سورية حققت حلم فلاديمير بوتين باستعادة موقع القيصر بطرس الأكبر والإمبراطورية الروسية، فأصبح لبوتين قاعدة عسكرية في مياه البحر الدافئ في طرطوس وقاعدة جوية في حميميم في شمال غرب سورية. وبعد تحقيق حلمه هذا، لن يتخلى فلاديمير بوتين عن نفوذه في هذه المنطقة التي تسمح له بممارسة الضغط على أوروبا بأن يترك سورية تحكم برأسين بالشراكة مع إيران، فقد وقعت روسيا بوتين اتفاقاً مع بشار الأسد للبقاء في قاعدة طرطوس وحميميم لمدة تسعين سنة. إضافة إلى ذلك هناك عسكريون روس على الحدود التركية، والاتفاق الذي تم على إدلب كان بين روسيا وتركيا، وبشار الأسد والإيرانيون خارج الاتفاق، فبعض كبار المحللين يعتبر أن روسيا تترك إيران تتغلغل في سورية ولبنان والعراق واليمن، لأن كلها تمثل مقبرة للإيرانيين. ويرى هؤلاء أن التشتت الإيراني في كل هذه الأماكن، إضافة إلى العقوبات الأميركية الصارمة عليها أنهك إيران اقتصادياً، فالبطالة فيها أكثر من ٢٠ في المئة والتضخم في أعلى المستويات ومستوى إنتاجها النفطي ينخفض بسرعة بسبب العقوبات، وبعد أن كانت تصدر حوالى مليونين ونصف مليون برميل نفط في اليوم ستصبح صادراتها أقل من مليون برميل في اليوم ابتداء من ٤ تشرين الثاني (نوفمبر)، وهناك غليان داخل إيران من الشعب الإيراني الذي يعيش في الفقر والحرمان فيما تصرف بلايين الدولارات من الحرس الثوري على حزب الله والميليشيات المؤيدة لإيران في العراق والحوثيين وكل وكلاء التخريب الإيراني في المنطقة. والمعلومات أن إيران خفضت ٥٠ في المئة من حجم دعمها المالي إلى حزب الله وحلفائه، ما أجبر الحزب اللبناني على تقليص دعم حزب الله مقاتليه، وأيضاً «أهالي شهدائه».
إيران لن تخرج من سورية بإرادتها ولا بإرادة روسيا، بل يسقط دورها في هذا البلد وربما في المنطقة بسبب تدهور اقتصادها وبسبب أن سورية لن تحكم برأسين، ومصيرها سيكون مثل مصير بشار الأسد على رأس دولة لا نفوذ له عليها، وحتى لو زودت روسيا الجيش السوري بصواريخ أس-٣٠٠ فهي عاجزة عن استخدامها، فاسقاط الطائرة الروسية مع ١٥ عسكرياً روسياً لقوا حتفهم داخلها هو دليل على قدرات القوات السورية التي تكرس جهودها على قتل وتعذيب أهل البلد لأنهم الأهداف الأسهل. أما إعلانات روسيا أنها سترد أي خرق للمجال الجوي السوري من أي جهة كان، فستبقى وعوداً بلا تنفيذ، فمنذ أشهر وإسرائيل تدخل الأجواء السورية وتضرب أهدافاً إيرانية والطيران الروسي لم يتصد لأي من هذه الضربات شبه اليومية. يطمح بوتين إلى الضغط على أوروبا والعمل مع الولايات المتحدة بمستوى متساو، ووجوده في سورية أعطاه ذلك، ففي أوروبا والأمم المتحدة وأميركا… يتمنون حلاً سياسياً للأزمة في سورية، لكن المفتاح الآن يبقى مع بوتين منذ أن أنشأ القاعدتين العسكريتين. وطالما بوتين موجود في الحكم في روسيا سيكون صاحب القرار في هذا البلد وليس بشار الأسد، فالأسد بالنسبة إلى الروس هو ما كانه الرئيس اللبناني إميل لحود للأسد. بوتين سيختار ما إذا كان سيبقى على رأس البلد أو سيغادر. والولايات المتحدة خسرت هذه المنطقة منذ أن دخلت إلى العراق ثم تركه باراك أوباما للتغلغل الإيراني.
واليوم ترامب صديق بوتين، الذي تدخل في الانتخابات الأميركية عبر القرصنة الإلكترونية لمصلحته سيترك الحل السياسي لروسيا كما أتاحت سياسة سلفه باراك أوباما في سوريا التدخل العسكري الروسي في سورية. الواقع مأسوي، كلتا الدولتين الأميركية العظمى وإمبراطورية القيصر العائد بوتين، مهتمتين بمصالحهما ولا تباليان بأوضاع شعوب المنطقة. بوتين قد يستبدل الأسد بديكتاتور آخر، وترامب لا يهمه إلا بقاؤه في الرئاسة وربما إعادة انتخابه بفضل أسلوبه الشعبوي والقرصنة الروسية الإلكترونية التي قد تساعده مجدداً في المستقبل إذا بقى في الرئاسة. وشعوب المنطقة تدفع ثمن حلول ليست لمصلحتها.