الأوضاع العراقية الهشّة وما يواجهه البلد من مصاعب اقتصادية وإشكالات اجتماعية وتهديدات أمنية، لم تمنع الطبقة السياسية من إهدار أكثر من أربعة أشهر إلى حدّ الآن في الصراع على السلطة ومحاولة تقاسم مواقعها التي كثيرا ما مثّلت الغاية الأساسية للمشاركين في العملية السياسية بينما البلد يزداد ضعفا وتراجعا في مختلف المجالات، وأوضاع مواطنيه تزداد سوءا.
ما يزال العراق منذ شهر مايو الماضي الذي شهد إجراء انتخابات برلمانية، يعيش غمرة عملية إعادة ترتيب شؤون الحكم بما في ذلك تعيين قيادة سياسية جديدة للبلد تتمثّل برئاساته الثلاث وعلى رأسها رئاسة الحكومة أهمّ منصب تنفيذي في البلاد.
وحالت شبهات التزوير التي حامت بقوّة حول عملية الاقتراع وفرز الأصوات، ولاحقا الخلافات الحادّة بين أفرقاء العملية السياسية وتنافسهم الشرس على الوصول إلى السلطة والإمساك بأهم مواقعها، دون الإسراع في عملية اختيار الرئاسات، على الرغم من الأوضاع الهشّة للبلد الذي ما يزال مهدّدا أمنيا من قبل الخلايا النائمة لتنظيم داعش رغم حسم المعركة العسكرية ضدّه، والذي يعيش مصاعب مالية تحول دون البدء بإعادة الإعمار وتجاوز مخلّفات الحرب، كما يشهد حالة من الغليان الشعبي بسبب سوء الأوضاع الاجتماعية جسّدتها مؤخّرا الاحتجاجات العارمة في محافظة البصرة وعدد من محافظات الجنوب.
ومع أنّ فترة أربعة أشهر منذ إجراء الانتخابات لتنصيب حكومة جديدة، فترة طويلة جدّا بالقياس لأوضاع العراق والتهديدات التي تحفّ به، إلاّ أنّ الطبقة السياسية بمختلف توجهاتها ومواقعها تبدو منشغلة بالكامل بعملية ترتيب أوضاع السلطة وتقاسم مواقعها وفق مبدأ المحاصصة الحزبية والطائفية والقومية المعمول به.
والفترة المشار إليها مرشّحة لتطول أكثر في ظلّ الغموض الذي ما يزال يلفّ مآل منصب رئيس الوزراء والشخص الذي سيتولاّه والجهة التي ينتمي إليها.
ولم ينجح الأفرقاء العراقيون إلى حدّ الآن سوى في تنصيب رئيس للبرلمان ونائبين له. وحفّت بعملية اختيار السياسي السنّي محمّد الحلبوسي لترؤّس مجلس النواب، شبهات كثيرة تجاوزت مجرّد عقد صفقات سياسية، وهو أمر مسلّم به، إلى إبرام صفقات مالية لشراء المنصب للشابّ المدعوم من قوى سنّية متحالفة مع كتل شيعية قريبة من إيران.
ويتنافس على منصب رئيس الوزراء تياران كبيران كلاهما شيعي، يتمثّل الأوّل بمجموعة السياسيين وقادة الميليشيات الأكثر قربا من إيران يقودهم بشكل أساسي كلّ من هادي العامري زعيم منظمة بدر ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي زعيم حزب الدعوة الإسلامية، ويتمثّل الثاني بمجموعة من السياسيين المدعومين من رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ومن أبرز قياداتهم رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي الذي لا يبدو موضع ثقة إيران، حتى أنّ خصومه السياسيين يتهمونه بكونه مرشّح الولايات المتحدة لمنصب رئيس الحكومة.
وتراجعت حظوظ العبادي في الفوز بولاية ثانية على رأس الحكومة العراقية، بينما تقدّم إلى الواجهة وزير النفط السابق عادل عبدالمهدي كمرشّح “توافقي”، غير أنّ نوري المالكي قائد ائتلاف دولة القانون والشريك بـ”تحالف البناء” قال، الخميس، في تغريدة عبر تويتر، إن التحالف لم يتفق لغاية الآن على مرشح محدد لرئاسة الوزراء.
وجاء ذلك بعد أن كان الشريك الرئيسي الثاني في التحالف ذاته هادي العامري، قد نفى طرح أسماء مرشحين للمناصب الوزارية في الحكومة القادمة.