القوة الروسية الناعمة تضع موسكو في مركز الفوضى السورية

القوة الروسية الناعمة تضع موسكو في مركز الفوضى السورية

بينما تحولت الحرب السورية من حركة تمرد وطنية إلى لعبة تنخرط فيها قوى دولية، كرست روسيا نفسها كواحد من مراكز النفوذ الحاسمة في الصراع.
*   *   *
تونس- من إنقاذ حكومة الرئيس السوري بشار الأسد من الهزيمة في العام 2015، إلى إملاء مصير آخر محافظة سورية باقية تحت سيطرة الثوار في العام 2018، أثبتت القوة العسكرية الروسية أنها حاسمة للغاية في تحديد مسار الحرب الأهلية في سورية.
مع ذلك، وبنفس أهمية الثقل العسكري الذي أدخلته موسكو إلى حلبة الصراع، ثمة الثقة التي زرعتها روسيا في المواطنين السوريين، والتي سمحت لها بأن تتدخل كوسيط نزيه على ما يبدو في ميادين المعارك، حيث بدا أن النوايا الحسنة قد تبخرت.
وبينما تحولت الحرب السورية من حركة تمرد وطنية إلى لعبة تنافس بين القوى الدولية، كرست روسيا نفسها كواحد من مراكز التأثير الأكثر نفوذا في الصراع.
جذبت قوة موسكو الناعمة تركيز المفاوضات بعيداً عن المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف، وفي اتجاه عمليات السلام التي يتعهدها الكرملين في كازاخستان والمدينة المنتجع الروسية الجنوبية، سوشي.
وفي داخل منطقة الشرق الأوسط، كرست روسيا نفسها كوسيط أساسي في الصراع؛ حيث تتمتع بالقدرة على الانخراط مع القيادة في إسرائيل بقدر ما هي قادرة على تقاسم الخبز مع رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران.
في دوما، عندما كان النظام متهماً بارتكاب أعمال تقترب من الإبادة الجماعية، تدخلت موسكو وتوسطت في التوصل إلى صفقة بين المدافعين عن دوما وبين دمشق.
وكان دور الروس في سورية “حاسماً إلى درجة أنهم أسهموا في الإبقاء على الأسد في السلطة وتكريس انطباع بمركزية روسيا في حل الصراع”، كما تقول آنا بورشيفسكايا، الزميلة الرفيعة في “معهد واشنطن”.
في مواجهة تناقض الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، باعتبارهما معارضَين بشكل أساسي لبقاء الأسد في السلطة بينما كان الرئيس السوري سيحتفظ بها، ظهرت فُرجة استغلتها روسيا على الفور.
وتقول بورشيفسكايا: “انخرطت موسكو دائماً مع أولئك الأعضاء من المعارضة الذين لم يطالبوا بتنحي الأسد كمتطلب مسبق للشروع في إجراء محادثات. وفي الحقيقة، كان إصرار موسكو هو السبب في أن لغة بيان جنيف في العام 2012 كانت غامضة في تحديد أي مجموعات من المعارضة هي التي يمكن إشراكها في الحكومة الانتقالية. وكان هذا الغمموض الذي ساعدت موسكو في خلقه في المقام الأول، هو الذي استخدمته بعد ذلك لإشراك المجموعات والأفراد الذين لم يكونوا يطالبون برحيل الأسد كشرط أساسي”.
على الأرض، أيضاً، أصبحت قوة روسيا الناعمة رمزاً محسوساً لوجود موسكو في سورية. وفي حين تدعو موسكو إلى دعم دولي لإعادة إدماج العدد الهائل من اللاجئين السوريين، وكذلك إلى المساعدة في إعمار المدن السورية التي دمرتها الحرب، يقوم برنامجها للمساعدات بتعزيز صورة دور روسيا الإيجابي في سورية.
يقول غريغوري لوكيانوف، خبير السياسة الخارجية الروسية والصراعات في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، لصحيفة “الفايننشال تايمز”: “يشكل تحويل مناطق خفض التصعيد إلى مناطق للدعم الإنساني فرصة”. وقال أن مجموعات المساعدة الإنسانية الروسية “تم إنشاؤها على عجل، وهي تكتسب المزيد من القوة”.
في إطار الجهد الإنساني، تم تسليم أطنان من المساعدات الروسية إلى سورية، بينما تنخرط المنظمات غير الحكومية والبرامج العسكرية الروسية وتتنافس مع وكالات الإغاثة الدولية على إيصال الإغاثة التي تحمل العلامة الروسية.
وتقول بورشيفسكايا: “من المهم ملاحظة أن السياسة العسكرية التي استخدمتها موسكو اعتمدت على نشر جنود من أبناء شمال القوقاز”. وجاء ذلك في جزء منه، لأنه يرجح أن تكون الخسائر في صفوف قوة قوقازية في أغلبها أقل إثارة للقلق بالنسبة لروسيا أوروبية ما تزال تعاني من آثار الذكريات التي صنعها تورط الاتحاد السوفياتي الكارثي في المستنقع الأفعاني خلال السبعينيات والثمانينيات.
مع ذلك، أكدت هذه السياسة على فكرة أن هؤلاء الجنود هم مسلمو روسيا الذين يهبون لمساعدة نظرائهم السوريين، في مقابل دوافع الخيرية الغربية والشفقة المسيحية.
وتضيف بورشيفسكايا: “على نطاق أوسع، إقليمياً، يمكن أن تجد موسكو الكثير من الجمهور المتلقي لخطابها. إنها تلعب على العواطف المناهضة للغرب في المنطقة… كما أنها تلعب أيضاً على العاطفة السائدة بين بعض أفراد الجيل الأكبر سناً بشكل عام، والذين يفكرون في الماضي بحميمية، حتى ولو بغير دقة، ويتذكرون أيام الاتحاد السوفياتي”.
بذلك، رسخت روسيا نفسها كعنصر لا غنى عنه في أي نقاش حول مستقبل سورية. وعن طريق تأمين تدخلهم في واحد من أكثر صراعات العالم مرارة، بحيث يعكس مواطن تعاطف المواطنين الأصليين، تمكن الروس من تطهير الأرضية فعلياً من الاستياء المحلي الذي كان يمكن أن يصنعه تواجدهم العسكري في سورية.

الغد