امتيازات غير مسبوقة لقادة الجيش المصري: تحصين للضباط وللرئيس

امتيازات غير مسبوقة لقادة الجيش المصري: تحصين للضباط وللرئيس

يمنح مشروع قانون جديد قدمته لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري، وتمت المصادقة عليه، مزايا غير مسبوقة لبعض كبار قادة القوات المسلحة المصرية، تضاف إلى قائمة طويلة من الامتيازات التي يتمتع بها عناصر الجيش، في خطوة أثارت الجدل في مصر حول التشريع الذي قد يفضي إلى تحصين هؤلاء القادة المختارين، من أي مساءلة في المستقبل، بالتوازي مع تحصين الرئيس من أي منافسة انتخابية أو تقلبات سياسية في المستقبل.

القاهرة – تصاعد الجدل في أوساط سياسية مصرية حول قانون يسمى “بعض كبار قادة القوات المسلحة”، منذ مصادقة مجلس النواب عليه، لأنه تضمن مواد تمنح حصانة وامتيازات غير مسبوقة لعدد من كبار ضباط الجيش.

حمل القانون، الذي تم الإعلان عنه بشكل مفاجئ، الثلاثاء، ست مواد، وضعت خطوطا عامة له وربما فضفاضة. بموجب المادة اﻷولى، يحدد رئيس الجمهورية قائمة بأسماء كبار ضباط القوات المسلحة المخاطبين به ويتم استدعاؤهم لخدمة القوات المسلحة طوال حياتهم.

وتمنح مادة أخرى رئيس الجمهورية حق تحديد الامتيازات التي يتمتع بها هؤلاء الضباط، إلى جانب احتفاظهم بأي مزايا تمنحها لهم قوانين أخرى، ما يعني أنهم يتمتعون بامتيازات عسكرية ومدنية، بغض النظر عن قيمتها وهويتها، ويعامل هؤلاء القادة المعاملة المقررة للوزير، والحصول على المزايا والحقوق المقررة للوزراء، وإن لم يشغلوا هذا المنصب.

وقالت المادة الخامسة، يتم منح هؤلاء الضباط حصانة من الملاحقة القضائية على أيّ فعل ارتكبوه في أثناء تأديتهم لمهام مناصبهم أو بسببها، إلاّ بإذن من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، خلال المدة بين تعطيل العمل بالدستور المصري من 3 يوليو 2013، حتى تاريخ انعقاد مجلس النواب الحالي في 10 يناير 2016.

ينطوي القانون على أوجه تشابه مع التشريع الذي صدر في نوفمبر عام 2011، عندما كان المجلس العسكري على رأس السلطة الحاكمة في مصر، بعد رحيل الرئيس الأسبق حسني مبارك، وجعل أعضاء المجلس اﻷعلى للقوات المسلحة قيد الاستدعاء بعد بلوغهم سن المعاش.

كانت هذه هي الثغرة التي جرى استغلالها لمنع الفريق سامي عنان، رئيس أركان الجيش المصري، من الترشح في انتخابات الرئاسة الماضية أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي، لأنه رجل عسكري وقيد الاستدعاء ولا يجوز له إعلان الترشح أو العمل السياسي قبل الحصول على موافقة المجلس العسكري.

يُفهم من القانون كأنه اتفاق بين نخبة الحكم من ضباط الجيش، لا يشمل سواهم من شركاء المسؤولية مثل الشرطة وشخصيات مدنية تولت مسؤوليات في الفترة ذاتها

أوحت طريقة تمرير القانون داخل مجلس النواب والمصادقة البرلمانية السريعة عليه، بأن مصر على أعتاب تغييرات في المؤسسة العسكرية، وبدا أنه لا توجد رفاهية للمزيد من التوضيح والشرح والتفسير للرأي العام، من جانب الحكومة أو البرلمان.

وشرح مصدر برلماني لـ”العرب” أن “مجلس النواب تسلم القانون من مجلس الوزراء، الاثنين، وتم تشكيل لجنة مشتركة ضمت أعضاء لجان الأمن القومي والشؤون التشريعية والخطة والموازنة والعلاقات الخارجية، وعُقد اجتماع مغلق، ثم جلسة عامة، وطُرح الأمر على مجلس النواب للتصديق على القانون، الثلاثاء، أي خلال 24 ساعة”.

