عدن – وضعت تصريحات مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية، الداعية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في اليمن، الحوثيين أمام الأمر الواقع وسحبت منهم المبادرة، بعدما شكلوا عائقا طوال الوقت أمام التوصل إلى توافق يعيد الأطراف المتصارعة مرة أخرى إلى طاولة التفاوض.
ودعا وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس إلى وقف لإطلاق النار في اليمن ومشاركة جميع أطراف النزاع في مفاوضات تعقد في غضون الثلاثين يوما المقبلة. كما طالب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو التحالف العربي في اليمن بوقف كل الغارات الجوية في المناطق المأهولة.
وقال مصدر في الحكومة اليمنية لـ”العرب” إن رؤية وزير الدفاع الأميركي المتعلقة بإنهاء الحرب في اليمن لم تتم مناقشها مع الحكومة الشرعية بشكل رسمي أو غير رسمي وإنها حتى الآن لا تتجاوز التصريحات الإعلامية.
وأشار المصدر إلى أن حديث ماتيس، والتصريحات الموازية التي أطلقها بومبيو، “ربما تكون نتاج نقاشات أميركية داخلية أو حصيلة حوارات أميركية أوروبية حول الملف اليمني، لكنها لا ترقى حتى الآن لأن تتحول إلى خطة للحل في مشهد سياسي متشعب ومعقد مثل المشهد اليمني المحكوم حتى الآن بقرارات دولية صادرة بالإجماع عن مجلس الأمن الدولي”.
وقالت مصادر دبلوماسية غربية إن غريفيث طرح معطيات على المسؤولين الأميركيين، خلال زيارته إلى واشنطن الأسبوع الماضي، جعلتهم يتحركون بسرعة لخلق مساحة تحرك دبلوماسي أمام خطته للسلام، التي طرحها مؤخرا، وتقوم على البدء بإجراءات بناء الثقة، عبر إعادة فتح مطار صنعاء. وعلى ما يبدو فإن خطة غريفيث الجديدة تحظى بدعم التحالف العربي.
وقالت مصادر في لندن إن تصريحات ماتيس وبومبيو أخذت المسؤولين البريطانيين على حين غرة، إذ لم يتم التشاور معهم بخصوصها قبل إطلاقها. ويعني ذلك أن الولايات المتحدة قررت استلام ملف اليمن، الذي كان يحظى بمتابعة وإشراف من لندن.
وعلى الفور أيدت رئيسة الوزراء البريطانية الدعوات الأميركية لوقف القتال وبدء المفاوضات. وقالت للبرلمان الأربعاء “بالتأكيد… ندعم الدعوة الأميركية لوقف التصعيد في اليمن… لن يكون لوقف إطلاق النار في أنحاء البلاد تأثير على الأرض إن لم يرتكز على اتفاق سياسي بين الأطراف المتحاربة”.
كما قال وزير الخارجية البريطاني جيرمي هانت لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) “هذا إعلان محل ترحيب شديد لأننا نعمل منذ وقت طويل من أجل وقف الأعمال القتالية في اليمن”.
وشددت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، في تصريحات إعلامية على أن “الوقت قد حان” لوقف الحرب في اليمن، مشيرة إلى أن “هذه هي الأولوية بالنسبة إلى فرنسا، أن يتحسن الوضع الإنساني وأن يفسح المجال لإيصال المساعدات الإنسانية”.
وتناغم بيان إعلامي جديد صادر عن غريفيث مع التصريحات الأميركية والغربية المتزامنة والداعية لاستئناف المشاورات وإنهاء الحرب في اليمن.
ووفقا للبيان الصادر عن مكتبه، الأربعاء، رحب غريفيث “بالدعوات الأخيرة للاستئناف الفوري للعملية السياسية، والتدابير للتوصل إلى وقف للأعمال العدائية في اليمن”.
وشدد المبعوث الأممي على “أنه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري للصراع″، مشيرا إلى أنه “سيواصل العمل مع جميع الأطراف للاتفاق على خطوات ملموسة لتجنيب كل اليمنيين النتائج الكارثية لاستمرار الصراع، وللتعامل على وجه السرعة مع الأزمة السياسية والأمنية والإنسانية في اليمن”.
وحث المبعوث الأممي “جميع الأطراف المعنية على اغتنام هذه الفرصة للانخراط بشكل بناء مع جهودنا الحالية لاستئناف المشاورات السياسية على وجه السرعة، من أجل التوصل إلى اتفاق على إطار للمفاوضات السياسية وعلى تدابير لبناء الثقة، والتي تتضمن على وجه الخصوص: تعزيز قدرات البنك المركزي اليمني وتبادل الأسرى وإعادة فتح مطار صنعاء. وما زلنا ملتزمين بجمع الأطراف اليمنية حول طاولة المفاوضات في غضون شهر، كون الحوار هو الطريق الوحيد للوصول إلى اتفاق شامل.”
