عادل عبدالمهدي وتحديات العراق

عادل عبدالمهدي وتحديات العراق

بعد لحظات على إعلان برهم صالح رئيسا لجمهورية العراق أعلن في 2 تشرين الأول/أكتوبر الحالي عن تكليف عادل عبد المهدي برئاسة الوزارة الجديدة، في تطور سريع بعد فترة ركود دامت نحو خمسة أشهر منذ إجراء الانتخابات النيابية في العراق. وإزاء ما تشهده الساحة العراقية من انقسام سياسي واضح لا تبدو مهمة عبد المهدي يسيرة ولا طريقه ممهدا، خاصة مع التوتر الذي تعيشه المنطقة بين الولايات المتحدة وإيران، مما يجعل سياسة إمساك العصا من النصف عسيرة كما يعتقد كثيرون.

يرى كثيرون أن عبد المهدي اختير بسبب خلفيته الاقتصادية؛ ما يعني أن الرهان على حكومته سيكون رهانًا على الإصلاح الاقتصادي، وإعادة الإعمار، وتحسين الخدمات. وهي تحديات جسيمة، لبلد لم يخرج بعدُ كليًا من الحرب على داعش، التي خلفت دمارًا واسعًا في أجزاء كبيرة من البلاد. كما أنّ تقلبات أسعار النفط وتسييس السوق النفطية يهددان البلادَ في مصدر دخلها الأساسي.

تواجه الحكومة العراقية الجديدة، التي أعلن تشكيلها في الثاني من الشهر الجاري، بعد انتظار طويل استمر أكثر من 5 أشهر، مجموعة من التحديات الكبيرة والشديدة؛ أبرزها الاحتجاجات الشعبية في محافظة البصرة ومدن أخرى، وقدرة الحكومة الجديدة على التعامل مع العقوبات الأمريكية على إيران، لاسيما بعد انطلاق الحزمة الثانية من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية الأميركية علىها في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر القادم، وموقف العراق من جدية الالتزام بها، يضع عبد المهدي أمام تحديات وصفها بالمعقدة أمام هذه الحكومة التي كان لإيران اليد الطولى في تمكين التوافق عليها بين الأحزاب العراقية الممثلة للمكونات العراقية في مجلس النواب العراقي. والتحدي الآخر هو إصدار تعليمات تفصيلية لقانون هيئة الحشد الشعبي، والموقف من الفصائل العابرة للحدود والفصائل غير منضوية تحت ألوية قوات الحشد الشعبي، بالإضافة إلى الموقف من الفصائل الكردية المسلحة في شمالي العراق ومن جنسيات غير عراقية. بالإضافة إلى كيفية إعمار المناطق المحررة من تنظيم داعش الإرهابي، وإمكانية إعادة الحكومة العراقية ثقة الشعب بها.

ومن أكثر التحديات الكبرى التي ستواجه الحكومة في المرحلة المقبلة الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة، وانتشار السلاح المنفلت بيد المليشيات، والعشائر التي تفرض سيطرتها على الشارع العراقي بقوة تفوق قدرة الدولة، وتقاطع الأحزاب، وعدم الثقة بين مكونات العملية السياسية. وطبيعة الانتماء العقائدي والفكري لأعضاء الحكومة. ومن أهم التحديات الجدية التي كانت سبباً رئيساً في تأخر النمو الاقتصادي للعراق، هو تجفيف منابع مافيات واللجان الاقتصادية للأحزاب، ومكافحة الفساد  حتى أصبح مؤسسة خطيرة وعقبة كؤودا أمام أي محاولة للإصلاح، والبيروقراطية وفرض الأمن من أجل بيئة آمنة مشجعة للاستثمار. ومن التحديات الخارجية التي ستواجهها حكومة عادل عبدالمهدي طبيعة التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن العراقي، ويأتي في مقدمتها التقاطعات الأمريكية الإيرانية في المشهد العراقي برمته. فالوضع الإقليمي والخلافات بين واشنطن وطهران ستشكل أولوية لدى عادل عبد المهدي، لأنها أزمة معقدة وحلولها غير آنية أو جاهزة وبحاجة لوضع دولي جديد.

