تحالفات المنطقة بعيون إسرائيلية

تحالفات المنطقة بعيون إسرائيلية

441

بما لم تمر على المنطقة العربية أوضاع مختلة، وتحالفات ملتبسة، وتناقضات غير مسبوقة كما تشهده في السنوات الأخيرة، بشكل يستعصي على أي صانع قرار أن يضع رسما تخطيطيا تفاعليا للعلاقات الجيوسياسية بين دول المنطقة، ومدى تداخلها وتشابكها مع بعضها بعضا، فضلا عن القوى الخارجية كالولايات المتحدة وروسيا التي تتدخل في رسم خرائطها الجديدة.

خارطة المصالح
قد يبدو للوهلة الأولى أن التحالفات السائدة في المنطقة -التي تثير غضب إسرائيل في كثير من الأحيان- تظهر أن الولايات المتحدة لديها علاقة جيدة مع إيران في العراق، في حين أنها ضدها على الجانب الآخر في ما يتعلق بالصراع في اليمن، كما أن واشنطن تتعامل مع طهران في سوريا على نحو متقارب أحيانا، ومتباعد أحيانا أخرى بالاستناد إلى نتائج المحادثات النووية.

“إذا كان في الماضي ممكنا وصف سلسلة مسائل مهمة في المنطقة: النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، والبرنامج النووي الإيراني، والعلاقات بين الدول العربية فالسنوات الأربع الأخيرة تتميز -إسرائيليا- بحرب لا تتوقف من العراق حتى ليبيا وتنقسم لعشرات النزاعات الدامية”

وفي حين يمكن قراءة حالة من الخصومة بين دولتين مثل قطر ومصر مع استثناء الملف اليمني، إذ تحالفت كلتاهما بشأنه مع السعودية، وهو ما دفع دوائر صنع القرار الإسرائيلي لتحديد طبيعة العلاقات بين دول المنطقة على ثلاثة مستويات: الصداقة، والعداوة، والمنطقة الرمادية بينهما.

يبدي الإسرائيليون قلقا متزايدا إزاء تقديراتهم العسكرية والأمنية بأن منطقة الشرق الأوسط تعيش “رقصة الحروب”، حيث يساعد الإيرانيون الأميركيين في المعركة ضد تنظيم الدولة بالعراق، وحزب الله يساعد الحوثيين في اليمن، والمصريون يكافحون ضد الأنفاق، ويساعدون إسرائيل ضد حركة حماس، مما يصعب على أي جهاز استخبارات أجنبي أميركي وغربي أوروبي أو روسي أن يتصدى لمهمة التبليغ لمدرائه عن الجلبة التي تعصف في أرجاء الشرق الأوسط.

وإذا كان في الماضي ممكنا وصف سلسلة مسائل مهمة في المنطقة: النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، والبرنامج النووي الإيراني، والعلاقات بين الدول العربية التي توجد في ما بينها علاقات تبادلية محدودة، فالسنوات الأربع الأخيرة تتميز -وفق التقييم الإسرائيلي- بحرب تجري بلا توقف، من العراق في الشرق وحتى ليبيا بالغرب، وتنقسم لعشرات النزاعات الدامية.

هذا الواقع من وجهة النظر الإسرائيلية يعبر عن خليط إقليمي يتغير بوتيرة تحدث دوارا في الرأس، ونزاع محلي ينتقل لمواجهة إقليمية ويؤثر عليها، مما لا يمنح محللي الاستخبارات وقادتهم قدرة في الحد الأدنى على توقع الأحداث، فما بالك بتوجيهها!

قيادة الجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات العسكرية -ولا سيما “الموساد وأمان”- ترى أن هناك أربعة معسكرات أساسية تصارع في سبيل الهيمنة الإقليمية على المنطقة:

1- المحور الإيراني مع سوريا وحزب الله.
2- الأنظمة العربية المركزية التي تميل للغرب، وهي: السعودية، ومصر، والأردن، ومعظم دول الخليج.
3- لاعبون مستقلون يقيمون علاقة مع جماعة الإخوان المسلمين: تركيا، وقطر، وحماس.
4- منظمات جهادية: القاعدة وتنظيم الدولة بعشرات الفصائل المحلية التي تبدل على نحو مستمر ولاءها بين التنظيمين الكبيرين.

