المدن الاستيطانية.. خطط الاحتلال للسيطرة وتقويض التسوية

المدن الاستيطانية.. خطط الاحتلال للسيطرة وتقويض التسوية

 

 

تواصل مؤسسات استيطانية، وبدعم من الحكومة الإسرائيلية، مساعيها الحثيثة لفرض واقع استيطاني جديد في الضفة الغربية والقدس، إذ تعمل جاهدة على بناء وحدات وبؤر استيطانية جديدة على أراضي الفلسطينيين تلتهم أراضيهم وممتلكاتهم.

ويرى خبراء أن الحكومة الإسرائيلية لا تبالي بمطالبات المجتمع الدولي والسلطة الفلسطينية بالتراجع عن الاستيطان، وتسارع إلى فرض واقع ديموغرافي معقد؛ يجعل أي تراجع عن الاستيطان في المستقبل أمرا شبه مستحيل.

وباتت أعداد المستوطنين في الضفة والقدس الآن تزيد على 650 ألف مستوطن، ولم يعد حديث الاحتلال الإسرائيلي يدور حول تكتلات استيطانية فحسب، بل عن مدن استيطانية يصل عدد سكانها لنحو أربعين ألف مستوطن، كما في معالي أدوميم شرق القدس.

ويستند ذلك إلى سياسة استيطانية في إطارين: الأول السيطرة على الأرض، والثاني زيادة تعداد السكان؛ إذ يريد الاحتلال “أغلبية يهودية” في شطري القدس للسيطرة على المدينة.

مخططات قديمة
يؤكد مدير دائرة الخرائط ونظم المعلومات في جمعية الدراسات العربية الدكتور خليل التفكجي أن الاستيطان يشكل جزءا مهما في رسم حدود الدولة العبرية، ويتم بموجب إستراتيجية محددة.

ويبين أنه بعد حرب يونيو/حزيران 1967، وعلى الرغم من أن تعليل الحكومة الصهيونية لشن هذه الحرب كان “لأسباب أمنية”، فإن أحد أهم أهدافهم كان فتح آفاق جديدة أمام الاستيطان لتنفيذ مخططات استيطانية إستراتيجية وسياسية على امتداد الأغوار والسفوح الشرقية لمرتفعات الضفة الغربية.

وقال التفكجي إن ذلك يأتي ضمن ما أطلق عليه مشروع “ألون”، الذي دعا لتجنب المناطق المأهولة (بحيث يتم الاستيلاء على أكبر مساحة من الأرض مع أقل عدد من السكان).

وأضاف أن السياسة الاستيطانية تتطور باستمرار من خلال تغيير الأسماء و”عبرنتها” وإقامة المستوطنات حول المدن الفلسطينية، تنفيذا لسياسة فرض وقائع على الأرض تحول دون إقامة دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي.

وأشار التفكجي إلى أن رسم الحدود من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة والاستيطان المركز في جميع أنحاء الضفة الغربية؛ أديا إلى إعادة الروح إلى أفكار سبق طرحها منذ زمن طويل، لكنها اليوم تكتسب بريقا جديدا على إيقاع تقدم المشروع الصهيوني على حساب ما يعرف بحل الدولتين.

وهي أفكار تتراوح بين دولة “الكانتونات” الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة، وفكرة الوطن البديل التي تطرح من حين إلى آخر من قبل المسؤولين الإسرائيليين.

وحول الموقف الفلسطيني الرسمي من شبح الاستيطان الحالي، رأى التفكجي أننا نكتب الأسطر الأخيرة من قصة الاستيطان المؤلمة، وقال إن السلطة الفلسطينية تبرر عجزها في وقف الاستيطان بكونها طرفا في اتفاقيات دولية يجب أن تلتزم بها، رغم عدم التزام الاحتلال بها.

دولة في الأردن
وذكر الخبير الفلسطيني أن إسرائيل من خلال توسيع وتسريع عمليات الاستيطان في الضفة الغربية والقدس توجه رسالة واضحة للعالم مفادها أن التغييرات على أرض الواقع تؤكد أن “دولة فلسطين هي في الأردن وليست في الضفة الغربية”.

ويعني ذلك -وفقا للتفكجي- أن إسرائيل تضع اللمسات النهائية للقضاء على إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة منذ عام 1967، وتدفع من خلال استيطانها على الأرض لإقامة دولة فلسطين شرق نهر الأردن، بحيث تكون التجمعات الفلسطينية المتبقية في الضفة الغربية تابعة لتلك الدولة.

بدوره أكد المختص في شؤون الاستيطان ماهر عابد أن الاستيطان في الضفة الغربية والقدس يمثل الثابت الأساسي في سياسات حكومات الاحتلال جميعها بعد عام 1967، إلا أنه اعتبر أن الموجات الاستيطانية الأخيرة جاءت في سياق فرض تصورات الاحتلال لعملية التسوية السياسية.

وأوضح عابد أن تصورات الاحتلال تقوم على أساس السيطرة الكاملة على 60% من مساحة الضفة الغربية، وهي المناطق المعروفة بمنطقة “ج”، التي استطاع الاحتلال تغيير الواقع الديموغرافي فيها، بحيث بات يسكنها أقل من ثلاثمئة ألف مواطن فلسطيني، مقابل 640 ألف مستوطن.

وما ينتظر معظم المواطنين الفلسطينيين في هذه المنطقة هو التهجير، الأمر الذي يتم حاليا في مناطق جنوب الخليل ومنطقة الخان الأحمر بالقرب من مستوطنة معالي أدوميم شرق القدس وفي الأغوار الشمالية.

دولة الكانتونات
ولفت عابد إلى أن التأثير لم يعد بعيد المدى، بل إن الواقع الحالي الذي يحياه أهل الضفة هو ما سيترسخ، ويتمثل في وجود إدارة أو إدارات فلسطينية متعددة لـ40% من مساحة الضفة (تمثل المنطقتين “أ” و”ب” وتضم 90% من المواطنين الفلسطينيين).

وستتوزع هذه المساحات على ما يزيد على 165 تجمعا فلسطينيا معزولا ومحاصرا بالكتل الاستيطانية والشوارع الالتفافية والجدران العازلة كما يقول عابد، الذي يرى أن الحديث عن دولة فلسطينية مستقلة في ظل هذا الوضع “أصبح ملهاة ووهما يدرك الفلسطينيون المنخرطون في عملية التسوية عبثيته وعدم عقلانيته”.

وعن كيفية التصدي للاستيطان، أكد عابد أن المواجهة تتمثل في المقاومة بكل أشكالها؛ جماهيرية وشعبية وقانونية ودبلوماسية ومسلحة، قائلا إن “القانون الدولي ينص صراحة على حق الشعوب بالدفاع عن ذاتها ووجودها وأرضها بكل الطرق الممكنة، واستمرار الوهم بأن السلطة الفلسطينية ستتحول يوما ما إلى دولة لم يعد واقعيا”.

وأشار عابد إلى أن السلطة “بصمتها واستعدادها بين الفينة والأخرى للعودة لطاولة المفاوضات مع الاحتلال في ظل استمرار الاستيطان إنما تعطيه الوقت لينفذ مشاريعه الاستيطانية بكل سهولة”.

المصدر : الجزيرة