يمكن القول إن القمة التي انعقدت بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، كانت الحدث السياسي الأكثر اقتراناً بالتوقعات لهذا الصيف. وفي حين أن الاجتماع ربما يكون قد فتح صفحة جديدة في العلاقات الأميركية-الروسية، فقد أثار أيضاً موجة من المعارضة لترامب بسبب ما اعتُبر تدخلاً روسياً في الانتخابات الرئاسية الأميركية للعام 2016، وهي قضية رفضها بوتين جملة وتفصيلاً باعتبارها مجرد صراع سياسي داخلي. وبدا أن الرجلين خصصا حصة الأسد من اجتماعهما وجهاً لوجه، والذي دام نحو ساعتين، لبحث هذه القضية.
على هذه الخلفية، بدا أن الشؤون المتعلقة بالشرق الأوسط كانت هامشية على الأغلب. وبإحدى الطرق، كان ذلك تجسيداً لحقيقية أنه على النقيض من الاعتقاد واسع النطاق في الشرق الأوسط بأن المنطقة سيتكون القضية المهيمنة بالنسبة لموسكو وواشنطن، فإنها تحتل في الحقيقة -بما فيها الصراع الجاري في سورية- مرتبة دنيا على الأجندة الأميركية-الروسية. ومع ذلك، وبالنظر إلى التعقيدات الجيوسياسية -والأهم من ذلك، القرب الكبير الذي كان الروس والأميركان يعملون ضمنه، فإن أياً من الكرملين أو البيت الأبيض لا يستطيعان تجاهل المنطقة، وهناك أسباب وجيهة للنظر إلى سورية كمكان جيد للبدء في جَسر الهوة بين القوتين.
قيل أن بوتين قال لترامب في ملاحظاته الافتتاحية: “لقد حان الوقت للحديث بالتفصيل عن القضايا الثنائية بيننا، وكذلك عن بعض النقاط الساخنة بن بلدينا”. وبالنظر إلى أن معظم المؤتمر الصحفي المشترك اللاحق هيمن عليه عنوان التدخل في الانتخابات، ربما يبدو أن ترامب وبوتين لم يحرزا الكثير من التقدم حول الجوانب الجوهرية المتعلقة بسورية وإيران، وهما الموضوعان اللذان سادت توقعات واسعة النطاق بأنهما سيكونان مطروحين بقوة على الأجندة. ويمكن أن تكون هذه الملاحظة دقيقة للغاية، بما أن الزعيمين ركزا فيما يبدو على إصلاح العلاقة الثنائية وأنفقاً وقتاً في مناقشة الأزمات الإقليمية. وبهذا المعنى، ربما يكون محتوى الاجتماع الذي انعقد بين وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ووزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أكثر إثارة للاهتمام من اجتماع الرئيسين. وقد سار الاجتماع الأول بين دبلوماسيين رفيعين من الروس والأميركيين بالتوازي مع محادثات الرئيسين، وتم عقده خلف أبواب مغلقة، ولم يتم الإعلان سوى عن بعض التفاصيل الصغيرة حتى الآن.
مع ذلك، وضع بوتين وترامب الخطوط العريضة لما يمكن أن يكون خريطة طريق لسورية، والتي تفاوض عليها فريقاهما مع بعضهما بعضا ومع أصحاب الحصص الإقليميين المعنيين المرتبطين بهما.
وقال بوتين في المؤتمر الصحفي: “بالقدر الذي يخص سورية، فإن مهمة تأسيس السلام والمصالحة في هذا البلد يمكن أن تكون أول مثال على العمل المشترك الناجح. يبدو أن روسيا والولايات المتحدة يمكن أن تعملا بشكل استباقي وتتوليا قيادة المهمة في هذه القضية، وتقوما بتنظيم التفاعل للتغلب على الأزمة الإنسانية ومساعدة اللاجئين السوريين في العودة إلى منازلهم. لدينا جميع المكونات المطلوبة لتحقيق هذا المستوى من التعاون الناجح في سورية”.
أحد هذه المكونات هو التنسيق العسكري بين روسيا والولايات المتحدة. وقد امتدح كلا الرئيسين الاتصالات بين جيشيهما في سورية وأكد كل احترافية جيشه. كما حث بوتين أيضاً على ضرورة وضع الاتصالات بين أجهزتهما الأمنية والاستخبارية في “إطار عمل منهجي”، وذكر ترامب باقتراح روسي -ربما يعود وراء إلى السنوات المبكرة من رئاسة بوتين، في أوائل الألفية- بإنشاء مجموعة عمل لمكافحة الإرهاب.
وثمة مكون آخر هو التعاون المؤسسي. وقال بوتين إن روسيا سوف تواصل عملها في إطار أستانا مع تركيا وإيران، لكنها مستعدة للانخراط مع ما تعدعى المجموعة الصغيرة -وهي ترتيب دبلوماسي تقوده فرنسا والولايات المتحدة، والذي يشمل أيضاً المملكة المتحدة، وألمانيا والأردن والسعودية- “من أجل تعظيم فرصنا في القتال لتحقيق النجاح النهائي”.
وثمة أمر يمكن أن يصبح مكوناً آخر أيضاً، هو انفتاح روسيا المعلن على الانخراط مع القوى الغربية، وخاصة فرنسا والولايات المتحدة، في القضايا الإنسانية وجهود الإغاثة. وتقول موسكو أنها مستعدة لتقديم طائرات نقل عسكرية لإيصال المساعدات الإنسانية وغيرها من جهود الإغاثة.
