ما ان دخلت العقوبات الأميركية على إيران حيز التنفيذ ، حتى بدأ الجدل في الشارع العراقي ، وعم قلق أشبه بذلك الذي يخيم على طهران ، في الأوساط العراقية ، فالعلاقات الاقتصادية والسياسية وحتى الاجتماعية تقتضي ذلك .
العقوبات الحالية على طهران ، هي الأشد في مسلسل العقوبات الأميركية على إيران ، وهو ما أشار إليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، والذي وصفها بالعقوبات الأشد على الإطلاق ، وأضاف أنها ستصل في تشرين الثاني نوفمبر المقبل إلى مستوى أعلى ، وحذر كل من يتعامل مع إيران بأنه لن يتمكن من التعامل مع الولايات المتحدة الأميركية .
في المقابل ، كان الرد العراقي متمثلا بما أعلن عنه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ، حيث أكد أن حكومته “لا تتعاطف” مع العقوبات الأميركية المفروضة على إيران ، لكنها ستلتزم بها لحماية مصالحها .
ووفقا لخبراء ، فإن الأميركيين تعلموا الدرس من السنوات الماضية ، وحاولوا منع إيران قدر الإمكان ، من العمل من خلال دولة ثالثة ، فالعراق كان أحد الثغرات التي من خلالها تداولت إيران النفط وتجاوزت القيود المالية .
أما الموقف العراقي الصريح ، فقد ظهر من خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى تركيا ، وخلال لقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، أكد على انفتاح العراق على الأسواق التركية ، والتأطير لمرحلة جديدة ، تقوم على التعاون العراقي / التركي المشترك ، اقتصادياً وسياسياً وأمنياً .
من جانبه ، أبدى الرئيس التركي أردوجان استعداد بلاده للوقوف الى جانب العراق ، في إعادة اعمار المدن المتضررة من الإرهاب ، فضلاً عن اطلاق حصصه المائية المستحقة ، وفتح قنصليتين في البصرة والموصل لتكونا منطلقا للعمل المشترك في جميع المجالات .
البنك المركزي العراقي بدوره ، أعلن ان العراق لن يتعامل مع إيران بعملة الدولار ، ضمن التبادل التجاري, الذي بلغ عشرة مليارات دولار , أو بأيٍ من المعاملات المصرفية الأخرى .
كذلك أكد مستشار الحكومة العراقية للشؤون المالية ، ان الحكومة قررت عدم التعامل مع إيران ، ومنع استيراد السيارات والسلع الاستهلاكية ، وكذلك الكهرباء ، وغيرها من المواد ، والاستعاضة عنها بالتوجه الى الأسواق السعودية والكويتية.
في المقابل مسؤولون إيرانيون عبروا عن غضبهم من قرار البنك المركزي العراقي ، التقيد بالعقوبات الأميركية ، فيما خرجت مطالب إيرانية تطالب بالحصول على تعويضات من العراق على ما تسببته الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي من أضرار بيئية .
هذا ، وتشهد العملة الإيرانية تراجعا أمام الدولار خلال الأيام الماضية ، إذ كان البنك المركزي يبيع بين (150-170) مليون دولار في اليوم ، وبعد تراجعها زاد الطلب على الدولار ليصبح (200) مليون دولار .
خبراء اقتصاديون ومصرفيون عراقيون حذروا من عمليات مشبوهة تنفذها إيران ، للحصول على الدولارات من العراق ، وقد أدت إلى انخفاض قيمة الدينار ، بعدما أصبحت العملة الإيرانية لا قيمة لها ، إثر تطبيق المصارف العراقية لقرار العقوبات الأميركية .
وهنا ، يعزوا اقتصاديون عراقيون هذا التراجع في قيمة الدينار ، إلى شراء تجار إيرانيين عبر وكلاء لهم في العراق ، العملة الصعبة من الأسواق العراقية لمواجهة العقوبات الأميركية بحظر التعامل مع طهران بالدولار .
وحذر هؤلاء من الأساليب التي تهدف الى إغراق السوق العراقية بالعملة المحلية المزورة لشراء الدولار ، بعد أن بات الريال الإيراني لا قيمة له في التعاملات داخل العراق وخارجه .
أما الأسلوب الآخر ، فهو مضاعفة تجارة المخدرات ، وضخ كميات كبيرة من السموم المخدرة إلى السوق العراقية لتحصل إيران من خلالها على الدولار .
وبذات الصدد ، أشارت مصادر مطلعة الى ان عدة مستثمرين عراقيين في إيران تعرضوا إلى خسائر كبيرة بعد هبوط العملة الإيرانية ، و تعرضوا للاحتيال من قبل تلك المصارف التي أعلنت تقديم فائدة قدرها (15%) على الوديعة الثابتة ، عبر الترويج بأن المصارف الإيرانية إسلامية وغير مخالفة للشريعة الإسلامية ، فقام المئات من العراقيين بإيداع مبالغ تقدر بمليار دولار في المصارف الإيرانية ، عبر فروعها داخل العراق ، بالإضافة إلى بعض المصارف العراقية الأخرى .
وفي الوقت نفسه ، دعا خبراء الحكومة العراقية إلى اتخاذ خطوات سريعة لمنع تراجع العملة العراقية ، ومواجهة أساليب – وصفوها بالخبيثة ، تهدف للإضرار بالاقتصاد العراقي .
ان الانفتاح الاقتصادي للعراق على الأسواق العربية والدولية ، هي أفضل الطرق للاستعاضة عن البضائع الإيرانية ، وقد يكون الانفتاح على الأسواق العربية المجاورة ، إضافة الى تركيا ، أحد أهم هذه البدائل .
العراق اليوم ينظر بعين مصلحة شعبه في التعامل مع العقوبات الأميركية على طهران ، العقوبات التي سيكون لها آثارا سلبية وكارثية على الموقف العراقي في حال رفض تطبيقه ، فبحسب الخبراء ، فأن أهم العقوبات التي ستفرض على العراق في حال تعامله مع إيران ، امتناع دول العالم عن شراء نفطه الذي يعتبر العمود الفقري للاقتصاد العراقي ، وستضطر الشركات الكبرى الى مغادرة البلاد ، خصوصا وأن العراق لا يمتلك حالياً أية مصادر لرفد ميزانيته المالية غير النفط .
عامر العمران
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية