بعد ثمانية أشهر من الحرب المدمرة، ما تعنيه السياسة الإسرائيلية المستمرة والمتعمدة بحصار غزة وفصلها عن الضفة الغربية، هو أن النزاع قد يندلع مرة أخرى، ولا يبدو أن تشكيل حكومة ائتلافية يمينية جديدة سوف يكون أمرًا مساعدًا في هذا الشأن، بل يبدو مجلس الوزراء الجديد وكأنه ضربة قاصمة لآمال حدوث أي اتفاق مع الفلسطينيين، ولدى رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الكثير مما يجب عمله لإقناع الجماهير الداخلية والخارجية بأن لديه رغبة صادقة ورؤية لإحلال السلام.
ويحاول نتنياهو الآن العثور على قضية مشتركة مع الدول العربية المجاورة فيما يتعلق بالدولة الإسلامية والسلفية الجهادية العنيفة، بدلًا من العمل نحو التوصل إلى اتفاق سلام مع المنطقة، ولكن يجب على إسرائيل أن تعرف أيضًا أن غزة ليست محصنة ضد هذه الاتجاهات الراديكالية، وخاصة مع غرق سكانها في مزيد من الفقر واليأس.
ولقد كانت محنة غزة وأهلها، والتهديد الأمني الذي تشكله على المنطقة بأسرها، في قلب مهمتنا في وقت سابق من هذا الشهر في كل من إسرائيل وفلسطين، وقد ذهبنا هناك كأعضاء في مجموعة الحكماء، المكونة من قادة مستقلين سابقين يناضلون من أجل السلام وحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.
وكان أحد الأماكن التي قمنا بزيارتها هو كيبوتس نير آم، على بعد كيلو متر واحد من الحدود مع غزة، وهناك، سمعنا مباشرة ما يقوله الناس المتواجدين على الخط الأمامي للنزاع، والذين يرغبون في العيش في سلام مع جيرانهم الفلسطينيين، ومن أبرز ما سمعناه كلمات أم قالت: “إذا لم يكن لدى الناس ما يعيشون من أجله، فإنهم سوف يجدون شيئًا للموت من أجله“.
وكانت هذه الأم، وزملائها من سكان كيبوتس، خائفين وغاضبين بشكل مفهوم من التهديدات بشن الهجمات الصاروخية وغارات الأنفاق عليهم، إلا أننا أعجبنا أيضًا بإصرارهم على أن السلام العادل فقط هو ما سيجلب الأمن لمجتمعهم.
وللأسف، لم نتمكن من زيارة غزة في هذه الرحلة، للوقوف على الوضع هناك بأنفسنا، إلا أن ما سمعناه من خبراء مستقلين، ومن مسؤولي الأمم المتحدة، أكد لنا أسوأ توقعاتنا بشأن الفقر، والإسكان، والصحة، والجمود السياسي في القطاع، وقد أدى هذا إلى تعزيز تصميمنا على العمل من أجل السلام، حل الدولتين، ورفع الحصار.
الوضع في غزة لا يطاق، وبعد ثمانية أشهر على انتهاء حرب الصيف الماضي، لم تتم إعادة بناء منزل واحد من البيوت التي دمرتها الحرب، والناس هناك لا يستطيعون العيش مع الاحترام والكرامة التي يستحقونها.
إن إحداث تغيير كامل في هذا النموذج أمر ضروري، وهذا يتطلب رفع الحصار، ووضع حد لسياسة إسرائيل في فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، وهذان في رأينا اثنان من المكونات الرئيسية للدولة الفلسطينية المستقلة، وكما سمعنا خلال زيارتنا، من دون غزة، لن يكون من الممكن تحقيق الحل القائم على مبدأ الدولتين.
ولقد قضى كلانا عقود من الزمن في العمل من أجل السلام في الشرق الأوسط، وعلى الرغم من العدد المتزايد من المشككين، إلا أننا نعتقد أن حل الدولتين هو النتيجة الوحيدة القابلة للتطبيق.