يتوقع أن يستفيد عبد المهدي في مواجهة التحديات التي تنتظره من خبرةٍ سياسية طويلة، ومن علاقات حسنة تربطه بأغلب المكونات السياسية العراقية، ومن كونه رجل تسويات، لا رجل مواجهات؛ ما يضعه خارج الاستقطابات المحلية والإقليمية والدولية. وإضافة إلى تمتعه بعلاقات جيدة بأكثر القوى السياسية السُنية، تربط عبد المهدي علاقات تاريخية بالساسة الكرد؛ ما قد يسهم في تحسين العلاقة بين بغداد وإقليم كردستان، التي شابها توتر واضح خلال حقبتَي المالكي والعبادي، لا تتحمل بغداد وحدها – بكل تأكيد – مسؤوليته، ولا سيما بعد أزمة الاستفتاء في استقلال كردستان، وما تلاه من تداعيات؛ مثل إعادة انتشار الجيش العراقي في كركوك والمناطق المتنازع عليها (أيلول/ سبتمبر – تشرين الأول/ أكتوبر 2017).

أمّا على المستوى الإقليمي، فيُعدّ عبد المهدي شخصًا توافقيًا، كما هو الشأن على المستوى الداخلي. وليس مصادفة أن يُطرح اسمه ثانيةً لرئاسة الوزراء؛ إذ سبق أن طُرح إبان أزمة 2010، بعد فوز القائمة العراقية بقيادة علاوي بالمرتبة الأولى، لكن المالكي تولى رئاسة الوزراء على الرغم من ذلك، بدفع من إيران التي ضغطت لإنشاء ائتلاف أوسع مكن هذا الأخير من تشكيل الحكومة.وفي سياق التنافسات والصراعات الإقليمية الحادة في المنطقة، لا يُعرَف أنّ طرفًا إقليميًا محددًا يعارضه؛ فهو غير محسوب على الخط الإيراني (خلافًا للمالكي والعامري)، وفي الوقت نفسه لا ينتهج سياسات معارضة للتوجهات الإيرانية. كما أنه مقبول أميركيًا، وإن لم يكن مرشح الولايات المتحدة لمنصب رئيس الوزراء. وفضلًا عن ذلك، فإن لعبد المهدي صلات قوية بالمنظمات الدولية، أنشأها عندما تولى حقيبتَي المالية والنفط، وفي عام 2004 أدار ملف العراق في نادي باريس لإعادة جدولة ديونه؛ ما يعني أنه ربما يكون الخيار الأمثل لرئاسة الحكومة في هذه المرحلة التي يُتوقع أن تشهد تصاعدًا في الصراع الأميركي – الإيراني، خاصة في العراق.

إن هذه الحكومة تعتبر بمثابة الفرصة الأخيرة أمام السياسيين لإثبات حسن نيتهم أمام الشعب، مشيراً إلى أن حكومة العبادي رغم ما قدمته من إنهاء ملف وجود داعش وإيقاف تقدم مسعود برزاني، إلا أن فشلها في ملف الخدمات وتوفير فرص العمل الذي له التماس مباشر مع حياة المواطن، كان سبباً في عزوف المواطنين عن المشاركة في الانتخابات. ويرى المتابعون للشأن العراقي  أن التشكيلة المنسجمة للرئاسات الثلاث يمكن أن تكون ممرا لاتفاقيات تخدم العراق والمنطقة، لأن عادل عبد المهدي رشح كشخص مستقل، ولديه خبرة طويلة في السياسة والاقتصاد، وهو مهني وقادر على أن يتعامل مع أحلك الظروف.لذا فقد جاء ترشيحه  كممثل عن كل العراقيين، ولاقى قبولا لدى السنة والشيعة والأكراد، وهو انسجام كان مفقودا سابقا في العملية السياسية، وتحول جديد ومهم.

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية