقال سفير إسرائيلي، عمل سابقا في موسكو وكييف، إن “إسرائيل تقاتل ضد الإيرانيين. الروس يستطيعون التعايش مع ذلك، لكن إلى مدى معين”، مضيفا أن “موقع الروس مميز لأنهم يستطيعون التحدث إلى كلا الطرفين، وهذا مهم ليس فقط للحرب، لكن للسلام أيضا”.

لكن بعد رد الفعل الروسي الرافض لضربات عسكرية نفذتها إسرائيل على قاعدة التيفور الجوية السورية الشهر الماضي، بدأت إسرائيل تشعر بأن الصبر الروسي على سلوكها في سوريا بدأ ينفد. وعلى الفور أجرى نتنياهو اتصالات ببوتين.

لكن هذه الاتصالات لم تأت بنتيجة تذكر بالنسبة لإسرائيل، التي عرضت على الروس ابتعاد مقاتلي الميليشيات الإيرانية ومقاتلي حزب الله عن الحدود بين مرتفعات الجولان المحتلة والأراضي السورية، لمسافة 50 كيلومترا. وتجاهلت روسيا الاقتراح الإسرائيلي.

وقالت تقارير نقلا عن مصادر أمنية إسرائيلية إن “القضاء على جاسوس يعمل لصالح إسرائيل في سوريا، بعد ساعات من إبلاغ إسرائيل الروس بمعلومات عن نقل إيران أسلحة متطورة إلى سوريا، علمنا أننا إذا كنا نريد إيقاف شيء فليس أمامنا سوى التحرك لإيقافه بشكل منفرد”.

ومع ذلك، لا يزال الإسرائيليون والروس يحملون أجندة أهداف مشتركة في ما يتعلق بالنفوذ الإيراني في سوريا. فالطرفان لا يريدان لإيران أن تتحكم في القواعد الجوية السورية الكبرى، إذ سيتسبب ذلك في منافسة روسيا لاحقا على التحكم المنفرد بالمجال الجوي السوري، كما سيساعد الإيرانيين على تعزيز الجسر الجوي الذي يسهل نقل الأسلحة جوا من إيران.

كما يريد الطرفان منع إيران من الوصول إلى الساحل السوري واكتساب موطئ قدم داخل القواعد السورية المنتشرة على طول الساحل. وإلى جانب عدم استخدام الأراضي السورية كمنصة لإطلاق صواريخ عالية الدقة على إسرائيل، لا يزال نتنياهو يصر على إنشاء منطقة “خفض تصعيد” من ريف دمشق الجنوبي الغربي والقنيطرة، وصولا إلى حدود الجولان المحتل.

وتحتاج إيران إلى البقاء في سوريا لأطول فترة ممكنة، إذ يعلم المسؤولون الإيرانيون أن النظام السوري لن يسمح بإنشاء “حزب الله سوري” يكون ولاؤه لإيران وليس للأسد. وأغلب المقاتلين المنتمين إلى الميليشيات الموالية لإيران في سوريا هم أفغان أو عراقيون، أو مقاتلون إيرانيون في صفوف الحرس الثوري، إذ لم تتمكن إيران إلى الآن من تجنيد سوريين في ميليشيا سورية خالصة نظرا لمعارضة النظام.

ولا يرغب النظام في اندلاع حرب واسعة على الأراضي السورية.

ويتفق الروس والإسرائيليون على ضرورة تنفيذ أجنداتهم أيضا دون اندلاع حرب واسعة النطاق بين إسرائيل وإيران. كما لا تملك إيران البنية التحتية العسكرية الكافية للدخول في حرب شاملة ضد إسرائيل على الأراضي السورية، إذ لا تملك التفوق الجوي أو البحري، كما أنها تحتمي بتكنولوجيا دفاع جوي سورية متهالكة.

وقالت المصادر الدبلوماسية لـ”العرب” إنّ إسرائيل وضعت إيران أمام خيارين؛ إمّا أن تبقي على قواتها وقواعدها في سوريا، مع ما يعنيه ذلك من تحمّل لضربات مستمرة على هذه القوات والقواعد، وإما أن تذهب إلى حرب شاملة في ظلّ تفهّم أميركي لما تقوم به إسرائيل وموقف روسي ملتبس يميل إلى توفير غطاء للحرب.

ورجّح مصدر دبلوماسي عربي في بيروت أن تكون إيران تسعى بدورها إلى التصعيد نظرا إلى أنها لم تترك لنفسها خيارات كثيرة بعد كل المليارات التي استثمرتها في دعم بشّار الأسد ونظامه.

 

العرب