لماذا صوّتت 87 دولة ضد «حماس»؟

لماذا صوّتت 87 دولة ضد «حماس»؟

كان طبيعيّا أن يبتهج الفلسطينيون ومن يناصرون قضيتهم لفشل مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية نيكي هيلي في تمرير مشروع قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة يدين «حماس» بتهمة الإرهاب.
خالط هذه البهجة بالتأكيد انزعاج من تصويت 87 دولة لصالح القرار (مقابل 58 دولة صوّتت ضدّه و32 دولة أخرى امتنعت عن التصويت)، ومن الاحتمال الكبير لنجاح المشروع الأمريكي لولا أن الكويت أنقذت الموقف بطرحها قرارا إجرائيا باعتماد أغلبية الثلثين بدل الأغلبية البسيطة.
تؤخذ الأمور بنتائجها طبعاً لكنّ التصويت كان إنذاراً للعرب والمسلمين وليس لـ«حماس» فحسب.
كان مؤلما مثلاً أن أريتريا، وهي عضو في الجامعة العربية بصفة مراقب صوتت لصالح مشروع القرار، وأن ألبانيا، وهي عضو في منظمة التعاون الإسلامي، صوّتت لصالحه أيضاً إضافة إلى تمنع 7 دول في المنظمة المذكورة عن التصويت.
وكان مزعجاً أن توافق الدول الأوروبية بمجملها على التصويت للمشروع بما فيها دول تحكمها حكومات يسارية أو ليبرالية متعاطفة في موقفها السياسي مع الفلسطينيين، كأيرلندا والسويد واسبانيا والبرتغال، وقد تبعتها بالضرورة دول أفريقية أو آسيوية تدور في فلكها، وينسحب الأمر على دول أمريكا اللاتينية التي صوّتت لصالح المشروع.
تتّضح المفارقة الكبيرة حين نقارن نتيجة التصويت الأخير هذا بأحداث مثل تصويت الجمعية العامة عام 1975 بأغلبية كبيرة على قرار اعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية، كما يوضّح التصويت الانقلاب العالميّ الذي حصل في هذا الشأن بين السنوات الطويلة التي كانت فيها القضية الفلسطينية تحصد أغلبية كاسحة في هذا المنبر العالمي.
يمكن تتبّع هذا المسار منذ اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 بين مصر وإسرائيل، مروراً بمؤتمر مدريد عام 1991 (وهو تزامن مع إلغاء قرار إدانة الصهيونية في العام نفسه) والذي قاد لاتفاقية أوسلو عام 1993 ولإبرام معاهدة سلام بين الأردن وإسرائيل عام 1994، ولبدء محادثات بين إسرائيل وسوريا ولبنان، والنتيجة المستخلصة طبعاً أن مفاوضات السلام سمحت بشرعنة دولية للصهيونية ولإسرائيل وبتآكل لمفهوم الحق الفلسطيني وصولاً إلى ما نشهده حاليّاً من هجمة أمريكية ـ إسرائيلية كاسرة بتغطية عربيّة مبطّنة أحيانا وصريحة أحيانا أخرى من أهدافها إنهاء مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة وإلحاق القدس والمناطق المحتلّة بإسرائيل وإقفال قضية اللاجئين الفلسطينيين.
وإذا كان فصل المسار الفلسطيني ـ العربيّ المذكور ليس ممكنا عن التحوّلات العالمية الكبرى التي تزامنت معه وخصوصا سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991، فلا يمكن فصله أيضاً عن صعود اتجاهات اليمين المتطرّف المعادية للإسلام والمسلمين في أوروبا الغربية والشرقية وأمريكا الشمالية واللاتينية، وتحوّل روسيا والصين إلى قوتين داعمتين للاستبداد في العالم، ولا تقلان كراهية وسوء فهم لقضايا المسلمين عن اليمين المتطرّف الغربي، وتعتمدان مفاهيم الأنظمة الدكتاتورية للحركات الشعبيّة والحركات المقاومة للاحتلال، أما تصويتهما ضد مشاريع القرارات الأمريكية فلا يصبّ بالضرورة في بند مقاومة الاحتلال، بل في باب مقارعة الأمريكيين سياسيا ودبلوماسيا.
يدلّ تصويت الأمم المتحدة الأخير، رغم فشله، على سيرورة بائسة لأحوال العالم مظهرها الأساسيّ استشراء جبروت القوّة والتسلّط والغلبة، ومع ذلك نشهد أشكالاً من المقاومة العنيفة التي يقابل المظلومون بها الظالمين وإشارات كثيرة على أن ما يحصل ليس قدر البشريّة الأخير.