تقاتل المملكة العربية السعودية في اليمن، وتدعم الثوار في سوريا لتساهم في إيقاف التأثير الإيراني. غياب تحالف إقليمي قوي ضد إيران في الشرق الأوسط، أمر ملاحظ لكنه غير مقدر ولم تصرف السعودية حياله أي جهود كبيرة. غياب تحالف مضاد كهذا يمكن تفسيره بما أسماه العالم السياسي راندال شويلر بـ “تحت الاتزان”، عدم القدرة أو الرغبة من الدول لتشكيل تحالفات يمكن أن تحقق نظرية توازن القوى.
إيران بلا شك، هي الفائز الجيوسياسي في اضطرابات المنطقة. هي أكثر اللاعبين تأثيرًا في السياسة العراقية، مغذية علاقاتها القريبة مع حكومة العبادي، داعمة، إن لم تكن متحكمة، بعدد من المليشيات الشيعية، ومحافظة على علاقة متعاونة مع حكومة إقليم كردستان (يمكن تمثيل ذلك بدعمها بالأسلحة لكردستان خلال هجوم تنظيم الدولة الصيف الماضي).
الدعم الإيراني كان أساسيًا ببقاء نظام الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق، ووكيلتها حزب الله تظل القوة المهيمنة في السياسة اللبنانية. بينما لم تكن علاقة طهران بالحوثيين بقوتها أو مباشرتها مع حزب الله أو المليشيات العراقية، إلا أن نجاح الحوثيين في اليمن يساهم بالحس الإقليمي بأن إيران هي المتقدمة. الجهود من القوى الإقليمية الأخرى لتحدي المكاسب الإيرانية فشلت حتى الآن، سواء كانت الدعم التركي والسعودي للمعارضة السورية، التمويل السعودي لتحالف ١٤ آذار في لبنان والدعم العسكري للحكومة للبنانية، أو الحملة الجوية السعودية الحالية ضد الحوثيين.
بحسب منطق توازن القوى، وبديلها “توازن الرعب”، يجب أن تكون المنطقة شهدت انحياز تركي- سعودي- إسرائيلي موجهًا ضد إيران. تجميع الموارد هو أمر منطقي إذ لا توجد دولة مستقلة بذاتها يمكنها مواجهة قوة إيران. يبدو أن إسرائيل والسعودية تحددان إيران على أنهما تهديدهما الأكبر، ومع أن تركيا لا تبدو موجهة تركيزها ضد إيران، إلا أنها لا زالت قلقة حول تنامي دور إيران الإقليمي. التفاهم السعودي – التركي منطقي تمامًا عبر المنطق الطائفي الذي يعتقد الكثيرون أنه يقود السياسة الإقليمية، إذ أن الدولتين سنيتان، إلا أنه لحد الآن لم يظهر أي تحالف موازن ثنائي أو ثلاثي لقوة إيران في المنطقة.
العائق الأكبر لتحالف إقليمي كهذا ليس في الولايات المتحدة. واشنطن ترغب برؤية التأثير الإيراني الإقليمي تحت الاحتواء، حتى وإن كانت تتفاوض مع طهران في الملف النووي، ولا تقف بطريق تحالف إقليمي ضد إيران. حتى لو كان الأمر كذلك، فلا يبدو أن تركيا أو إسرائيل أو السعودية تأخذ أوامرها من إدارة أوباما هذه الأيام.
إلا أن السبب الآخر لعدم التوازن ضد إيران يتواجد في عالم الأفكار. إيران لا تمثل ببساطة تحدي سلطة لجيرانها العرب، بل تتحدى شرعيته عبر أنظمتها المحلية من خلال رفضها للملكية، ودعمها القوي للشيعة، كما أنها ترفض النظام الإقليمي الذي تقوده أمريكا منذ نهاية الحرب الباردة، وبذلك تتحدى بشكل مباشر السياسة الخارجية للعديد من جيرانها.
الأعضاء المحتملون لتحالف مضاد لإيران لا يملكون أفكارًا مشتركة لكيفية إدارة السياسة في المنطقة، ويحذرون من التعاون مع بعضهم البعض. السعودية وتركيا تمثلان نماذج مختلفة للنظام السياسي المحلي. السعوديون يدعمون الملكيات. تركيا وحزب العدالة والتنمية دعموا نموذجًا من الإصلاح الإسلامي الشعبي الديمقراطي في العالم العربي، خصوصًا بدعم حركات الإخوان المسلمين. وأثناء ذلك، حكومة إسرائيل التي يترأسها بنيامين نتنياهو تتبع مشروعًا كولوناليًا في الضفة الغربية يجعلها مكروهة للرأي العام عبر العالم الإسلامي.
ليس الشرق الأوسط منطقة متعددة الأقطاب من حيث السلطة وحسب، يعد أيديولوجيًا. العالم السياسي مارك هاس يوفر نموذجًا لفهم لماذا تكون المناطق ذات الأيديولوجيات السياسية المختلفة أكثر عرضة لعدم الاتزان. يقول هاس إنه بالأنظمة التي يمكن وصفها بأنها ثنائية القطبية، مثل الحرب الباردة، تكون التحالفات تبعًا للخطوط الأيديولوجية (الناتو مقابل حلف وارسو)، وتكون مستقرة جدًا. إلا أنه بحالة تعدد المبادئ السياسية فإن قادة الدول سيتجنبون التحالفات التي تبدو منطقية من منظور السلطة لأنهم لا يحبون ويخافون المنظور الأيديولوجي للحليف المحتمل. نموذجه لذلك هو أوروبا الثلاثينيات، حيث لم ترغب الديمقراطيات الغربية والاتحاد السوفييتي بالتحالف ضد القوة الصاعدة لألمانيا النازية.
