تجدد الحديث في الآونة الأخيرة عن مبادرات وأفكار للتوصل إلى هدنة طويلة الأمد في غزة بين فصائل المقاومة والاحتلال الإسرائيلي. وتمت الإشارة إلى مساع مصرية وقطرية في مسارين منفصلين لتحقيق الهدنة مقابل تخفيف الأزمة الاقتصادية والإنسانية في قطاع غزة.
يكاد يجمع المراقبون للشأن الفلسطيني على أن طرفي الصراع في قطاع غزة (حماس وإسرائيل) غير معنيين بتوتير الأجواء والدخول في حرب رابعة في الوقت الراهن. إلا أن رؤية الطرفين لمبدأ الهدنة ومدتها الزمنية وآلية تطبيقها يصعب تقاطعهما، نظرا لتباين مصلحة كل طرف وتطلعاته من هذا الصراع.
فقد كتب المحلل العسكري للقناة العاشرة الإسرائيلية ألون بن ديفد في صحيفة معاريف “يبدو أن محادثات الهدنة مع حماس أكثر جدية من أي وقت مضى، وقد يكون الاتفاق على وقف إطلاق النار لمدة طويلة، وهذا من شأنه أن يمكن إسرائيل من التركيز على الساحة الأسخن وهي إزالة الإيرانيين من سوريا”.
وأضاف بن ديفد “في الآونة الأخيرة كانت هناك مناقشات محمومة في المنطقة حول المسودات، وهذه المرة هناك أيضا تدخل أميركي في المحادثات، والإدارة الأميركية تدرك أيضًا أن تحقيق الهدوء في غزة يمكن أن يساعدهم على تحقيق رؤية الاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني”.
من جانبها تبدو حماس غير قادرة على تحمل تبعات حرب جديدة مدمرة للقطاع على غرار حرب 2014، التي لا يزال سكان القطاع يعانون من آثارها، خصوصا في ظل الوضع السياسي العربي الراهن والذي تنشغل فيه دول محورية في صراعات داخلية تستنزفها وأخرى تسابق الزمن للدخول تحت مظلة “السلام” الإسرائيلي.
لا تزال المبادرتان المصرية والقطرية غير متداولتين بتفاصيلهما الرسمية في وسائل الإعلام، لكن خلاصة ما يجري الحديث عنه هو تطوير اتفاق التهدئة الحالي الذي تم بموجبه إنهاء حرب 2014. على أن تكون الخطوة الأولى هي إنهاء القيود المفروضة على قطاع غزة.
تصعيد إسرائيلي على غزة وتلويح بضربات قاسية للمقاومة (الجزيرة)
وتتردد أنباء عن تخلي إسرائيل عن شرطها القديم بـ”نزع سلاح حماس وفصائل المقاومة” والاكتفاء بمنع تزايد القوة العسكرية للمقاومة من حفر أنفاق هجومية أو صنع صواريخ يمكن أن تطال المدن الإسرائيلية. إضافة إلى عدم استخدام حماس والمقاومة المواد المسموح بدخولها إلى القطاع في تعزيز قواتها العسكرية.
بالمقابل تقوم إسرائيل بتخفيف القيود على حركة مرور البضائع والمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، والمباشرة في تنفيذ مشاريع حيوية كبيرة في القطاع لإنهاء آثار الحصار الذي فرض على غزة قبل 11 عاما، ودمر الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لمليوني فلسطيني.
ويجري الحديث مجددا عن إنشاء ميناء يتواصل معه القطاع تجاريا مع العالم، رغم عدم وضع تصورات نهائية بشأن مكان والهيئة المشرفة على الميناء، بين من يدعو لأن يكون في جزيرة قبرص أو في عرض البحر، وتحت الإشراف الأمني الإسرائيلي.
وفي هذا السياق ذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية أن السكرتير العام للأمم المتحدة نيكولاي ملادينوف قدم مبادرة لتنظيم منتدى إقليمي، يضم إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية والأمم المتحدة، يؤسس لجهاز يتولى المساعدة الاقتصادية البعيدة المدى لقطاع غزة. ووفق ما نشر فإن اللقاء قد يكون خلال الأسابيع المقبلة، أو خلال شهر رمضان، ليتم الإعلان عن البدء بتطبيق مشاريع إنسانية واقتصادية تمت المصادقة عليها من قبل الدول المانحة.
