عاد قرابة 400 لاجئ إلى سوريا الخميس قادمين من بلدة عرسال اللبنانية، في تأكيد على أن لبنان ماض قدما في إعادة اللاجئين السوريين رغم التحفظات الدولية، لجهة عدم وجود الضمانات الكافية لسلامتهم.
ويشكل ملف اللاجئين نقطة خلاف بين لبنان والمجتمع الدولي، حيث يعتبر الأول أن اقتصاده المنهك لم يعد قادرا على احتمال استضافة هؤلاء، فضلا عن أن عودة الهدوء إلى مناطق واسعة في سوريا تشجع على إعادتهم، بالمقابل يعتبر الطرف الثاني أنه ورغم استتباب جزئي للأمن بيد أن الوضع غير مستقر، وأنه لا بد من التريث في اتخاذ هذه الخطوة.
وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد شددت خلال زيارتها قبل أيام إلى بيروت بأنه لا بد من التنسيق مع الأمم المتحدة في ملف اللاجئين، الأمر الذي لم يتحقق في الدفعة الجديدة من العائدين كما في تلك التي سبقتها.
وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية في لبنان بمغادرة قافلة تقل “370 نازحا من مخيمات بلدة عرسال ضمن اتفاق أشرف عليه ونفذه الأمن العام اللبناني” إلى قراهم في منطقة القلمون الغربي والقصير في الجهة السورية من الحدود مع لبنان. ووافقت السلطات السورية وفق الوكالة على عودة “450 اسما من أصل 3000 تقدموا بطلبات للعودة إلى سوريا”.
الأمم المتحدة في سوريا طلبت من الحكومة السورية السماح لها بالوصول إلى البلدات والقرى التي يعود إليها اللاجئون، وغالبيتها في منطقة القلمون
وكان المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم الذي يتولى التنسيق مع السلطات السورية لإعادة اللاجئين، قد صرح الأربعاء أن الدفعة الأولى من عرسال ستضم نحو 400 لاجئ، مؤكدا أن هناك دفعات جديدة سيتم إرسالها في المستقبل القريب.
وتشكل القافلة جزءا صغيرا جدا من مليون لاجئ سوري مسجل في جميع أنحاء لبنان ومن خمسين ألفا موجودين في عرسال لوحدها حسب تقديرات المسؤولين المحليين في البلدة الحدودية.
وأبدى الكثيرون سعادتهم بالعودة إلى سوريا. وصرح علي عبدالله (34 عاما) وهو يغادر مع زوجته واثنين من أبنائه الصغار “نحن من زمان ناويين نرجع، نحن ما صدقنا تهدأ الأمور، ليرجع الواحد لبيته، بالنهاية الوطن غالي. ما في أغلى من الوطن”. وكان عبدالله قد أنجب أحد أبنائه في لبنان ولم يزر هذا الطفل سوريا قط.
وقال “أكيد أنا أريد أن أعيده لأقول له هذا بلدك هذا وطنك هذا بيتك.. نحن بيتنا ليس الخيمة”. لكن مرشدة درويش (55 عاما) قالت إنها قررت البقاء في خيمتها في عرسال بدلا من العودة إلى سوريا مع ابن عمها. وأوضحت “البيت يحتاج إلى عمل ولا توجد نوافذ ولا أبواب… لا يمكننا العيش هناك”.
وأضافت “لا أستطيع تحمل الصخور… بمجرد أن يتم إصلاح غرفتي سأعود”. وأكدت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أنها لا تشارك في تنظيم عمليات العودة الخميس ولم يتمكن فريقها في سوريا حتى الآن من الوصول إلى القرى التي كان الناس يعودون إليها.
ومنذ أسابيع، اتهمت وزارة الخارجية اللبنانية مفوضية شؤون اللاجئين بـ”تخويف” اللاجئين السوريين من العودة إلى بلادهم، قبل أن تعلّق طلبات إقامة موظفي المفوضية. وبرز التوتر بين الطرفين في أبريل الماضي حين أعلنت المفوضية عدم مشاركتها في عملية غادر بموجبها 500 لاجئ من جنوب لبنان.
وأفادت المفوضية الخميس عن وجود فريق تابع لها في عرسال من دون أن يكون مشاركا في العملية. وقالت المتحدثة باسم المفوضية في لبنان ليزا أبوخالد “موقفنا لم يتغير؛ لم ننظم عمليات العودة ولم ننظم هذه العملية”.
وأشارت إلى أن الأمم المتحدة في سوريا طلبت من الحكومة السورية السماح لها بالوصول إلى البلدات والقرى التي يعود إليها اللاجئون، وغالبيتها في منطقة القلمون. ولم تحصل حتى الآن على الموافقة.
وجرت في الفترة الماضية اتصالات بين المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ووزارة الخارجية اللبنانية، أفضت إلى حل مبدئي بين الطرفين بشأن الملف، بيد أنه لم ينفذ حتى الآن في ظل إصرار لبناني على انتزاع خطة عمل واضحة لإعادة النازحين.
وقال هادي هاشم مدير مكتب وزير الخارجية اللبناني، إن بلاده سوف تستأنف منح تصاريح إقامة للعاملين في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين شريطة أن تقدم الأخيرة وغيرها من الهيئات التابعة للأمم المتحدة خطة واضحة لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
وأشار إلى أنه يعتقد أن باسيل سيعدل عن قراره بتجميد تصاريح الإقامة عندما يُعقد مثل هذا الاجتماع وتُوضع خطة لإعادة اللاجئين على المسار الصحيح. وعاد الآلاف من اللاجئين السوريين في لبنان بشكل مستقل إلى بلدهم خلال السنوات الماضية.
ويقدر لبنان راهنا وجود نحو مليون ونصف مليون لاجئ سوري على أراضيه، بينما تفيد بيانات مفوضية شؤون اللاجئين عن وجود أقل من مليون. وحذرت منظمات دولية في وقت سابق من إجبار اللاجئين السوريين على العودة إلى بلادهم في العام 2018.
ويقول محللون إن إصرار بعض المسؤولين في لبنان وعلى رأسهم وزير الخارجية جبران باسيل على إعادة النازحين، ليس مرتبطا فقط بالخشية على الاقتصاد اللبناني بل له أيضا دوافع سياسية وديموغرافية، فجبران باسيل يريد أن يسجل نقطة في مرمى خصومه السياسيين لجهة القول إن الفضل يعود له في حل هذا الملف الذي يهدد بتعزيز الهوة بين المسيحيين والمسلمين في حال جرى تمرير ما يعتبره أجندة دولية لتوطينهم.
مع الإشارة إلى أن كافة الأطياف اللبنانية تعارض أي فكرة لتوطين السوريين ومن قبلهم الفلسطينيون، وتعتبر هذه الأطراف أن خلق مثل هذه الفزاعة الهدف منه سياسي دعائي.
وأمام عملية التهويل التي يمارسها الوزير جبران باسيل، اضطرت العديد من القوى السياسية المناهضة للنظام السوري إلى الركون إلى الصمت حيال التنسيق معه، ولكنها تؤكد أن ذلك لا يعني تطبيع العلاقات معه.
العرب اللندنية