المعالجة الأمنية لاعتصام الكامور تؤجّج الاحتقان جنوب تونس

المعالجة الأمنية لاعتصام الكامور تؤجّج الاحتقان جنوب تونس

صعّد المحتجون في ولاية تطاوين (جنوب شرق) نسق الاحتجاجات مجددا، بعدما قررت السلطات استخدام الحل الأمني لإنهاء ما بات يعرف بـ”اعتصام الكامور” وسط احتقان شعبي ينذر بتفاقم الأزمة التي خلفتها الحكومة السابقة.

تونس – لجأت الحكومة التونسية للمعالجة الأمنية لإنهاء اعتصام ينفذه شباب منطقة “الكامور” الغنية بالنفط، وذلك للضغط على السلطات لتفعيل اتفاق معهم كان قد تم قبل ثلاث سنوات، وهو ما فاقم حالة الغضب والاحتقان في المنطقة الواقعة في ولاية تطاوين جنوب شرق تونس.

وشهدت الولاية حالة من الاحتقان مُنذ صباح الأحد، رافقتها عمليات حرق إطارات عجلات وغلق للطرقات، على خلفية مداهمة قوات الأمن خيام المعتصمين لإزالتها.

وتمّ إيقاف عدد من المعتصمين من بينهم الناطق الرسمي باسمه طارق الحداد الذي كان قد دخل في إضراب جوع وحشي الخميس الماضي.

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية عن أحد أعضاء تنسيقية الاعتصام قوله “إنّ قوات الأمن استعملت القوة المفرطة لتفريقنا وفكّ الاعتصام وتعرّض عدد من المعتصمين للإصابة بجروح مختلفة خلال العملية”.

ويؤكد المعتصمون تمسكهم بتنفيذ اتفاق الكامور، الممضى يوم 16 يونيو 2017، والذي ينص بالخصوص على رصد 80 مليون دينار (27 مليون دولار) للاستثمار، وتقليص البطالة، من خلال انتداب 1500 عاطل في الشركات البترولية و500 شخص في شركة البيئة والغراسات والبستنة.

ووفق أرقام رسمية، تساهم حقول تطاوين بـ40 في المئة من إنتاج تونس من النفط، وبـ20 في المئة من إنتاج الغاز.

وأكد أحد المحتجين ويدعى محمد بن عمر في تصريح خاص لـ”العرب”، أن “التصعيد جاء على خلفية المداهمات الأمنية المتزامنة لنقاط الاحتجاج في مختلف مناطق ولاية تطاوين”.

وأضاف “رسالتي إلى الحكومة والأطراف المسؤولة أن تتدخل بتفعيل الاتفاق في أقرب وقت ممكن، وإلا سنتخذ أشكالا أخرى في التصعيد حتى تستجيب لمطالبنا المشروعة منذ أكثر من 3 سنوات”.

وتجد حكومة الفخفاخ نفسها أمام مأزق خلفته حكومة يوسف الشاهد، ويُنظر لحركة النهضة باعتبارها الطرف الوحيد الموجود في الحكومة الحالية والمشارك في الحكومة السابقة كأحد أبرز المسؤولين عن عدم حل الأزمة.

وتتهم النهضة التي قادت المفاوضات مع المحتجين حينئد، وروجت لأن الفضل لها في نجاحها، بالسعي إلى نقل الملف “الشائك” إلى حكومة إلياس الفخفاخ، في ظل نظام حكم برلماني لا يتحمل فيه أي طرف المسؤولية المباشرة عن الملفات الاجتماعية والاقتصادية العالقة.

وبدل العمل على حل الأزمة باعتبارها حزبا نافذا ويحظى بشعبية في الجنوب، وقعت حركة النهضة، في منتصف مارس الماضي رفقة منظمات نقابية وأحزاب سياسية بيانا حملت من خلاله مسؤولية تعطل الاستجابة لمطالب معتصمي الكامور للحكومة الماضية برئاسة يوسف الشاهد والتي كانت فيها طرفا أغلبيا، في خطوة اعتبرت محاولة للتملص من المأزق ولتوريط حكومة الفخفاخ.