نموذج هاس لتعدد الأقطاب الأيديولوجي يناسب الشرق الأوسط حاليًا بشكل تام. ليس الإيرانيون، أو السعوديون، أو الأتراك فقط يمثلون نماذج سياسية غير مناسبة لجيرانهم، لكن تنظيم الدولة يأتي كنموذج آخر للمنطقة، إذ يقترح نموذجًا سلفيًا جهاديًا عابرًا للدول يشترك مع النسخة السعودية المحافظة للإسلام، ورفض إيران الثوري للنظام الإقليمي الحالي، والأكثرية التركية الإسلامية التي يتبناها حزب العدالة والتنمية، إلا أنه يمثل تهديدًا للدول الثلاثة معًا. هذه التعددية الأيديولوجية تضع تحديات حقيقية بوجه الاعتبارات الصافية للقوة التي تجعل التحالفات “منطقية”.
السعوديون غير متأكدين إن كان تهديدهم الأكبر إيران أو تنظيم الدولة. التحالف الموازن التركي السعودي الذي يبدو طبيعيًا وقف بالمخاوف السعودية من أن النموذج التركي للإسلامية الديمقراطية الشعبية سيدعم الإخوان المسلمين في العالم العربي. بينما يريد السعوديون بوضوح الوقوف بوجه التأثير الإيراني، إلا أنهم أعلنوا الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية. تركيا تشاركت مع قطر، اللاعب الإقليمي الآخر الذي راهن على الإخوان المسلمين، لتشجيع المعارضة الإسلامية لنظام الأسد. لكن يبدو الآن أنه تمزق بين هدف إزالة الأسد وخوف تحول تنظيم الدولة للتهديد الأكبر للأمن التركي.
أنقرة، التي كانت حافظت تاريخيًا على علاقات قريبة مع إسرائيل، اختارت الآن أن تنأى بنفسها بطريقة واضحة من تل أبيب لأسباب أيديولوجية وسياسية محلية. رغبة بعض أصدقاء إسرائيل بالولايات المتحدة لتعزيز تواصل سعودي إسرائيل ضد كل من إيران وتحالف الدولة لم تكن واقعية. الرياض لا يمكنها أن تقوم بعلاقة مفتوحة مع حكومة نتنياهو خشية من التبعات السياسية المحلية لتحالف كهذا.
تبعات التهديد الأيديولوجي التي توضح معوقات تشكيل التحالف ضمن تعدد الأقطاب الأيديولوجي ليست ثابتة. أخذت وقتًا، لكن في النهاية تحالفت الديمقراطيات الغربية مع الاتحاد السوفيتي ضد ألمانيا النازية. هناك مؤشرات محتملة بأن تغيرًا محتملًا كهذا قد يحصل في الشرق الأوسط. الملك السعودي الجديد سلمان يبدو أقل تركيزًا على التهديد الذي يشكله الإخوان المسلمون للنظام السعودي، من سابقه.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يبدو أنه يشعر بالعزلة الإقليمية أكثر من السابق. زيارته في شباط/ فبراير الماضي للرياض رافقها تخمين من كلا الجانبين بأن تقاربًا سيتم. السيطرة على إدلب من قبل تحالف من الإسلاميين في المعارضة السورية نهاية آذار/ مارس الماضي تشير لرغبة من حلفاء السعودية وتركيا في سوريا للتعاون. حزب الإصلاح اليمني، الذي يعتبر الإخوان المسلمين اليمنيين، أعلن مؤخرًا دعمه للحملة السعودية الجوية ضد الحوثيين.
هذه الأحداث المنفصلة ترفع احتمالية أن الملك الجديد يعيد تقييم مخاوف سابقه للتهديدات التي تواجهها الرياض، مقللًا من تهديد الإخوان المسلمين لأمن النظام المحلي السعودي، وفاتحًا احتمالية تشكيل تحالف تركي – سعودي ضد إيران.
النهاية الناجحة لمحادثات القوى 5 + 1 مع إيران قد تعزز حوافز التوازن الإقليمي ضد الإيرانيين. إذا قرر السعوديون والأتراك أن إيران تشكل تهديدًا لهم أكثر من أي لاعب إقليمي آخر، فبغض النظر عن مفاوضات القوى العالمية الناجحة مع إيران، فإن “عدم التوازن” لصالح طهران قد ينتهي. إلا أن أحد التبعات الناجحة لتشكيل تحالف قد يكون مساحة أكبر لتنظيم الدولة وجبهة النصرة في سوريا والعراق وغيرها.
كما أن وفرة المواقع الأيديولوجية المتنافسة في الشرق الأوسط اليوم ستمنع تشكيل تحالفات حازمة ضد أي قوة إقليمية – إيران أو تنظيم الدولة. “عدم التوازن” سيظل السمة الأكبر للمنطقة لبعض الوقت.
التقرير