لكن يبدو أن الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي متشككة في هذه الدعوات المفاجئة. وقال المصدر في الحكومة الشرعية لـ”العرب” إن “الشرعية سبق ورفضت خطة وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري، والتي يبدو أن الإدارة الأميركية تحاول إعادة إنتاجها من جديد لتحقيق أهداف داخلية أميركية مع اقتراب الانتخابات النصفية”.
وأشار الباحث السياسي اليمني أمين الوائلي إلى أنه “يمكن فهم تصريحات جيمس ماتيس من زاويتين، الأولى على علاقة مباشرة بالداخل الأميركي والتحضيرات الانتخابية وهي من هذه الزاوية أيضا تتعاطى مع الحملة الدعائية والإعلامية في الولايات المتحدة ضد المملكة العربية السعودية متذرعة بقضية مقتل جمال خاشقجي، والثانية باتجاه الخارج والأوساط الأوروبية بصفة خاصة، السياسية والإعلامية، فيما يبدو وكأنها استجابة أميركية لممارسة ضغوط على الرياض، سواء على صلة مباشرة بالحملة الأخيرة ضد السعودية في موضوع خاشقجي، أو موصولة بموضوع الحرب في اليمن”.
وأكد الوائلي لـ”العرب” أن “تصريحات ماتيس تبدو عالية النبرة نوعا ما، إلا أنها وبنظرة إلى الداخل والعمق تبدو مفرغة إلى حد كبير من محتوى حقيقي وكتلة موقفية صلبة بحيث تتضمن تخليا من نوع ما أو إخلالا بالحاجة الأميركية إلى الرياض. ذلك أن ماتيس رغم كل شيء قاله إلا أنه بقي في مستوى اللهجة والموقف عند الخطوط العريضة للسياسة الخارجية تجاه المملكة ودون الخطوط الحمراء للسعودية، لم يلامسها أو يقاربها”.
وسارع الحوثيون إلى الإعلان عن رفض مقترحات ماتيس التي يرون أنها تحد من طموحاتهم في اليمن ولا تلبي حاجات النظام الإيراني الذي يتعرض لضغوطات غير مسبوقة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي فرضت عقوبات بالغة القسوة على طهران الداعم الأول للميليشيات الحوثية في اليمن.
وعلق عضو المفاوضات في الجماعة الحوثية عبدالملك العجري في تغريدة على تويتر، بالقول “حديث ماتيس عن مناطق حكم ذاتي يكشف عن نواياهم التفتيتية وهي مرفوضة من كل القوى الوطنية”.
وأضاف الوائلي “في الواقع قد يبدو الأميركيون الآن على عجلة من أمرهم لأخذ خطوات بشأن الحرب في اليمن، لكن الأمر أساسا والحرب برمتها قضية تعني السعودية وخياراتها السيادية. والأمر هنا رهن بالسعوديين لا بالأميركيين وبأولويات وخيارات الرياض وليس واشنطن وبأمن المملكة وحدها دون غيرها أو أكثر من غيرها”.
وفي ما يتعلق بالضمانات التي يمكن أن توفرها واشنطن في ما يتعلق بنزع سلاح الحوثيين الباليستي قال الوائلي “نعرف أن الحوثيين كانوا عرضوا مرة وفي لقاء أو ما سمي اتفاق ظهران الجنوب، مسألة أمن وسلامة الحدود. لكن القضية أكبر وأبعد من الحدود بكثير. كما أن تصريحات ماتيس ترسم معالم تائهة لتسوية مفخخة، لا تضمن سلاما للسعودية كما لا تضمن سلاما نهائيا وحقيقيا ومأمون العواقب لليمن، وفرضية تسليم إقليم بكامله للحوثيين، تعني تسليم حدود المملكة الجنوبية لإيران. ونعرف أن الأمير محمد بن سلمان شدد أكثر من مرة على أن بلاده لن تسمح بقيام حزب الله ثان على حدودها الجنوبية. إذا ليست معركة حدود وإنما معركة وجود”.
وتجاهل الحوثيون كل المواقف الدولية من المرجعيات الثلاث التي حددتها الحكومة اليمنية كإطار لأي تسوية سياسية في اليمن وفي مقدمتها القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي 2216.
وتسعى الجهود الدولية لتوفير ضمانات كافية لطمأنة دول المنطقة وخصوصا التحالف العربي حيال أي تسوية يتم توقيعها بين الأطراف اليمنية، وهو ما بدا في حديث وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس عن نزع السلاح الحوثي.
وفي تطور جديد أعلنت وزيرة الخارجية السويدية عن استعداد بلادها لاستضافة محادثات الأطراف اليمنية المزمع عقدها أواخر نوفمبر.
العرب