ما بعد التحرير: تحديات إعادة إعمار المدن العراقية بعد الحرب ضد “داعش”

ما بعد التحرير: تحديات إعادة إعمار المدن العراقية بعد الحرب ضد “داعش”

3383

يطرح نجاح القوات العراقية في تحرير بعض المناطق التي سيطر عليها تنظيم “داعش”، على غرار مدينة تكريت، تساؤلات رئيسية عن مدى قدرة الحكومة العراقية على إعادة التعمير وتأهيل المدن المدمرة جراء العمليات العسكرية بين الطرفين. وكانت الموازنة العراقية لعام 2015 قد خصصت مبلغًا بنحو 429 مليون دولار لصندوق إعادة إعمار المناطق المتضررة، لتمثل بذلك خطوة أولى ضمن خطة واسعة النطاق لإعادة بناء تلك المدن. ورغم ذلك، فإن تنفيذ خطة إعادة الإعمار لن يكون مهمة سهلة، على ما يبدو، لا سيما في ظل وجود عقبات تمويلية وسياسية وأمنية واجتماعية تواجهها الدولة العراقية في المرحلة الحالية.

تردٍّ اقتصادي:

بتمكن تنظيم “داعش” من بسط سيطرته على قرابة ثلث مساحة العراق، بما في ذلك المدن الكبرى مثل الموصل، أصبح المشهد السياسي والاقتصادي للبلاد أكثر تعقيدًا، وتأزم الموقف الإنساني أكثر، ليتم تشريد قرابة 2.5 مليون منذ بداية عام 2014، وفرض تمدد “داعش” في أجزاء واسعة بالمنطقة، بما فيها سوريا، خسائر اقتصادية لنحو ست دول هي مصر، والعراق، والأردن، ولبنان، وسوريا، وتركيا، والتي تكبدت، طبقًا لحسابات البنك الدولي، خسائر اقتصادية تقدر بـ35 مليار دولار، وتستبعد هذه التقديرات تكلفة تقديم الخدمات وبناء البنية التحتية لاستيعاب اللاجئين في الدول المضيفة، وكذلك تكلفة إعادة بناء الأصول المادية المهدمة.

ويرى المسئولون العراقيون أن الصراع الدائر مع “داعش” أنتج تدميرًا كبيرًا لأجزاء كبيرة من البنية التحتية في مناطق الصراع من الجسور والكباري والطرق، وأدى كذلك إلى توقف حركة التجارة بين المناطق الشمالية وباقي أنحاء العراق، وانخفاض الثقة بمناخ الأعمال. ولا يوجد تقدير دقيق لخسائر البنية التحتية جراء الصراع مع التنظيم، إلا أن ما يؤشر على ضخامة هذه الخسائر ما قدره مسئولو مدينة تكريت بأن نصف المباني الحكومية والمنشآت الحكومية تم تدميرها من قبل “داعش”.

وبسبب الوضع السابق، وإلى جانب تراجع الأسعار العالمية للنفط؛ دخل الاقتصاد العراقي مرحلة انكماش اقتصادي خلال عام 2014، عندما سجل نموًّا سلبيًّا بما نسبته 2.4%، وربما لا يستطيع تجاوز هذا الانكماش إذا استمر تراجع أسعار النفط، وتصاعدت تهديدات “داعش”.

متطلبات أساسية:

استطاعت القوات العراقية استعادة السيطرة على مدينة تكريت بحلول نهاية شهر مارس الماضي بفضل مساعدة الميليشيات الشيعية، وقوات التحالف الدولي، ويفرض اقتراب القوات العراقية من تحرير باقي المدن العراقية من قبضة “داعش”، أهمية خاصة لقضية إعادة إعمار المدن المحررة، باعتبارها إحدى القضايا ذات الأولوية على أجندة الحكومة في الوقت الحالي، بحسب ما أعلنه المسئولون العراقيون. ويرى المراقبون أن عملية إعادة الإعمار للمناطق المتضررة، تحتاج إلى خطة تعتمد على ثلاثة أركان رئيسية، هي: تقديم المساعدات العاجلة من غذاء وعلاج، وإعادة بناء الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء، وأخيرًا رسم خطة تنموية مستقبلية لتلك المناطق، وهو ما يتطلب جهازًا إداريًّا يتولى هذه المهمة، مدعومًا بالموارد المالية اللازمة لتقديم هذا الدعم.

