بغداد – خرج المئات من أهالي مدينة البصرة العراقية، الخميس، في مظاهرات شعبية متفرقة للمطالبة بتحسين ظروفهم المعيشية وحل أزمة الكهرباء والبطالة ومحاربة الفساد. يأتي هذا فيما عجزت الحكومة العراقية عن اتخاذ أي قرارات من شأنها تخفيف الاحتقان ومنع انتقاله إلى محافظات أخرى.
ويقول مراقبون إن تعثر الحكومة في التعامل مع حركة الاحتجاج ربما يؤدي إلى اتساع نطاقها، وخروجها إلى صدام أوسع مع أجهزة الدولة، بالتزامن مع استمرار درجات الحرارة في معدلاتها العالية التي تسجلها في معظم أرجاء البلاد.
وقطع متظاهرون الطريق الرابط بين إيران والعراق من جهة منفذ الشلامجة الحدودي وإقامة خيم اعتصام وسط الشارع العام وتقييد حركة الشاحنات والسيارات والعجلات الحكومية والعمل على منع دخول وخروج البضائع عبر المنفذ بين البلدين كإجراء للضغط باتجاه تحقيق مطالبهم. وشرعت مجاميع أخرى بقطع الطرق المؤدية إلى الحقول النفطية في الرميلة الشمالية والجنوبية وغربي القرنة الأول والثاني ومنع العاملين من الوصول إلى منشآت الحقول النفطية والمطالبة بمغادرة العمالة الأجنبية واستبدالها بعمالة عراقية.
وطاف متظاهرون شوارع المحافظة يتقدمهم شيوخ العشائر وشخصيات سياسية في مظاهرات مماثلة رافقها حرق إطارات للمطالبة بتحسين الظروف المعيشية وحل مشكلات الكهرباء والبطالة ومياه الشرب.
ويطالب سكان البصرة، الغنية بالنفط، بتوفير فرص عمل في شركات استخراج البترول الأجنبية العاملة على أرض المحافظة، وتوفير الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء، مع تسجيل درجات الحرارة لمعدلات قياسية خلال فصل الصيف الحالي.
وتوظف شركات البترول في العراق أجانب في معظم مواقعها. ويطالب المحتجون بطرد الأجانب، وتوظيف عراقيين بدلا عنهم.
وتحاول الحكومة المركزية احتواء التداعيات. وكلف رئيس الوزراء حيدر العبادي لجنة وزارية تضم خمسة وزراء لزيارة المدينة والاستماع إلى مطالب المتظاهرين وحل مشكلاتهم.
واقتحم المتظاهرون، ليل الأربعاء، مقرا عسكريا مسؤولا عن تأمين موقع شركة نفط الجنوب المسؤولة عن إنتاج وتسويق نفط المحافظة. وقالت مصادر محلية لـ”العرب”، إن الجنود العاملين في المقر تلقوا أوامر بالانسحاب من مواقعهم لتجنب الصدام مع المتظاهرين.
وفي تظاهرة سابقة قرب أحد المقرات التابعة لشركة أجنبية في البصرة، قتل أحد المحتجين بعدما فتح عناصر الأمن النار على المتظاهرين لتفريقهم، ما ألهب الاحتجاجات في المحافظة ومحافظات أخرى تعاني من مشكلات مشابهة.
وتزامنت الاحتجاجات مع سفر حيدر العبادي إلى بروكسل لحضور مؤتمر اقتصادي.
وبسبب انتهاء الولاية الدستورية للبرلمان العراقي السابق، نهاية الشهر الماضي، يحذر مراقبون من خطر الانفلات الشعبي وسط فراغ تشريعي، وتحوّل السلطة التنفيذية إلى حكومة لتصريف الأعمال.
وأدى قرار إيراني، الشهر الماضي، بالتوقف عن تجهيز العراق بالكهرباء بسبب تراكم الديون، إلى تعميق أزمة قطاع الطاقة بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة خلال الصيف.
وقال مصدر حكومي في بغداد لـ”العرب”، إن “العراق يرفض دفع المستحقات الإيرانية جراء استيراد الكهرباء بالدولار، ويريد دفعها بالعملة الإيرانية (تومان) تنفيذا للعقوبات الأميركية على طهران، لكن الأخيرة تصرّ على تسلم المستحقات بالدولار أو اليورو”.
وبالرغم من أن العراق يستورد من إيران نحو 10 بالمئة من حاجته الكهربائية، إلا أن هذه النسبة تشكل فرقا كبيرا لمحافظة البصرة خلال فصل الصيف.
ويبرر نشطاء من محافظة البصرة تطور الاحتجاجات الشعبية إلى الاحتكاك مع أجهزة الأمن بالنقص الفادح في الخدمات الأساسية والبطالة المتفشية بين أوساط الشبان.
ويقول النشطاء إن البصرة التي تنتج نحو 80 بالمئة من صادرات العراق النفطية، تفتقر إلى محطة كبيرة لتحلية مياه البحر التي يعتمد عليها السكان للحصول على مياه الشرب، كما أنها لا تحصل إلا على نحو نصف احتياجاتها من الكهرباء وسط درجات حرارة فاقت الخمسين درجة مئوية.
ويحذّر متابعون للشأن العراقي من أن افتقار حركة الاحتجاج الشعبية إلى التنظيم وعدم وجود قيادة واعية لها، قد يسمح باستغلالها من قبل أطراف سياسية، على غرار احتجاجات سابقة في البصرة وغيرها.
وتخشى بغداد أن تتسع حركة الاحتجاج إلى محافظات أخرى، وأن يضغط المحتجون لتعطيل المؤسسات الحكومية، أو أن يقتحموا منازل المسؤولين المحصنة.
وصار واضحا بالنسبة إلى الشرائح المتضررة من الشعب العراقي أن الحكومة عاجزة بشكل كامل عن الوصول إلى حلول ناجحة لمشكلة الخدمات وبالأخص ما يتعلق منها بالكهرباء.
ويعزو مراقبون سبب ذلك العجز إلى عمليات الفساد التي أهدرت أكثر من أربعين مليار دولار على مشاريع وهمية، لم ينتج عنها إلا الاستمرار في استيراد الطاقة الكهربائية من إيران والاعتماد على القطاع الخاص الذي صار بدوره يستنزف الجزء الأكبر من دخل المواطن العراقي.
ولم يستبعد مراقب عراقي في تصريح لـ”العرب” أن تلجأ الحكومة إلى قمع المتظاهرين بعد أن فقدت السيطرة على أحياء كثيرة في البصرة، ما دامت لا تملك حلا خدميا تنهي من خلاله التظاهرات التي وصل تأثيرها إلى درجة غلق مقرات الأحزاب الدينية الحاكمة وإلقاء اللوم علنا على المرجعية الدينية.
وأشار إلى أن الحكومة قد تكلف ميليشيات لا تعلن عن هويتها بالقيام بذلك، من أجل أن توحي بقيام مندسين بأعمال عنف غير مشروعة.
ويقول مسؤولون إن الاستجابة لطلبات المتظاهرين في البصرة ربما تضر بمصالح العراق العليا، لا سيما العلاقة بشركات النفط الأجنبية التي تعمل وفق عقود مستقلة.
ويشير هؤلاء إلى أن تعطيل عمل الشركات النفطية قد يسبب كارثة للعراق، الذي يعتمد في نحو 90 بالمئة من موازنته السنوية على عائدات تصدير البترول. كما أن الاستجابة لطلب سكان البصرة بتوفير الكهرباء، قد تسبب الإضرار بحصص المحافظات الأخرى، ما يعني اتساع نطاق التظاهرات.
العرب