بغداد – انتهت فترة الودّ بين رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة العراقية عادل عبدالمهدي، ومعظم قادة الكتل السياسية في البرلمان، بعدما بدا واضحا أن الإعلانات المتلاحقة من الأحزاب بتنازلها عن حصصها في الكابينة الجديدة، موجهة للاستهلاك الإعلامي فحسب.
وعلمت “العرب” من مصادر سياسية مطلعة في بغداد، أن “الأيام القليلة الماضية سجلت ضغوطا كبيرة على رئيس الحكومة المكلف، مارستها كتل سياسية عديدة تطالب بحصتها في حكومته”.
ويعتمد عبدالمهدي على تأييد الزعيم الشيعي العنيد مقتدى الصدر، إذ يبدو أنه الطرف الوحيد الذي يمكن أن يلتزم بإعلانه التخلي عن حصته في الحكومة الجديدة، لمواجهة ضغوط سياسية متزايدة، تستهدف منح الأحزاب مساحة أوسع في الكابينة المنتظرة.
وبدا أن عادل عبدالمهدي اقترب من حسم مرشحي كابينته، استعدادا لعرضها على البرلمان في جلسة خطط لها أن تعقد، الأربعاء، لكن هذه الترتيبات مهددة بالإلغاء، في ظل تزايد الخلافات بين رئيس الوزراء المكلف والزعماء السياسيين.
ووصلت الخلافات بين عبدالمهدي وبعض زعماء الكتل السياسية حدّ التلاسن الكلامي، وأعلنت حركة عصائب أهل الحق، بزعامة قيس الخزعلي، أنها لن تتخلى عن “استحقاقها الانتخابي، الذي يخولها إشغال عدد من الحقائب”، فيما تسرب أن زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، متمسك بالمنصب الذي يشغله، وهو نائب رئيس الجمهورية، ويريد لائتلافه عددا من الوزارات.
أما الكتلة السنية، التي سبق لها الإعلان عن عزمها فسح المجال أمام رئيس الوزراء المكلف لاختيار وزرائه بحرية، فقد لوحت خلال لقاءاتها بعبدالمهدي بأنها لن تدعم حكومة لا تضم ممثلين عنها.
ويقول مصدر مقرب من عبدالمهدي لـ”العرب” إن “معظم الأطراف التي أعلنت تنازلها عن حقائبها في الحكومة، تضغط سرا لضمان حصتها، لكنها تريد من رئيس الوزراء المكلف أن يبادر هو إلى ترشيح مقربين منها، حتى لا تبدو أمام الشارع العراقي في صورة الحريصة على إمضاء المحاصصة الطائفية والإثنية في تشكيل الحكومة”.
وعبأ الزعماء الغاضبون من عبدالمهدي نوابهم في البرلمان العراقي بهدف التصدي لحكومته، ما ينذر بسقوط الكابينة عند عرضها على التصويت.
ووقع 110 نواب حتى الآن، على طلب رسمي لاعتماد التصويت السري في جلسة منح الثقة لحكومة عادل عبدالمهدي.
وفي حال إقرار التصويت السري، فإن حصول كابينة عبدالمهدي على الثقة النيابية اللازمة سيكون موضع شك.
ويعتمد زعماء الكتل السياسية على غضب نوابهم من رئيس الحكومة المكلف، الذي اتبع سياسة تستبعد جميع أعضاء البرلمان الحالي من المشاركة في الحكومة الجديدة.
عادل عبدالمهدي يقف أمام خيارين؛ إما أن ينال الثقة المبكرة عن طريق القبول بكل ما يُملى عليه، وإما أن يجمع أوراقه ويطلب إعفاءه من المهمة التي استدرج إليها قبل أن يواجه رفض البرلمان
وفي حال لم يستغل عبدالمهدي الوقت المتبقي لترطيب الأجواء، فإن النواب ربما ينفذون عملية ثأرية ضده تحت قبة البرلمان.
ويقول مراقبون إن “المرور السلس، الذي كان متوقعا لحكومة عبدالمهدي في البرلمان، لم يعد مؤكدا”، فيما يتنبأ آخرون بإمكانية فشلها في كسب الثقة.
وعمليا، لم يعد أمام عبدالمهدي سوى 10 أيام من المهلة الدستورية الخاصة بتشكيل الحكومة، وهي شهر واحد.
وفي حال لم تمر حكومة عبدالمهدي، فإن الكرة ستعود إلى ملعب رئيس الجمهورية، الذي لن يكون ملزما حينها بتكليف مرشح كتلة ما، إذ سيكون له الخيار التام في اختيار من يراه مناسبا، استنادا إلى نصوص دستورية ليست حاسمة.
واستبعد مراقب سياسي عراقي أن تنال حكومة عادل عبدالمهدي ثقة النواب الذين لا يكترثون بمواقعهم في السلطة التشريعية إلا من جهة ما تجلبه تلك المواقع من منافع لهم ولأحزابهم، ولذلك سيكون من الصعب إقناعهم بالقبول بحكومة تقع خارج نظام المحاصصة المعمول به.
وأشار المراقب في تصريح لـ”العرب” إلى أن عادل عبدالمهدي يقف أمام خيارين؛ إما أن ينال الثقة المبكرة عن طريق القبول بكل ما يُملى عليه، وإما أن يجمع أوراقه ويطلب إعفاءه من المهمة التي استدرج إليها قبل أن يواجه رفض البرلمان إن هو أصر على أن يتمتع بقدر من الاستقلالية.
وتوقع أن يكون الخيار الثاني هو المرجح، وهو ما كان عبدالمهدي قد لوح به في بيان قبل أن يتم ترشيحه لمنصبه، مضيفا أن ذلك الخيار قد يشكل عنصر ضغط على الطبقة السياسية التي لا ترغب في العودة إلى مربع التجاذب في شأن اختيار شخص بديل لعبدالمهدي.
وقلل من فرضية أن تتخلى الأطراف الموالية كليا لإيران عن المطالبة بالمناصب الأمنية والمناصب ذات الصلة بثروة البلاد، وهو ما يستدعي تدخلا إيرانيا قد لا يحصل عليه عبدالمهدي في محاولته إقامة حكومة أقل ضعفا من حكومة سلفه حيدر العبادي.
العرب