ومن المشاريع الحيوية التي يتداولها الإعلام، وخاصة الإعلام الإسرائيلي، دون أي إشارة من الجانب الفلسطيني لقبوله أو رفضه، إقامة مشاريع بمبلغ نصف مليار دولار تقريبا من أموال دول مانحة عدة، حيث يتم دمج آلاف العمال الغزيين في الأعمال في سيناء، وإقامة منطقة صناعية، ومنشأة لتحلية المياه، ومحطة لتوليد الطاقة ومصانع لصناعة البناء في شمال سيناء.
البحث عن حلول للشق الإنساني من الصراع وتبعاته بعيدا عن أي حل سياسي، ينطوي -حسب مراقبين- على تحييد سلاح المقاومة حفاظا على المكتسبات الاقتصادية والإنسانية التي تحققت بعد معاناة طويلة لأهل القطاع جراء الحصار.
ويذكّر الحديث عن إقامة المشاريع في سيناء بالخطة الإسرائيلية لإقامة الدولة الفلسطينية في غزة وسيناء، وهو ما ورد في تغريدة للوزير الإسرائيلي أيوب قرا على تويتر “سوف يتبنى ترامب ونتنياهو خطة الرئيس المصري السيسي بإقامة دولة فلسطينية في غزة وسيناء بدلا من الضفة الغربية، وبذلك يُمهد الطريق لسلام شامل”، وأكد قرا أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يتبنى هذه الخطة.
لذلك لم تتفاعل فصائل المقاومة مع التسريبات الإسرائيلية حول المبادرات المطروحة للهدنة الطويلة، فهي ترى في حصر المسألة في البعد الإنساني، على أهميته، وتجاهل الشق السياسي في حصار غزة خدمة للأجندة الإسرائيلية، وفي الدائرة الأوسع خدمة للبرنامج الأميركي الساعي لفرض صفقة القرن على المنطقة.
من ذلك ما ورد على لسان القيادي في حركة الجهاد الإسلامي داوود شهاب لصحيفة القدس العربي بأنه لا يمكن أن يتوقف الغضب الفلسطيني -ويقصد مسيرات العودة- عند مساعدات إغاثية أو إنسانية، وأن الأمر يجب أن يشمل وقف الاستيطان وإيجاد ربط ما بين الضفة وغزة والقدس، مؤكدا أنه لا يمكن أن يتم القبول بتمرير “صفقة إنسانية” تتجاوز الملف السياسي الفلسطيني.
من جانبه شدد القيادي في حماس والنائب في المجلس التشريعي يحيى موسى على أن الباب لن يفتح مجددا مع الاحتلال، فموقف الحركة واضح تماما بعدم مقايضة الحقوق والثوابت الفلسطينية بقرار إسرائيلي يتعلق برفع الحصار أو التخفيف من وطأته.
ويرى مؤمن مقداد المتابع للشأن الإسرائيلي أن إعادة طرح قضية الهدنة الطويلة الأمد هي مجرد مصلحة إسرائيلية حتى تتفرغ لأخطار أخرى تحيط بها على الجبهة الشمالية، وتعني تسليم إسرائيل بالفشل في كسر إرادة حركة حماس وفصائل المقاومة بعد 11 عاما من الحصار وثلاث حروب طاحنة.
ويعتقد مراقبون أن الهدنة الطويلة في ظل تأسيس مشاريع بنية تحتية وميناء، تعني قيام دولة في غزة وإن بشكل غير صريح، وهو ما تسعى له الولايات المتحدة في مشروعها “صفقة القرن”، وبقاء الضفة الغربية على حالها، أو ضمها إلى الأردن ضمن كونفدرالية أو غيرها من مشاريع التسوية. وهو ما ترفضه كافة الأطراف الفلسطينية.
المصدر : الجزيرة + وكالات