عقبات ثلاثية:

1- تحديات تمويلية: من المعلوم أن الأسعار العالمية للنفط، قد تهاوت بأكثر من 50% من قيمتها التي سجلتها في منتصف 2014، وهو بطبيعة الحال ما يُضيف أعباء أكبر على الأوضاع المالية العامة للبلاد. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تشهد الموازنة العامة للعراق اتساعًا للعجز الكلي ليصل إلى 12% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2015، مقابل قرابة 3% في العام السابق، فيما لن يقوى القطاعُ الخاص الضعيف على جني حصيلة ضرائب تسد الاحتياجات العامة، وبالتالي فإن العراق من المحتمل جدًّا أن تواجه صعوبة في توفير الموارد اللازمة لإعادة إعمار وتنمية المناطق المحررة، وقد اعتمدت الحكومة في موازنتها لعام 2015 خطة للتقشف تركز على تقليل النفقات الجارية.

وبرغم أن الموازنة الأخيرة التي أقرها البرلمان في بداية العام الحالي، اعتمدت مبالغ تقدر بنحو 429 مليون دولار لصندوق إعادة إعمار المدن المحررة كمرحلة أولية، فإن ذلك لا يبدو كافيًا لتغطية إعادة بناء الخدمات الأساسية للمناطق المتضررة، ويقدر وزير الكهرباء العراقي قاسم الفهداوي، أن إصلاح البنى التحتية لقطاع الكهرباء التي تضررت بسب المعارك ضد تنظيم “داعش”، تحتاج وحدها 1.13 مليار دولار، ليشير بذلك إلى فجوة تمويلية قد تواجه إعادة إعمار المناطق المتضررة، وربما تكون بذلك في حاجة إلى مساعدات عاجلة من المجتمع الدولي.

2- تحديات أمنية وسياسية: إلى جانب التحديات الخاصة بالتمويل، تُواجه المدن العراقية المحررة، تحديات أمنية وسياسية لا تقل خطورة أو قوة عن التحديات السابقة، بل ربما تفوقها أهمية، وتعد مواجهتها الأساس لعملية تنمية فعالة ومستدامة. وتتمثل التحديات الأمنية في تطهير المناطق المحررة مما خلفته الحرب من قنابل وأجسام قابلة للانفجار ما زالت مزروعة في طرق وأماكن متفرقة، وكذلك إعادة فتح مراكز الشرطة والدفاع المدني ومؤسسات الأمن في المناطق المحررة، وإمساك رجال الدولة بزمام أمور الأمن والتنظيم.

وبجانب ذلك، من الأهمية فتح قنوات التواصل مع المواطنين، والتنسيق مع المنظمات الإغاثية والأهلية لإيجاد المفقودين، وإعادة توطين المهجرين الذين قد يحتاجون لمراجعات أمنية بحسب مسئولين عراقيين. وربما يُصبح أكبر تحدٍّ أمني قد يواجه الحكومة العراقية التحكم بسلوك الميليشيات الشيعية، والقوات شبه العسكرية الموالية للحكومة، والتي قاتلت ضد تنظيم “داعش”، والتي وُجهت إليها اتهامات بالنهب والسلب في المدن المحررة.

وثمة تحديات سياسية تتمثل في كسب ثقة القبائل السنية بالمناطق المحررة، وإعادة إدماجها في الحياة السياسية، ومؤسسات الحكم، وتمكينها من المشاركة السياسية، وبالتالي تعزيز انتمائها إلى دولة مدنية تقوم على المواطنة، خاصة أنها تعاني من ميراث سيئ من العنف والتمييز الطائفي ضدهم.

3- تحديات تنظيمية ومؤسسية: تُشير التجربة التاريخية للبلاد لمرحلة إعادة الإعمار ما بعد الغزو الأمريكي في عام 2003، إلى أن أحد الأسباب التي أعاقت تنفيذ مشروعات إعادة الإعمار كان انتشار الفساد بالمؤسسات المحلية، وتشهد العراق درجة عالية من الفساد في الشرق الأوسط والعالم، حيث تحتل المرتبة 170 من بين 175 دولة، في مؤشر مدركات الفساد لعام 2014، وذلك طبقًا لبيانات منظمة الشفافية الدولية. ويضاف إلى ذلك أن العراق تفتقر إلى وجود بيئة تشريعية متسقة وفعالة وناجزة، ودور فاعل للقانون، والأكثر خطورة غياب الرؤية الاستراتيجية والتخطيط المتكامل لدى مؤسسات الدولة العراقية.

وعلى ضوء ذلك، لا يمكن للحكومة العراقية أن تنجح في مواجهة تحديات ما بعد تحرير المدن التي استعادتها من قبضة تنظيم “داعش” إلا في إطار نجاحها في التعامل مع التحديات التي تواجه العراق ككل، سواء على المستويات الأمنية والسياسية أو الاقتصادية والاجتماعية.