ستة وعشرون عاما أمضاها نبيه بري (80 عاما) في رئاسة البرلمان اللبناني، تولى خلالها المحامي هذا المنصب منذ عام 1992. تبدل الرجل كثيرا في قراءاته السياسية وصناعة تحالفاته اللبنانية والإقليمية ومواقفه منها.
هو زعيم حركة أمل الأوحد منذ عام 1980، المليشيا التي كان لها الباع الطويل في النصف الأخير من الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) خاض بها جل معاركه العسكرية والسياسية ضد كل من وقف في وجه تحقيق مشروعه أو مشاريع حليفه النظام السوري في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد.
حليف سوريا
حافظ الأسد -الذي كان يتغنى البعض في لبنان وسوريا بتخليده إلى الأبد- وجد في بري حليفا لبنانيا، ففتح له كل أبواب الدعم العسكري والسياسي خلال الحرب اللبنانية إلى أن تحقق اتفاق الطائف، الذي أوقف حروب اللبنانيين والآخرين على أرضهم، وكانت حصة نبيه بري من السلطة الجديدة موقع رئاسة مجلس النواب، الذي كان يعرف الأسد الأب ترتيب توازناته وفق مصالحه، ومدى قدرة بري على إدارتها بما يتلاءم مع مصلحته ومصلحة النظام السوري.
ومنذ عام 1992 لم يعرف البرلمان اللبناني رئيسا له غير نبيه بري، وانتخب في مايو/أيار الجاري لولاية سادسة، يعتبرها البعض سابقة في برلمانات العالم، إذ مع انتهائها عام 2022 يكون بري قد تولى منصب رئيس المجلس النيابي اللبناني لمدة ثلاثة عقود متواصلة، تعاقب على لبنان خلالها أربعة رؤساء جمهورية (إلياس الهراوي وإميل لحود وميشال سليمان وميشال عون حاليا) وبقي نبيه بري الناخب الأول لهم في البرلمان.
صانع التوازنات
لم يتغير خلال هذه المدة رؤساء الجمهورية فحسب، بل سقط رؤساء حكومات، إما في الشارع أو بالضربة القاضية سياسيا في أروقة الغرف السياسية، التي كان بري من أمهر طباخيها مع أقرب حلفائه وليد جنبلاط، ومعهما في دمشق عبد الحليم خدام وحكمت الشهابي وغازي كنعان.
وبعد انسحاب الأسد الابن من لبنان في ربيع 2005 صار بري أحد أبرز صناع لعبة التوازنات اللبنانية وخصوصا بعد اغتيال رفيق الحريري، وما تلاه من توترات سياسية وأمنية في البلاد، حيث ساهم في اجتراح حلول لها.
ويرى المحلل السياسي ميشال أبو نجم أن استمرار نبيه بري يعود لمجموعة عوامل، أبرزها توازنات ومعادلات ما بعد اتفاق الطائف بشقها الإقليمي السوري وشقها الداخلي المتصل بتحالفاته الداخلية مع القوى الحليفة. ويضيف أبو نجم للجزيرة نت أنه وبعد عام 2005 كان بري عامل نشوء ثنائية شيعية مع حزب الله لمنع أي اختراق يؤدي لإضعاف “الحزب” في الداخل، مشيرا إلى أنه مما زاد من قوة موقعه كونه من الواجهة السياسية في النظام الحامية لحزب الله.
رجل حزب الله
نائب حزب القوات اللبنانية في البرلمان وهبي قاطيشا يرى من جانبه أن “داخل الطائفة الشيعية تركيبة أحادية شمولية يمثلها حزب الله، والرئيس بري واجهة لهذه الأحادية، وهذا ما لا نراه في الطوائف الأخرى”.
ويضيف قاطيشا للجزيرة نت أن حزب الله “مسيطر بالكامل على الطائفة الشيعية بالسلاح ويضع بري في الواجهة وهو يلعب هذا الدور”. ويعتبر أن للعامل الإيراني دوره أيضا إذ “يتحكم في مفاصل الطائفة الشيعية وموقعها في الدولة اللبنانية”.
ويرى أن “الطائفة الشيعية مخطوفة من حزب الله ويفرض عليها وزراءها ونوابها، وبالتالي هي اليوم رهينة لمصالح إيران، ولذا لا نرى تغييرا في قيادات الطائفة”. ويدعو إلى ضرورة تغيير ناعم داخل الطائفة بـ”أن تتوسع مروحة الحرية والديمقراطية داخل الطائفة إسوة ببقية الطوائف التي نرى فيها تغييرا في قياداتها بمؤسسات الدولة”.
المصدر : الجزيرة