وفي منتصف يناير الماضي، التقى رئيس الحركة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي بممثلين عن تنسيقية المعتصمين، في خطوة أعادت الملف إلى الواجهة وأثارت الشكوك والشبهات بشأن إمكانية استخدام النهضة للملف لتكثيف الضغوط على حكومة الفخفاخ التي تعمل على إجراء توسيع عليها بضم حزب قلب تونس إليها أو إسقاطها.

وسبق أن أكد الناطق الرسمي باسم تنسيقية اعتصام الكامور في تصريح خاص لـ”العرب”، “أنه منذ إبرام الاتفاق مع رئاسة البرلمان حول تفعيل القرارات المتفق عليها، لم يتحصلوا على أي تفاعل أو اتصال من قبل الأطراف المسؤولة”.

وقال طارق الحداد، في كلمة نشرها على صفحة التنسيقية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إن “وفدا عن التنسيقية كان ينتظر من رئيس المجلس أن يقوم بالتنسيق مع السلطة التنفيذية لتنفيذ بنود اتفاق الكامور المبرم منذ 2017 مع الحكومة، لكن قوبل بالهرسلة والاستقواء”.

واعتبر أمين عام “حركة تونس إلى الأمام” عبيد البريكي، في تصريح خاص لـ”العرب”، أن “النهضة ليست بحزب سياسي، بل هي حركة دينية بالأساس، وكل الكوارث التي نعيشها ناتجة عن وجود النهضة في الحكومة”.

وأضاف البريكي “لن تفرج الأزمات ما دامت النهضة في الصورة.. ومن غير الطبيعي أن تبرم الحكومة اتفاقا ولا تنفذه.. بل تتعامل مع الاحتجاجات بالمراحل وبطريقة فض المشكلة ولو تدريجيا”.

وبنت الحركة الإسلامية حملتها الانتخابية (الرئاسية والتشريعية 2019) في الجنوب التونسي على مساندة اعتصام الكامور والمطلبية الاجتماعية في الجهة، حيث تعهدت بتلبية جميع مطالب المحتجين.

وتتقن الحركة الإسلامية “فن التموقع” حسب ما تقتضيه مصالحها الخاصة من الوقائع والمستجدات، فهي تدعم مكانتها في الحكم وتوظفها حال وجود “إنجازات” وتسارع بنسبها لنفسها ولحكومتها، لكنها أيضا تتنصل من الفشل وتصدر الأزمات للحكومة المشاركة فيها.

وفي يونيو 2017 أعلن الغنوشي التوصل إلى حل لمشكلة الجهة ووضع حدّ للاعتصام الذي عطل الإنتاج، مع التزام الحكومة بالاستجابة لكافة المطالب، حيث وقع المعتصمون اتفاقا أطلق عليه تسمية (اتفاق الكامور) مع الحكومة رعاه الاتحاد العام التونسي للشغل (منظمة عمالية) التزمت فيه الحكومة بالتدرج في تلبية المطالب.

وعلى إثر توقيع الاتفاق اندلع خلاف بين حركة النهضة واتحاد الشغل لجني ثمار ما تم الاتفاق عليه، فبينما اعتبرت حركة النهضة أنّ الفضل يعود لها في قيادة المفاوضات التي أفضت إلى توافق، تؤكد المنظمة النقابية أن النجاح يعود للوساطة التي لعبها أمينها العام، نورالدين الطبوبي.

والسبت، أصدر الاتحاد الجهوي للشغل بتطاوين بيانا قال فيه “إنّ الحكومة فقدت كل رصيد الثقة نهائيا بسبب تتالي إخلافها بكلّ الوعود وتنكرها لاتفاق الكامور ولامبالاتها بتجدد الاحتجاجات والتملص من الاتفاق الذي تم بين رئيس الحكومة والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل بخصوص عقد مجلس وزاري في مدينة تطاوين الأسبوع المنقضي، وهو ما دفع المعتصمين إلى اتخاذ خطوات تصعيدية”.

وحمّل الاتحاد الجهوي الحكومة “المسؤولية الكاملة في كل ما يحدث للمضربين عن الطعام” محذّرا إيّاها من “مغبة عدم تراجعها عن تتبع المعتصمين الموقوفين قضائيا”

العرب