بطانية الأمن
وترى دوائر التقدير الإستراتيجي الإسرائيلي أن الواقع الإقليمي المشتعل في المنطقة يرشح استمرار المواجهات المحلية بالتوازي، وتؤثر كل الوقت الواحدة على الأخرى، فحشد جهود المعسكر الحربي في اليمن يؤثر على شدة الحرب ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا، بينما تتردد حركة حماس بين استئناف الحلف مع إيران والتقرب من الكتلة السعودية المصرية.

في حين يتجه معظم الاهتمام الإعلامي في الشهرين الأخيرين نحو اليمن، بسبب توحيد القوى العربية المفاجئ الذي نجحت السعودية في حشدها هناك في محاولة لصد تقدم المسلحين الحوثيين المدعومين من إيران إلى ما قبل إعلان وقف عملية “عاصفة الحزم”.

“تبدو تركيا بعين إسرائيل اللاعب الذي يعيد نسج تحالفاته على نار هادئة، ولا سيما مع السعودية التي تعود للمنطقة بصورة متسارعة على حساب مصر، ولئن رأت إسرائيل في تفاهمات طهران وواشنطن أخبارا سيئة فإن تقارب أنقرة والرياض لا يعد نبأ سارا البتة”

ومع ذلك، تبقى الحرب في سوريا من وجهة النظر الإسرائيلية هي المواجهة الأطول والأكثر دموية، وتشهد تطورات في الأيام الأخيرة، فوضع نظام الأسد لم يتحسن، والهجوم الذي خططه -بمساعدة إيران وحزب الله في جنوب الدولة من درعا غربا باتجاه هضبة الجولان- صده الثوار دون مصاعب خاصة، ولا تزال دمشق مهددة، ومنطقة القصر الرئاسي تقصف في أحيان قريبة بنار الصواريخ كي لا يتمكن الرئيس من النوم بهدوء.
هذا يعني أن ما يصفها الإسرائيليون بـ”بطانية الأمن” التي تمنحها إيران وحزب الله للأسد قصيرة، فهو غير قادر على أن يحمي على نحو متواصل كل الذخائر التي بقيت في يده ويضطر للتنازل وتخفيف تواجد قواته في المناطق التي يراها أقل حيوية.

بالاتجاه شرقا، ترقب إسرائيل بعين حذرة ما يحصل بالتوازي مع الحملة الهجومية التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا، وفي هذه اللحظة يبدو أن وضعه أفضل بكثير في سوريا منه بالعراق، حيث انسحبت قواته من عدة مناطق، وزخم تقدمه من الصيف الماضي توقف، ولا تزال أسلحة الجو تهاجم مناطق داعش في العراق، بينما سلاحا الجو السعودي والأردني يقصفانها بسوريا.

لكن على الأرض -في العراق- يجري تعاون مبكر غير مباشر بين الأميركيين وإيران التي تساعد المليشيات المسلحة، وهذه مؤشرات أولية على نوع من الانفراج الأميركي الإيراني، على الأقل في مسألة الصراع ضد داعش، وهو التعاون الذي خشيت منه إسرائيل حتى قبل أن يتبلور اتفاق الإطار بشأن النووي في إيران.

ذات الخارطة المتشابكة من التحالفات والخصومات في المنطقة دفعت محافل صنع القرار الإسرائيلي للتقدير أن المعارك في سوريا والعراق لا تنقطع عما يجري في اليمن، فحزب الله -الذي تتحداه في الداخل منظمات سنية ويقيم ميزان ردع مركب مع إسرائيل- يوجد في الجبهة المتقدمة لمعسكر الأسد بلبنان، ورجاله يقدمون المشورة بجانب الحرس الثوري للقوات الإيرانية في العراق، ومؤخرا توجد تقارير أميركية عن نشطاء حزب الله وصلوا اليمن لمساعدة الحوثيين.

في كل تجليات هذا المشهد تتجه أنظار إسرائيل نحو الأردن -شريكها القريب- الذي يبدو قلقا من أن تؤدي حرب اليمن إلى خطف الأضواء بعيدا عن الجهد العسكري المتواصل ضد داعش الأقرب لحدوده، ويعرضه للخطر المباشر، وهو ما يقلق إسرائيل أكثر.