وقال بوتين: “يجب جلب جنوب سورية إلى الامتثال الكامل لمعاهدة العام 1974، حول فصل القوات -فصل القوات الإسرائيلية والسورية. وسوف يؤدي ذلك إلى جلب السلام لمرتفعات الجولان، وسوف يجلب المزيد من (العلاقات) السلمية بين سورية وإسرائيل، وسوف يوفر الأمن لدولة إسرائيل. وقد أولى السيد الرئيس اهتماماً خاصة لهذه القضية خلال مفاوضات اليوم”.
لقيت هذه الأخبار، كما هو متوقع، استقبالاً حسناً في إسرائيل. وربما يمكن تفسير التصريح أيضاً على أنه رسالة أخرى إلى إيران لسحب قواتها والميليشيات الحليفة من منطقة الحدود مع إسرائيل. ومع ذلك، ربما تكون هذه القضية مجرد قمة جبل الجليد مما اتفق عليه بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعلي أكبر ولايتي، كبير مستشاري القائد الإيراني الأعلى، خلال زياراتهما إلى موسكو. وما يزال السؤال حول “الضمانات” الروسية حول إعادة الانتشار الإيرانية غير واضح، ولدى إسرائيل القليل من الأسباب لتضع أي رهانات عليها.
بالإضافة إلى ذلك، كان اليوم الذي تلا القمة هو اليوم الثاني من هجوم لاستعادة الأجزاء الأخيرة من محافظة القنيطرة في جنوب غرب سورية. وقد استولى الجيش السوري، بمساعدة من سلاح الجو الروسي، على تلة استراتيجية تشرف على مرتفعات الجولان.
في وقت لاحق، صرح بوتين في مقابلة مع القناة الروسية الأولى: “لقد تمكنا من الاتفاق على بعض المسائل الخاصة بسورية. بشكل خاص على منطقة خفض التصعيد الجنوبية بجوار مرتفعات الجولان، مع اعتبار كامل للمصالح الإسرائيلية -كما ناقشنا هذا في وقت سابق مع شركائنا الإيرانيين. ولذلك نحن على الطريق الصحيح فيما يتعلق بإصلاح الوضع بمعنى أوسع، وليس فقط بشأن سورية”.
تمت إثارة قضية إيران في سياق أوسع وتأثرت بوضوح بمحادثات بوتين وترامب الأخيرة مع نتنياهو. وأوضح بوتين في وقت لاحق: “فيما يتعلق بخطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني)، ما يزال موقف روسيا هو نفسه: إنها الأداة التي تضمن عدم الانتشار النووي عبر المنطقة. إن إيران واحدة من أكثر الدول القابلة لسيطرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في المنطقة، وسوف يكون من المؤسف إذا توقفت هذه الأداة عن الوجود. إننا نفهم تفكير الرئيس ترامب حول هذه المسألة، ونعرف موقفه -كان يقول لنا إن إيران يجب أن تتوقف عن سياساتها الإقليمية المدمرة. ولكن من وجهة نظرنا، هذا (النهج) يجب أن يقود حتماً إلى هدم خطة العمل الشاملة المشتركة”.
فعلت قمة ترامب-بوتين أقل القليل للشرق الأوسط، بالنظر إلى المناخ السياسي الحالي السائد في موسكو وواشنطن. ولم يقطع الرجلان مسافات بعيدة في بحث خلافات البلدين حول سورية وما وراءها. كما لا يبدو أنها كانت لديهما الشهية لمخاطبة قضايا الاستقرار الأكبر في المنطقة. ولم يتم تقديم أي ورقة حول نتيجة الاجتماع لترسيخ التزامات الأطراف المعنية.
بعد وقت قصير من خطاب بوتين وترامب، قال لافروف: “كانت المفاوضات أفضل من فائقة”. وكان لافروف قد استخدم هذه العبارة نفسها مرة واحدة على الأقل من قبل: في شباط (فبراير) 2015، في أعقاب المحادثات حول اتفاقيات مينسك لوقف الصراع في شرق أوكرانيا. وفي ذلك الحين، تفاوضت روسيا على صفقة جيدة لنفسها وللميليشيات المتحالفة معها، لكن ذلك الصراع يبقى عبئاً ثقيلاً على كاهل العلاقات الروسية الخارجية. وفي هذه المرة، كان الروس أكثر عناية بشأن القيود المحلية التي سيواجهها ترامب، ويواجهها مسبقاً الآن بعد أن أصبح العديد من الأميركيين أكثر انتقاداً لموقفه تجاه بوتين في القمة، والتأثير المحتمل لردود الفعل على سياسة الولايات المتحدة تجاه روسيا وسورية.
وقال مسؤول في الكرملين تحدث إلى “المونتيور” شريطة عدم الكشف عن هويته، إنه حتى مع أن موسكو راضية، بشكل عام، عن نتائج القمة، فإن أي أوهام لا تخالطها إزاء ضرورة “إعادة ضبط” أخرى للعلاقات مع الولايات المتحدة.
وقال المسؤول: “لقد أجرى الرئيسان حديثاً جيداً. بهذا المعنى شكلت القمة كسباً لأولئك الذين يسعون إلى إجراء تحسينات في العلاقات الثنائية. لكننا نعرف أن هناك أميركا أخرى اليوم والتي هي أكثر عدوانية بكثير تجاه روسيا. ليس هناك حوار معهم، مع المؤسسة في معظمها، ولا يمكن أن يكون هناك حوار في المستقبل المنظور. إنهم يرون فكرة مد اليد إلى روسيا مثيرة للانقسام وسوف يواصلون إخافة الرئيس من مثل هذه الجهود. ولذلك لا نقوم هنا بفتح زجاجات الشمبانيا للاحتفال بالنجاح. هناك عمل شاق قادم على الطريق”.
مكسيم إيه. سوكلوف
الغد