مقاهي النساء في بغداد.. استراحة بعيدا عن سطوة الرجال

مقاهي النساء في بغداد.. استراحة بعيدا عن سطوة الرجال

في مجتمع ما زال يئن من وطأة الحرب، تعيش كثير من نسائه بين مطرقة الخوف والتهديد من جانب، وسندان العادات والتقاليد من جانب آخر، إلا أن بعضهن قررن الاتجاه نحو أساليب حياة جديدة، في محاولة لإنعاش الذات وانعتاقا من سطوة التقاليد.

وبعد التغييرات الكبيرة التي طرأت على المجتمع العراقي خلال السنوات الأخيرة، بدأت العديد من مناطق بغداد تشهد افتتاح مقاه ومطاعم خاصة بالنساء ضمن تجربة جديدة على مجتمع شرقي يصنف ضمن المجتمعات المحافظة.

فتيات وصفن الظاهرة بالإيجابية، متمنيات أن تتوسع وتنتشر لتشمل جميع مناطق بغداد، لأن كثيرا من النساء والفتيات أصبحن يعتبرنها متنفسهن الوحيد، الذي يمكّنهن من قضاء أوقات هادئة برفقة الصديقات والقرينات.
وتقول رنا يوسف، وهي إحدى مرتادات مقهى “فيولا” النسائي، إن المرأة العراقية التي تعاني كثيرا من الصعوبات والمشاق تحتاج إلى جرعات من الحرية ولو “بالحد الأدنى”، للشعور بالتجرد من قيود المجتمع ومطاردة النظرات الذكورية التي تلاحقها في كل مكان.

وتضيف للجزيرة نت أن لقاء الصديقات والحصول على وقت لاجتماع الناشطات والعاملات، وإقامة حفلات وأعياد الميلاد ومناسبات نسائية خاصة، من شأنه أن يعيد ثقة المرأة في نفسها وبالمجتمع أيضا.

أما زميلتها نهى محمد فتعتبر الخطوة على بساطتها إنجازا بالنسبة لها، أتاحت لها أن تقضي كل أسبوع بضع ساعات بعيدا عن ضوضاء البيت وصخب الأطفال، في مكان تشعر فيه بأنها ليست “مجرد ماكنة عمل”.

مخاوف وتحفظات
وعلى الرغم من أن الخوف كان سيّد الموقف في البداية من خوض غمار هذه التجربة، فإن الإقبال اللافت للنظر على هذه المقاهي ولّد حالة من الشعور بالرضا لدى الكثيرات، على اعتبار أن المرأة العراقية بات بإمكانها ممارسة جزء من حقوقها وخصوصياتها اليومية في مكان آمن بعيدا عن أنظار المجتمع.

ومع ما قد يحف هذه الأماكن من مخاطر، إلا أن الشعور بالراحة والطمأنينة نظرا لتوافد الكثيرات جعل الأمر يبدو أشبه بالتجربة الممتعة للعديد من الزبونات.

وتشهد هذه المقاهي رواجا وإقبالا كبيرا من قبل فتيات وسيدات تتوافد بعضهن لتدخين الأركيلة (نرجيلة) وقضاء أوقات للتسامر والأحاديث الطويلة، حتى إن بعضهن أصبحن يصفنه بـ”المنزل الكبير” الذي يؤويهن.

لكن الأمر لم يخل من تخوف ومعارضة من جانب آخر، حيث يرى باحثون اجتماعيون صعوبة تقبل الشارع العراقي لمثل هذه التجارب، خصوصا في ظل وضع أمني غير مستقر، وما قد يشكله من “خطر على النسيج الاجتماعي المحلي”، بحسب تعبيرهم.

ويرى الباحث الاجتماعي أحمد مهودر أن هذه الظاهرة “غريبة ودخيلة” على المجتمع العراقي ذي الطبيعة المحافظة، وما يعرف به من تقاليد تحددها نظم وسياقات اجتماعية، لذا فهي تواجه معارضة ورفضا واسعا وعدم تقبل أطياف كثيرة في المجتمع.

ويضيف أن العراق يبقى مجتمعا عشائريا “غير منضبط”، مما قد يعرض حياة العاملات في هذه الأماكن للخطر والتعنيف والاستهداف من المجاميع المسلحة المنتشرة في البلاد.

بدائل مقترحة
وغالبا ما يختار أصحاب هذه المقاهي افتتاحها في أحياء راقية تسكنها الطبقة الوسطى أو الثرية، في حين تكاد تخلو المناطق الشعبية من مشاريع مشابهة، ربما لأنها أقل تقبّلا لها.
وتفضل الباحثة في علم الاجتماع شذى قاسم أن يكون البديل لمثل هذه المقاهي هو افتتاح منتديات ثقافية أو أدبية، يمكن أن يكون جزء منها خاصا بالنساء كمقهى أو زاوية على الأقل، حتى يستطيع المجتمع تقبل مثل هذه الأفكار “شيئا فشيئا”.

ووفقا للباحثة فإن الأمر قد يتطلب سنوات عدة حتى تصبح هذه المقاهي أمرا طبيعيا وغير مستغرب، ولا تثير حفيظة بعض الفئات من أصحاب التوجهات التقليدية في المجتمع.

لكن بعض العاملات في هذه المقاهي يقلن إن الأمر لا يواجه بمثل هذه الحدة من الشارع كما يصور في وسائل الإعلام، وتؤكد عذراء عبد الأمير صاحبة مقهى “لافيم” النسائي في بغداد للجزيرة نت أن هناك إحساسا بالارتياح والطمأنينة لدى الزبونات، ولم نواجه أي اعتراضات مجتمعية حتى الآن.

وأضافت أنهن لم يتلقن أي تهديدات من جهات عشائرية أو مسلحين حتى الآن، بل على العكس من ذلك فإن الإقبال على هذه المقاهي في ازدياد مستمر، خاصة بعدما أصبح بإمكان الزائرة أن تمارس داخل هذا المكان نشاطات مختلفة كالقراءة وتطوير هواياتها، إضافة إلى حضور الأمسيات الثقافية.

لذا يكون هناك حرص على اختيار العاملات بدقة ووفق معايير خاصة، فمعظمهن يملكن شهادات جامعية وقادمات من بيئة محافظة، ومحددات بأزياء خاصة “محتشمة وأنيقة”، حسب ما تؤكد صاحبة المقهى.

وقد أثار خبر وفاة خبيرة التجميل العراقية رشا الحسن، وهي صاحبة أحد المقاهي النسائية حفيظة مرتادات هذه الأماكن، وشكّل صدمة كبيرة في أوساطهن، وخلق مخاوف من احتمال استهداف هذه التجمعات مستقبلا في محاولة لإغلاقها.

المصدر : الجزيرة