د. سليم محمد الزعنون*
على الرغم من توتر العلاقة السياسية بين واشنطن وأنقرة خلال السنوات الماضية إلا أن المصالح الاقتصادية والعلاقات التجارية والاستثمارات بينهما استمرت في الاتفاع، حيث تخطت الاستثمارات الأمريكية بالسوق التركية حاجز الـ 110 مليار دولار خلال الفترة من 2000-2017، ووصلت المبادلات التجارية بين الطرفين إلى 20.5 مليار دولار.
بيدَّ أنه منذ بداية العام الحالي بدأت الخلافات السياسية تنعكس على المصالح الإقتصادية بين البلدين، لمجموعة من الأسباب مرتبطة بالخلاف حول الملفات الإقليمية، والاقتراب من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وفي ضوء التطورات الراهنة من غير الممكن أن تصل العلاقة بين البلدين إلى مرحلة اللاعودة، كما انه من الغير الممكن أن تعود إلى سابق عهدها، بما يطرح سيناريوهات لمستقبل الأزمة الحالية.
أولاً: أسباب تصاعد التوتر.
- انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.
تأتي خطوات “ترامب” تجاه تركيا على خلفية اعتقال “القس” الأمريكي في إطار حملة انتخابية يقودها الحزب الجمهوري تمهيداً لانتخابات التجديد النصفي في نوفمبر القادم، ويسعى في اطارها للحصول على اصوات (الحزام الإنجيلي) التي تُسيطر عليه 24 جماعة بروتستانتية أصولية، ويتصمن 10 ولايات ممتدمة من جنوب شرق إلى وسط جنوب الولايات المتحدة، تعويضاً عن الخسائر المتوقعة على خلفيّة التدخل الروسي في الانتخابات، وكذلك هجمة الحزب الديمقراطي والليبرالين لتغير المعادلة في الكونغرس.
- الخلاف حول الملفات الإقليمية.
أهمها: استمرار الدعم الأمريكي للأكراد، ومعارضة تركيا لإعادة فرض واشنطن عقوبات على إيران، مع اعلانها الاستمرار في استيراد النفط والغاز الإيراني، الموقف التركي المعارض لصفقة القرن حول القضية الفلسطينية، الخلاف حول صفقة صواريخ (S400) التي تسعى أنقرة لشرائها من موسكو، والخلاف حول (فتح الله غولن)، والحرب الاقتصادية المتبادلة التي بدأت في مارس الماضي بعد فرض واشنطن تعريفة جمركية جديدة ردت عليها انقرة بفرض رسوم جمركية على السلع الأمريكية.
ثانياً: السيناريوهات المحتملة.
يوجد تآكل متزايد في العلاقة بين البلدين، ولكن في ضوء وجود تشابك في العديد من الملفات المعقدة والمتشابكة، وكذلك المصالح المشتركة، من غير الممكن أن تصل العلاقات إلى مرحلة اللاعودة، كما أنه من غير الممكن العودة إلى ما كانت عليه سابقاً، بما يطرح العديد من السيناريوهات المحتملة للعلاقة بين الطرفين.
السيناريو الأول: استمرار الوضع الراهن.
في ظل وجود عدد من الملفات المتوترة والمتشابكة والمعقدة بين الطرفين، وذات الوقت وجود المصالحة المشتركة بينهما، يدفع باتجاه بقاء الوضع الراهن دون تصعيد يصل إلى حد القطيعة أو تَحسن جوهري في العلاقة، وتدعم هذا السيناريو عدة عوامل أهمها: رغبة واشنطن في منع التقارب بين تركيا وروسيا، رغبة تركيا في المحافظة على التوازن في العلاقة بين واشنطن وموسكو، استمرار التواصل الدبلوماسي بينهما رغم الأزمة.
السيناريو الثاني: احتواء الأزمة.
اذا ما قررت واشنطن فرض المزيد من العقوبات على انقرة، كمنعها من الحصول على قروض من المؤسسات الدولية، وفرض غرامات على البنك المركزي التركي، وعقوبات على شركات وشخصيات تركية، واعادة النظر في اعفاءها من الرسوم الجمركية، ومنع بيع السلاح أو تسليم طائرات F35، تحت وطأة إدراك أنقرة لتبعات ذلك من انهيار اقتصادي كامل، وامكانية أن تَعُم حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، سوف تضطر إلى التوصل لتفاهمات في بعض الملفات.
السيناريو الثالث: ارتفاع حدة التصعيد.
من الممكن أن تتخذ أنقرة مجموعة من الإجراءات رداً على العقوبات الأمريكية، كاستكمال صفقة منظومة الصواريخ الروسية، والإصرار على المضي في طريق محاكمة القس الأمريكي، والتعامل مع طهران في ظل العقوبات التي فرضت عليها مؤخراً، واستبدال الدولار بالعملة المحلية للتعامل الاقتصادي مع روسيا والصين وايران، بما يدفع واشنطن لفرض مزيداً من العقوبات، تؤدي لحالة التصعيد.
في ضوء المصالح المشتركة، وإدراك أنقرة لتبعات الأزمة على حالة الإقتصاد والاستقرار، وفي ضوء التجربة التركية وتوصلها لاتفاق ضمني مع ألمانيا للإفراج عن الصحفي الألماني “دينيز يوجيل” مقابل تطبيع العلاقات الاقتصادية مع دول الاتحاد الأوروبي فإن سيناريو احتواء الأزمة السيناريو الأكثر ترجيحاً، اذ تعمل تركيا في نهاية المطاف للتوصل إلى تسوية مع الولايات المتحدة حول بعض القضايا المتشابكة والمعقدة.
وحدة الدراسات التركية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية