لم يكن مسعود بارزاني يدرك أن إصراره على اجراء استفتاء انفصال إقليم كردستان عن العراق في 25 أيلول/سبتمبر عام 2017م، وسط بيئة عراقية وإقليمية ودولية رافضة له ستدفعه إلى التنحي عن حكم الإقليم ليفتح الطريق أمام جيل الأبناء أي إلى ابن أخيه نيجرفان بارزاني ليقود الاقليم في المرحلة الانتقالية.
ولعل ما شجع على أخذ جيل الأبناء دوره السياسي في المرحلة الانتقالية والمقبلة هو ترحيب أبناء الشعب الكردي له بوصفه “الرجل المخلص”، و”البطل القومي”، الذي يحظى باحترام الأحزاب السياسية في إقليم كردستان العراق؛ إذ يركز في خطابه على كيفية إعادة ترتيب البيت الكردي بعيدا عن التجاذبات والصراعات. ويُنظر إلى نيجرفان بارزاني في أوساط السياسة الكردية باعتباره شخصية أقل إثارة للاستقطاب، ويقيم علاقات أكثر ودية مع مجتمعه المدني في إقليم كردستان العراق، ويتوافق فكره السياسي مع رغبة بغداد في التعامل مع قيادة جديدة تكون أقل حدة في التوجهات القومية الرامية إلى الانفصال عن العراق وإقامة دولة كردية مستقلة، اذ يعتمد على سياسة الحوار مع بغداد بعيدا عن الشعارات والتصريحات النارية.
ويحظى نيجرفان بارزاني يحظى أيضا باحترام كبير في دوائر السياسية الغربية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية والشرقية، اذ يعمل على توطيد علاقات الإقليم مع دول الجوار، ولاسيما مع ايران وتركيا والسعودية؛ التي تعده شخصية محورية في السياسة الكردية بشكل خاص، والعراقية بشكل عام.
ولد نيجرفان بارزاني حفيد مؤسس الحزب الديمقراطي الكردستاني الملا مصطفى بارزاني، وابن إدريس البارزاني شقيق مسعود بارزاني عام 1966 في قرية بارزان، وهاجر إلى إيران مع عائلته عام 1975 وهناك درس العلوم السياسية في جامعة طهران، وأصبح ناشطا في صفوف المنظمات الكردية، وتقدم بسرعة في صفوف الحزب الذي انخرط في جناحه الشبابي، ثم ترقى داخله حيث انتخِب عضوا في لجنته المركزية في المؤتمر العاشر الذي عقد عام 1989.
وأصبح نيجرفان عضوا في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي في مؤتمره الحادي عشر الذي عُقد عام 1993 في المناطق الكردية بعد خروجها عن سيطرة الحكومة المركزية في بغداد، ثم تولى لاحقا عدة مناصب تنفيذية حكومية توجها برئاسة حكومة إقليم كردستان العراق.
وكانت أولى مسؤوليات نيجرفان في الإدارة الكردية المحلية عام 1996، عندما كان الإقليم مقسما إلى حكومة في أربيل وأخرى في السليمانية، إذ أسندت إليه وقتها مهمة نائب رئيس حكومة أربيل، ثم عين رئيسا لمجالس وزراء حكومة إقليم كردستان في سنوات: 1999، 2006، 2009، 2012، 2014.
وبعد توحيد الإدارتين عام 2006 تولى نيجرفان رئاسة الحكومة الموحدة للإقليم، ثم اختير لهذا المنصب عدة مرات بالتعيين أو الانتخاب. وفي أثناء توليه رئاستها، ادى نيجيرفان بارزاني دوراَ طليعياً، اذ اتخذ عددا من المبادرات الاستراتيجية في إطار برنامج نشط؛ لتحسين المستوى المعاشي للمجتمع.
وابدى اهتماما كبيرا بالقضايا الاقتصادية في إقليم كوردستان، ومن ضمنها اتباع سياسة تنمية الموارد الطبيعية، وتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول الجوار والمجتمع الدولي، وتعزيز الاقتصاد المحلي وجذب الاستثمار الأجنبي، والدفاع عن حقوق المرأة، وتنمية عملية التربية والتعليم العالي وتعزيزهما ، وإعادة إعمار البنية التحتية لإقليم كوردستان، وخاصة شبكة الكهرباء وإدارة الموارد المائية والإسكان والطرق والجسور، وتنظيم سياسة استخراج النفط والغاز لحكومة إقليم كوردستان.
ويعد نيجيرفان بارزاني مهندساً رئيساً في نجاح إقليم كوردستان في مختلف مناحي الحياة السياسة والاقتصادية والاجتماعية والعلمية وغيرها، وذلك من خلال جهوده المتواصلة في تحقيق رؤى الحكومة فيها.
وأصبحت حكومة الإقليم بقيادة نيجيرفان بارزاني علمانية ديمقراطية تعددية، تتطلع إلى مجتمع حر ومزدهر قائم على التنمية الشاملة وتنفيذ برامج وخدمات عامة لتحسين حياة الشعب الكردستاني فيه.
وعلى الرغم من الانتكاسة التي أصابت الحزب الديمقراطي الكردستاني على خلفية نتائج استفتاء أيلول/سبتمبر الماضي، استطاع نيجرفان بارزاني “الطباخ الهادىء” للسياسات الكردية و “مطفىء حرائق أزماتها” أن يحقق انجازًا كبيرًا في الانتخابات النيابية العراقية التي جرت قبل أيام، عندما حصلت قائمته على عدد كبير من الأصوات متفوقة على سائر الكتل الكردية في إقليم كردستان العراق. ولهذا الانتصار دلالاته الواضحة منها: ان نيجرفان بارزاني هو الشخصية الأولى في الإقليم، وارثًا بذلك سلطان العائلة البارزانية داخل الحزب والإقليم ، وانه خير مَن يمثل تطلعات الشعب الكردي ضمن الدولة العراقية في مناخ سياسي قائم على الوحدة والتنوع والاستقرار السياسي الذي يسهم في التنمية الاقتصادية، وهذا النجاح يزيد من رصيده السياسي والاجتماعي والدولي المستمر.
ولعلنا لا نبالغ ان قلنا ان نيجرفان بارزاني في قيادته للمرحلة الانتقالية وتجربة الانفصال المُرة كان يسير في طريق كله أشواك ولكنه كان يقطف الورود ليضعها في يد خصومه قبل محبيه، وهذا تصرف رجل الدولة الذي يسعى إلى تحقيق الخير العام لأبناء شعبه العراقي بشقيه: الكردي والعربي، وليس الرجل السياسي الذي ينصب جل اهتمامه على جمع الثروات.
خلاصة القول: العراق وإقليم كردستان بحاجة إلى قادة بفكر نيجرفان بارزاني وسياسته الحكيمة المتوازنة لأداء دور رئيس في نهضتهما من خلال بناء الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي التي تسهم في الإعمار والبناء ، فالعراق يملك الموارد الطبيعية، والعناصر البشرية التي تحتاج لقيادة مخلصة ورجال دولة مثل نيجرفان بارزاني لتحقيق الرفاهية والعيش الكريم للمواطنين العراقيين جميعًا.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية