إيران والشرق الأوسط: مسالمة أم محاربة؟

إيران والشرق الأوسط: مسالمة أم محاربة؟

لقد سمعنا وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، يقول إن الاتفاق النووي مع القوى العالمية المقرر أن يختتم الشهر المقبل، هو مجرد بداية لعملية أوسع من التعاون الإقليمي لتهدئة الاضطرابات في الشرق الأوسط. جاء ذلك على لسانه في افتتاحية صحيفة نيويورك تايمز مؤخرًا؛ حيث قال:

“يمكن أن يساعد الحوار الإقليمي في تعزيز التفاهم والتفاعل على مستوى الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وأن يؤدي إلى اتفاق بشأن مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك: تدابير بناء الثقة والأمن، مكافحة الإرهاب والتطرف والطائفية، ضمان حرية الملاحة وحرية تدفق النفط والموارد الأخرى، حماية البيئة. ويمكن أن يشمل الحوار الإقليمي في نهاية المطاف المزيد من ترتيبات عدم الاعتداء والتعاون الأمني الرسمية.

ولكن، إذا كانت إيران تستعد لتطبيع العلاقات مع جيرانها العرب، ومع العالم الأوسع؛ فإن لديها طريقة غريبة في إظهار ذلك. فهي تهدد اثنين من الممرات الملاحية الحيوية في العالم على جانبي شبه الجزيرة العربية، والتي تمثل الشرايين السباتية بالنسبة للاقتصاد العالمي. وتقوم بفرض ضغط أكثر علنية في مضيق هرمز عند مدخل الخليج العربي؛ حيث ضبطت القوات البحرية الإيرانية إحدى الحاويات المارة وأجبرتها على التحول إلى ميناء بندر عباس الإيراني، في 28 من شهر أبريل الماضي. وتقول كل من إيران وميرسك، التي تستأجر السفينة، إن القضية ترتبط بنزاع تجاري منذ عام 2005.

ويصر السيد ظريف على أن إيران ملتزمة بحرية الملاحة في المضيق؛ حيث يعبر الممر الملاحي المياه الإقليمية الإيرانية في إطار حق المرور البريء. لكن الخطوة الإيرانية كانت مقلقة بما فيه الكفاية لأمريكا، التي ردت عن طريق نشر سفن حربية في المضيق لحراسة السفن المارة التي ترفع العلم الأمريكي.

وفي الوقت نفسه، وعلى الجانب الآخر من الجزيرة العربية، يتنافس العرب والقوات الإيرانية حول باب المندب، المضيق المؤدي إلى البحر الأحمر وقناة السويس. حيث تدخلت قوات التحالف التي تقودها السعودية في اليمن، شهر مارس الماضي؛ لمحاولة وقف تقدم المتمردين الشيعة، الذين ينظر إليهم على أنهم وكيل إيران في الفناء الخلفي للمملكة العربية السعودية. وتحاصر القوات البحرية العربية الموانئ اليمنية كما تضرب قواتها الجوية المتمردين المعروفين باسم الحوثيين، ووحدات الجيش الموالية لعلي عبدالله صالح، الرئيس اليمني السابق الذي أطيح به في عام 2012. وكانت قوات التحالف قد تدخلت عندما تحرك المتمردون للسيطرة على البلاد من حكومة عبدربه منصور هادي المعترف بها دوليًا.

وقد بدت القافلة الإيرانية مستعدة لفرض ذلك الحصار، ثم تراجعت عندما حشدت أمريكا حاملة طائرات تابعة لها لمواجهة الإيرانيين ودعم القوات العربية. وفي 30 من أبريل الماضي، أعلنت إيران نشر اثنتين من مدمراتها عند مدخل مضيق باب المندب. وقال قائد البحرية الإيرانية، الأميرال حبيب الله سياري: “نحن موجودون في خليج عدن وفقًا للوائح الدولية؛ لضمان سلامة السفن التجارية في بلادنا ضد تهديد القراصنة“.

وبشكل منفصل، قصفت الطائرات السعودية مدرج العاصمة اليمنية، صنعاء؛ لمنع طائرة إيرانية تحمل شحنة من المساعدات الإنسانية. وقال مسؤولون خليجيون إن الطائرة الإيرانية تجاهلت الطلبات بالهبوط أولًا في المطار السعودي من أجل تفتيشها للتأكد من أنها لا تحمل أسلحة.

من جانبها، تنفي إيران الاتهامات العربية بأنها تدعم الحوثيين بالسلاح والتدريب. لكنها تحولت بالتأكيد نحو الحرب الكلامية ضد المملكة العربية السعودية. كما بدا في التصريحات التي أدلى بها قائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء محمد علي جعفري: “إن المملكة العربية السعودية، بوقاحة، اليوم، تقصف وتذبح أمة تسعى للتخلص من نظام الهيمنة… واليوم، فإن آل سعود يترنحون على حافة الانهيار“.

وعلى الرغم من أنهم لن يقولوا ذلك علنًا، فإن دول الخليج قلقة من “الصفقة السيئة” التي تتفاوض فيها أمريكا مع إيران. فمن وجهة نظرهم، أن أمريكا ستعترف بإيران كقوة إقليمية مهيمنة، وأنه مع رفع العقوبات؛ فسيكون لدى إيران المزيد من الموارد لدعم حلفائها ووكلائها في جميع أنحاء العالم العربي. وفي الوقت الذي يستعد فيه حكام الخليج للقاء باراك أوباما في كامب ديفيد، في وقت لاحق من هذا الشهر؛ فإنهم يريدون نوعًا من الالتزام الرسمي من أمريكا بأن تسعى للمساعدة في احتواء إيران.

ولكن قعقعة سيوف إيران تجعل من الصعب على أوباما بيع الاتفاق إلى الكونغرس. لكن الرسائل الإيرانية جاءت متناقضة أكثر من أي وقت مضى. فبرغم كل ما لديه من شكوك حول نوايا أمريكا، قال الزعيم الإيراني الأعلى “آية الله علي خامنئي” إن الصفقة النووية مع أمريكا قد تفتح الطريق إلى التعاون في مجالات أخرى.

وفي الداخل، حاول إخماد الحماس بعد أن خرج الإيرانيون العاديون بفرح إلى الشوارع، الشهر الماضي، عندما وقعت إيران والقوى العالمية الاتفاق “الإطاري”. كما لا تزال هتافات “الموت لأمريكا” جزءًا من الطقوس السياسية الإيرانية. إلا أن هناك بوادر جهود مبذولة لإعداد الإيرانيين لعلاقات أفضل مع الشيطان الأكبر.

ففي الشهر الماضي على سبيل المثال، زارت مجموعة تتكون من عشرين رجلًا (تضم رجال أعمال أمريكيين وأكاديميين وغيرهم) العاصمة الإيرانية. وعلى غير العادة، سمح لهم بزيارة السفارة الأمريكية السابقة في طهران؛ حيث احتجز أكثر من 60 موظفًا دبلوماسيًا كرهائن من قبل الطلبة الثوريين في عام 1979. كما التقى الزوار أيضًا رجال الدين الذين قالوا لهم إن الخطاب المناهض للولايات المتحدة قد عفا عليه الزمن. وكان مسؤولون إيرانيون حريصين على إظهار فضائل الاستثمار في إيران.

غير أن عدم وضوح النظام السياسي المعتاد يجعل من الصعب قراءة إيران. ففي حين أن الرئيس حسن روحاني يسعى للتكيف مع أمريكا، فإن الحرس الثوري يتباهى بتوسيع نفوذه في العراق وسوريا واليمن، والهيمنة على الممرات المائية الحيوية.

التقرير