الدور والوظيفة
تركيا تبدو في التقييم الإسرائيلي لتقلبات المنطقة اللاعب الذي يعيد نسج تحالفاته على نار هادئة، ولا سيما مع السعودية التي تعود للمنطقة بصورة متسارعة على حساب الدور المصري، ولئن رأت إسرائيل في تفاهمات طهران وواشنطن مبشرات سيئة ليست لصالحها فإن تقارب أنقرة والرياض لا يعد نبأ سارا البتة، وهي التي تبذل جهودا مضنية لعزل تركيا عن جوارها الإقليمي العربي والأوروبي.

من الواضح إذن أن الشرق الأوسط دخل في هذه الأيام وضعا يمكن وصفه باللامعقول، وصناع القرار الإسرائيلي -كغيرهم- يظهرون صعوبة حقيقية في استيعاب غير المفهوم، لأنه في الوقت الذي تواصل فيه إيران تحريك عجلات حربها، وتمددها في مراكز مختلفة في الشرق الأوسط، وحيث تقف في اليمن أمام قوات التحالف العربية التي أنهت عملية “عاصفة الحزم” يعلن المتحدثون باسمها أنهم نجحوا في إخضاع الغرب.

“تشعر إسرائيل بأن هناك إعادة تموضع للتحالفات السياسية والعسكرية في المنطقة، وهي تسابق الزمن في محاولة منها لتوثيق بعض التحالفات وإحباط أخرى بناء على المصالح والخسائر التي ستعود عليها من كلا الطرفين”

وبينما تشجعت الإدارة الأميركية أخيرا وعملت على إزالة الحصار عن القاهرة التي تصارع من أجل بقائها الاجتماعي والاقتصادي فإن هذا التغيير مكن السيسي من إسماع صوت واضح وحاسم أكثر في التحالف العربي في الوقت الذي تعهد فيه بالحفاظ على أمن دول الخليج كجزء من أمن مصر.

وبالتالي فإن الأزمة في المنطقة ليست سهلة، وهذا الوضع الذي يجري تحت أعين أميركية مغلقة يذكر بالتعهد الأميركي في التسعينيات بأن كوريا الشمالية التي قامت في حينه بدور إيران كتهديد نووي سيتم تجريدها من قنابلها، وهي التي حظيت في حينه بدعم الاتحاد السوفياتي السابق.

وقد لا يكون من باب المصادفة حديث إسرائيل اليوم عن لاعب آخر في الملعب الشرق الأوسطي هو روسيا التي تساعد عسكريا المحور الإيراني السوري، فالحفاظ على مكانة الأسد مصلحة روسية تتصل من بين أمور أخرى بالحفاظ على ميناء في المياه الدافئة للأسطول في طرطوس، وهذه اليد موجودة في اليمن.

وباتت بصمات روسيا ظاهرة في المنطقة، سواء بالمبادرة بتسليح إيران ببطاريات متطورة مضادة للطائرات، أو العروض لإنشاء مفاعلات نووية للأغراض السلمية في الدول المختلفة، ويبدو أن موسكو -على عكس الرغبة الإسرائيلية- نقلت الحرب الباردة للشرق الأوسط كجزء من تحقيق حلمها لعودتها إلى مكانة الدولة العظمى، وغايتها الثأر من واشنطن جراء موقفها من قضية شبه جزيرة القرم والأزمة في أوكرانيا.

الخلاصة أن إسرائيل تشعر بأن هناك إعادة تموضع للتحالفات السياسية والعسكرية في المنطقة، وهي تسابق الزمن في محاولة منها لتوثيق بعض التحالفات وإحباط أخرى بناء على المصالح والخسائر التي ستعود عليها من كلا الطرفين.

لكن صناع القرار في تل أبيب على دراية تامة بأن الأمر تجاوز “لعبة الشطرنج” القديمة في ظل وجود فاعلين جدد قرروا أن يكون لهم “دور” أساسي بالمنطقة وليس “وظيفة” يؤدونها بناء على تعليمات “الأخ الأكبر”!

عدنان أبو عامر

الجزيرة نت