وأضاف المصدر أن تقرير اللجنة المشتركة قدّم القانون لأعضاء البرلمان في الجلسة العامة، على أن الهدف منه تكريم بعض كبار قادة القوات المسلحة الذين قدموا تضحيات جليلة للوطن خلال فترة عصيبة، ومن غير المعقول أن تبخل عليهم الدولة بالتأمين الذي يستحقونه، وخلال دقائق معدودة تم التصديق على القانون بأغلبية برلمانية كاسحة.

ولم يحدد القانون آلية اختيار قادة الجيش الذين سيتمتعون بهذه الامتيازات، وترك المهمة للرئيس، القائد الأعلى للقوات المسلحة، ليقرر أسماء هؤلاء، دون أن يشاركه أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

ويرى مراقبون أن منح سلطة اختيار من يحق لهم التمتع بالامتيازات والحصانة القضائية والدبلوماسية لرئيس الجمهورية، يعزز مكانة السيسي في الجيش. ويقول هؤلاء هذا يعني أن الولاء للرئيس سيوازيه أمان كامل طوال فترة الخدمة العسكرية وما بعدها، وربما يرتبط ذلك بحاجة السيسي إلى الشعور بالمزيد من الثقة في تأكيد تماسك الجيش حوله، وسط تصاعد الغليان الشعبي جراء حالة الغلاء المرتبطة بتمسك الحكومة بتطبيق سياسة الإصلاح الاقتصادي وما تمخض عنها من رفع للدعم عن السلع والخدمات، ما يجعل فرض التعبير عن الغضب في الشارع غير مستبعدة.

ورأى فيه البعض من المعارضين إمكانية حدوث تنافس بين قادة القوات المسلحة لنيل رضا الرئيس، وقد يصل الأمر حد الولاء للقائد الأعلى أكثر من أيّ شيء آخر. لكن تبدو فكرة التنافس غير ملموسة في القوات المسلحة المصرية، لأن هناك معايير صارمة يجري اتباعها عند تصعيد قادة الجيوش، كما أن تاريخ العسكرية المصرية لا يعرف الصراعات الظاهرة.

ويبني معارضون للقانون وجهة نظرهم على أن مزاياه وصلت حد التمييز، لا سيما مع تحصين القادة الذين سيقع عليهم الاختيار للاستفادة من القانون، من الملاحقة القضائية إلا بإذن من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ما يحمل بين ثناياه “خروجا آمنا من السلطة، مهما بلغت درجة الخطأ الذي وقعوا فيه”.

وقال اللواء ممدوح شاهين، مساعد وزير الدفاع للشؤون القانونية والدستورية، أمام أعضاء مجلس النواب، “إن القانون لا يحمل تمييزا لقادة القوات المسلحة، وإنما يمثل تكريما لهم”، لافتا إلى أن مثل هذا التكريم سبق وحدث في مناسبات عديدة، من بينها تكريم قادة حرب أكتوبر عام 1973.

فترة التحصين

ذهب معارضون إلى أن تحديد فترة التحصين والملاحقة واقتصارها على القادة خلال المدة من 3 يوليو 2013 وحتى انعقاد البرلمان في 10 يناير 2016، يوحي بأن فئة من هؤلاء الضباط تورطت في ارتكاب أخطاء تستوجب المساءلة وأرادت تحصين نفسها ضد أيّ عقاب مستقبلا.

ويتّهم بعض القادة من جانب منظمات ومؤسسات حقوقية بأنهم تورطوا في ما يوصف بـ”جرائم دموية”، ضد مدنيين إبان الفترة التي أعقبت ثورة 30 يونيو 2013 ضد نظام الرئيس الإخواني محـمد مرسي.

لكن اللواء أحمد العوضي، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي لمجلس النواب، قال لـ”العرب” إن كبار قادة الجيش ليس لديهم خوف مما قدموه في ثورة 30 يونيو والفترة التي أعقبتها، لأنهم يدركون تماما أن ذلك واجب وطني لا غبار عليه.

