اعتاد محمد عيسى على أن يبحر برفقة أصدقائه بصفة شبه أسبوعية نحو جزيرة فيلكا التي تبعد نحو 20 كيلومترا إلى الشمال الشرقي من مدينة الكويت.
الحنين يدفع الفيلكاوي (73عاما) إلى التجول بالجزيرة التي صارت أثرا بعد عين، ففي أزقتها عاش طفولته، وفي شوارعها تشارك ذكريات الصبا مع أقرانه، وفي مدارسها تعلم قبل أن يصبح معلما للتربية الفنية بعد تخرجه.
قال الفيلكاوي للجزيرة نت إن الجزيرة التي تقدر بمساحة 43 كيلومترا مربعا تميزت بالهدوء وخلوها من أي مشكلة أمنية، وكما هو حال المجتمعات الصغيرة فقد عاش سكانها مترابطين وعمل عدد غير قليل منهم بالصيد، وظل الحال هكذا حتى جاء الغزو العراقي للكويت عام 1990 وأجبرهم على مغادرتها. وأضاف أن الحكومة قامت بتثمين ممتلكات جميع سكان الجزيرة وتعويضهم.
28 عاما مرت منذ إخلاء الجزيرة من سكانها، بقي خلالها الدمار الذي طالها على حاله ولم تصلها يد التطوير، إلا بمنشأة تحمل اسم القرية التراثية يقصدها مرتادو الجزيرة، ومسجد كبير أنهت الدولة بناءه قبل خمس سنوات لكنه لا يزال في انتظار المصلين.
غير أن رؤية “كويت جديدة 2035” تشمل محورا لتطوير الجزر الكويتية، ومن بينها فيلكا التي ستشهد مشروعات باستثمار صيني كوري مشترك.
رؤية الكويت 2035
وذكر عبد الوهاب بورسلي عضو المجلس البلدي ورئيس لجنة المخطط الهيكلي للدولة أن العمل قائم حاليا على صياغة نحو 25 قانونا تنظم عمل المستثمر الأجنبي، وستكون القوانين التي تخص فيلكا توافقية بين الدولة والمستثمر باعتبارها منطقة محايدة ضمن رؤية “كويت جديدة 2035” البالغة تكلفتها 500 مليار دولار.
وأكد بورسلي -في تصريح للجزيرة نت- أن فيلكا ستتبع القطاع الخاص، وبالتالي لن تسري عليها القوانين المعمول بها في الكويت.
ويرى أن تأخر تطوير الجزيرة جاء بسبب تعطل إقرار القوانين الخاصة بها لفترات طويلة، موضحا أن الأمر سيكون بيد مجلس الأمة المنوط به إقرار هذه القوانين.
وأضاف “أتوقع الانتهاء من إقرارها في غضون أربعة أشهر لتنطلق بعدها عجلة التطوير في الجزيرة التي ستشهد إنشاء مطار وميناء إلى جانب منتجعات وفنادق ومتاحف ومستشفيات ومدارس”.
وفي حال سارت هذه المشروعات كما هو مخطط له، فإن فيلكا ستستعيد ألقها الذي طالما عرفت به على مدى التاريخ، فقد شهدت مرور الكثير من الحضارات وهو ما تدل عليه الآثار المكتشفة في الجزيرة.
حضارة دلمون
د. سلطان الدويش مدير إدارة الآثار والمتاحف بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب قال إن البعثة الدانماركية -التي جاءت عام 1958 للتنقيب عن الآثار- اكتشفت في جزيرة فيلكا حضارتين قديمتين (دلمون، الهلنستية) حيث تشير الآثار إلى أن الإسكندر المقدوني قدم الجزيرة وبنى فيها قلعة.
وأوضح أن الأساطير السومرية ذكرت أن الجزيرة تقع تحت مصب النهر “عند شط العرب” كما أشارت ملحمة غلغامش إلى أن فيلكا أرض الخلود، إلى جانب أنها كانت عاصمة مملكة دلمون التي لعبت دورا كبيرا في الألف الثاني قبل الميلاد.
ويبين الدويش أن فيلكا كانت الرابط بين مجموعة من الحضارات خاصة بلاد الرافدين والسند والجزيرة العربية ومصر.
وعثر في فيلكا على 1000 من الأختام مصنوعة من حجر الصوان، وكانت تستخدم تجاريا، وكذلك كتابات متعددة كتلك المنتشرة بالعالم القديم وخاصة الكتابات المسمارية والآرامية واليونانية إضافة إلى العربية القديمة وهي كتابة المسند، حسب الدويش.
وختم الدويش أن فيلكا شكلت أهمية تجارية من ناحيتين، أولاهما أنها كانت محطة مهمة على الطريق البحري بين حضارات بلاد ما بين النهرين والحضارات المنتشرة على ساحل الخليج العربي، والأخرى أنها كانت مركزا لصناعتي الفخار والخرز، كما اشتهرت بإنتاج وصناعة التمور وتصديرها.
المصدر : الجزيرة