سكان غزة الـ 1.8 مليون محاصرون، معزولون، ويائسون، لا يستطيعون التمتع بأي من مظاهر الحياة الطبيعية، من التجارة والسفر إلى الصحة والتعليم، التي يعتبرها الناس في بلادنا، وفي الواقع، في إسرائيل، أمرًا مفروغًا منه.
إن مخاطر نشوب حرب أخرى حقيقية جدًا، ولن يكون هذا الأمر كارثيًا بالنسبة لشعب غزة فقط، بل بالنسبة لجميع الفلسطينيين والإسرائيليين كذلك؛ لقد عانى كل شخص يعيش في الأراضي المقدسة من الصراع لفترة طويلة بما فيه الكفاية.
ولتجنب المزيد من إراقة الدماء، ولزيادة الفرص الضئيلة في الوقت الراهن لاتفاق السلام، يجب أن تكون المصالحة والوحدة الفلسطينية شرطًا مسبقًا، وعندما التقينا مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، أعجبنا بالتزامه بعقد الإطار القيادي المؤقت، وهو تجمع جديد من شأنه أن يجمع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وممثلين عن حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وهما الفصائل الرئيسية في غزة.
وقد طلب منا عباس، كمجموعة حكماء، تأمين طلب خطي من حماس لعقد الانتخابات، وقال إنه ملتزم بإجراء انتخابات مجلس تشريعي، وانتخابات رئاسية فلسطينية جديدة، بعد وصول هذا الطلب، وقد أصبح هذا الأمر الآن محور عملنا الحالي في المنطقة.
ونعتقد أيضًا بأنه من الضروري أن يتم تأسيس حكومة الإجماع الوطني الفلسطينية بشكل كامل في غزة، للسيطرة على المعابر الحدودية، وبالتالي السماح للعديد من البضائع بدخول المنطقة لإعادة الإعمار، ولأغراض أساسية أخرى، وقد تبدو مثل هذه الخطوات إجرائية فقط، إلا أنها حيوية لإعادة ربط غزة والضفة الغربية سياسيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا.
وحتى إذا كان من الممكن التوفيق بين الفصائل الفلسطينية، سوف تبقى هذه الفصائل بحاجة إلى شركاء موثوق بهم وصادقين، يرغبون بالسلام على الجانب الإسرائيلي، وهؤلاء الشركاء موجودين على الرغم من الاتجاهات السائدة في الكنيست، وقد قابلنا عددًا من الإسرائيليين الملتزمين بصدق بتحقيق حل الدولتين.
وسيكون أفضل ضمان لأمن إسرائيل في المستقبل، ولقبول جيرانها بها، هو تحقيق حل الدولتين، ووضع حد للتوسع الاحتلالي وللاستيطان، وللمساعدة في تحقيق هذا الهدف، نرى أنه آن الأوان لدول أوروبا كي تأخذ دورًا أكثر نشاطًا، يرتكز على الالتزام المالي الجاد بالمساعدة في إعادة إعمار غزة.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة سوف تظل لاعبًا رئيسيًا، إلا أنها لا تستطيع تحمل عبء صنع السلام وحدها، وسنفعل كل ما بوسعنا لدعم الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغريني، حتى تتمكن من تحريك عملية متعددة الأطراف فعالة.
هذا، وكانت هذه البعثة هي الرابعة لمجموعة الحكماء إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية منذ تأسست المجموعة في عام 2009، وتم إنشاء منظمتنا من قبل نيلسون مانديلا للعمل من أجل السلام وحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، وفي كل مرة نزور فيها هذه المنطقة، نعود لنتأكد من أنه لا يمكن تأمين السلام من دون حقوق الإنسان؛ وهذا أقل ما يستحقه الناس في إسرائيل وفلسطين.