وتوحي بعض مواد القانون، بالصيغة التي أقرت بها، بأنها تصب في صالح قادة عسكريين بعينهم، وتحصّن من رحلوا عن مناصبهم، وكانوا شركاء في مرحلة سياسية مرتبكة وخطيرة، ومن هؤلاء صدقي صبحي، الذي كان رئيسا لأركان الجيش خلال ثورة 30 يونيو، ثم وزيرا للدفاع، ومحمود حجازي الذي كان رئيسا لجهاز المخابرات الحربية ثم رئيسا للأركان. ويُفهم من القانون كأنه اتفاق بين نخبة الحكم من ضباط الجيش، لا يشمل سواهم من شركاء المسؤولية مثل الشرطة وشخصيات مدنية تولت مسؤوليات في الفترة ذاتها.

وتخشى دوائر أمنية وسياسية أن يتسبب إغفال دور قادة وزارة الداخلية في زيادة حدة تذمر الشرطة من الامتيازات الممنوحة لكبار القادة العسكريين، ويُفهم الأمر على أن هناك اتجاها للتضحية بقيادات أمنية لدفع فواتير عن فترة سابقة، تشاركت فيها مؤسسات مختلفة، مقابل تحصين فئة بعينها.

مكافآت وتحصينات
أكد العوضي أن “القانون يخص فئة بعينها ممن شاركوا في قيادة الجيش خلال الفترة الماضية، ومن هم موجودون حاليا أيضا”، مشيرا إلى أنه من حق الرئيس توسيع دائرة تطبيق القانون على قادة الشرطة، مكافأة لهم على دورهم المساند للجيش والشعب.

برغم ما يحمله القانون من مزايا للقادة العسكريين، يظل سيفا على رقاب البعض منهم، لا سيما ما يتعلق بإمكانية استدعائهم للخدمة مدى الحياة، وهو يحول دون أن يفكّر أيّ من المدرجين بقائمة النخبة العسكرية في الترشح لمناصب سياسية مستقبلا، وإلا يكون مصيره مثل الفريق سامي عنان.

وتأخذ تفسيرات المادة الخاصة بالاستدعاء مدى الحياة، أكثر من بعد، الأول يتعلق بأن السيسي يريد أن يظل المتحكم في اختيار الشخصية العسكرية التي تنافسه على الحكم مستقبلا، إذا تقرر تعديل الدستور بشكل يسمح له بالترشح لولاية ثالثة. ويرتبط البعد الآخر بشكل مباشر بزيادة قاعدة التحصين للقادة العسكريين الذين يختارهم السيسي، بحيث ينعموا بالأمان.

غير أن هناك تفسيرا ثالثا يرمي إلى أن الجيش أصبح يفكر في الانسحاب من الحياة السياسية بشكل تدريجي، ويريد بعض كبار قادته أن يكون ذلك بشكل آمن، بما لا يُسمح بالنبش في الماضي أو إزعاجهم مستقبلا.

ويبرر أصحاب هذا الرأي وجهة نظرهم، بأنه إذا كان قادة الجيش على قناعة باستمرار وجود شخصية عسكرية على رأس الحكم مستقبلا، بما يمنحهم الأمان والثقة، لماذا اختاروا تحصين الماضي والمستقبل بهذه الطريقة، إلا إذا كانت هناك نية لتداول السلطة، أو الاستقرار على عدم الدفع بمرشح عسكري في الانتخابات المقبلة؟

على أرض الواقع، لا يحظى هذا التفسير بتأييد واسع لأن هناك آراء عسكرية وسياسية تربط أمن واستقرار البلاد بوجود شخصية عسكرية على رأس الحكم، تستطيع أن تتعامل مع التقلبات والاضطرابات والتهديدات الإقليمية بحنكة سياسية ذات صبغة عسكرية، ويحتاج ذلك إلى تناغم رئاسي مع القوات المسلحة حتى لا يتكرر الصدام بين مؤسسة الرئاسة وقت أن كان مرسي (رئيس مدني) على رأس السلطة، وبين المؤسسة العسكرية.

من الصعب أن يتخلى الجيش عن المزايا التي بناها طوال السنوات الماضية، وتضاعفت مؤخرا للتسريع بوتيرة التنمية وتعزيز الاقتصاد بمشروعات قومية ضخمة، حتى تحولت المؤسسة العسكرية إلى منافس في اقتصاد السوق الرأسمالية. ومن الصعب أن يأمن لأي شخصية غير عسكرية في الحكم، تمنحه كل المزايا التي حصل عليها، فهو رقم واحد في مصر منذ سبعين عاما.

العرب