إنه العاشر من حزيران.. يعود, ولكن هذه المرة بايقاع ودوّي مختلف عن ذلك الذي حدث في مثل هذا اليوم من العام الماضي, عندما اجتاح داعش محافظة نينوى وخصوصاً سهلها المتمثل في المدينة التاريخية الأم الموصل (وما ادراك ما الموصل) وكان احتلالها بداية فصل لم تُكتب نهايته بعد, أفاق بعده العراقيون على حجم الكارثة التي أحاقت بهم والعار الذي لحق بجيشهم وقواتهم المسلحة, ذات الترسانة الحربية المهولة وعديد المجندين والضباط الذين تدرّبوا على يد «المستشارين» والخبراء الاميركيين, ظن كثيرون ان «اسطورة» الجيش العراقي, مرشحة لتعود إليه بقوة, بعد ان مزّقه المندوب السامي الاميركي بريمر وحلّه, على نحو مقصود وخطة مبيتة, أُريد من خلالها طي صفحة هذا الجيش العربي الباسل الذي طبقت شهرته الآفاق في الشجاعة, رغم عبث السياسيين والحزبيين في صفوفه وتحويله الى مشروع «انقلابي».. جاهز, ما أن ينجح انقلاب, حتى يكون العراقيون والعرب على موعد جديد مع البيان رقم «واحد».
ما علينا..
سقطت الموصل بيد داعش أو اُسقطت, ولم تعد المسألة الآن محصورة بما اذا كان التواطؤ والاختراق الداعشي للقوات العراقية المولجة حماية الموصل, هي السبب في هذه الهزيمة المدوّية, أو أن الخلايا الداعشية «النائمة» هي التي أسهمت في إحداث المفاجأة. ما أسهم في تسريع السقوط وخروج الموصل من تحت سيطرة الحكومة المركزية (بافتراض انها كانت تمتلك قرارها) أو التفتنا الى تفسير آخر, بأن معنويات هذه القوات كانت في الحضيض وكانت متأثرة حتى العمق بالشحن الطائفي والمذهبي, ناهيك عن أن عديدها وهمي ومبالغ فيه وان كشوفات الرواتب الوهمية هي التي كانت المرجعية لمعرفة اعداد هذه الكتائب والفرق العسكرية, التي هربت من ميدان معركة لم تحدث اصلاً, تاركة أسلحتها ولباسها وأعلامها, ومنهم من انضم الى صفوف داعش وكأنه كان على صلة ما بها أو جزءاً منها.
.. كل ذلك بات من الماضي, والموصل التي بُذلت وعود قاطعة وحازمة بأنها ستُحرّر, لم تزل عاصمة «دولة الخلافة», ومحاكمها الشرعية ما تزال تُصدِر قرارات (قطع الرؤوس) والزواج والطلاق, وقياداتها وغرف عملياتها ما تزال تعمل وغزواتها متواصلة, إن في العراق أم في بلاد الشام..
فهل ثمة «قيمة» بالبقاء في دائرة النقاش والجدل الذي لا ينتهي حول اسباب سقوط الموصل, فيما سقطت بعدها مدينة الرمادي، ومجمل محافظة الانبار، وراج ان سيناريو سقوط الموصل هو الذي تم استنساخه في الرمادي، دع عنك ما حدث في تدمر وشمال شرقي حلب وجنوب سوريا..
الى اين من هنا؟
عندما رفع داعش شعاره الشهير «باقية وتتمدد».. ظن كثيرون، انه مجرد شعار تعبوي, وان التنظيم الذي فاق في وحشيته ودمويته وخروجه عن كل منطق وشرع وتقليد ومألوف ووزاع أخلاقي او ديني أو سياسي، لن يلبث ان يختفي ويتضاءل حدود التلاشي بعد ان يكون قد ادى الدور الذي انيط به من قبل خالقيه وصانعيه ومموليه وداعميه، بدءاً من حكومة اردوغان وليس انتهاء بعواصم عربية ظنت لفرط سذاجتها انها قادرة على التحكم به وضبط تصرفاته, وفاتها ان «الأفعى» مهما حَسُنَ تدجينها وتدريبها على الألفة، لا تُوضع في «العِبّ» ما بالك ان هذه العواصم الراقصة على رؤوس الافاعي.. لا يُؤمَن جانبها اصلاً؟
«داعش» باتت رقما صعباً في معادلات المنطقة، شاء المرء أم غَضِبْ، وما يحدث الآن من مُفاضَلة او فرزٍ مُصطنع «ومقصود» بين داعش والنصرة، ليس سوى لعبة اميركية عربية تركية مكشوفة، اذ ان الجذر واحد, وابو محمد الجولاني لم يُخفِ (خلال مقابلة التلميع والترويج التي اجرتها معه «الجزيرة») صلته بالقاعدة وزعيمها أيمن الظواهري، اما ان يتدخل طيران الحلفاء لصالح النصرة ضد داعش في معارك ريف حلب الشمالي وبالقرب من مارع وإعزاز على الحدود التركية، فهذه اشارة الى «قرار» اميركي باعتماد النصرة (المُصنَفة ارهابية على القوائم الاميركية وبقرار من مجلس الامن الدولي ايضاً) كقائدة للمعارضة السورية المعتدلة، كيف لا، وقد اخترعوا لها اسماً مُضلِلاً «جيش الفتح» لإخفاء تواطئهم مع ارهابيي القاعدة الذين باتوا ذراعاً لبعض العرب وخصوصاً حكومة اردوغان، كي يواصلوا تخريبهم وتدميرهم للدولة السورية ولمستقبل الشعب السوري, ولهذا هم يواصلون «فتوحاتهم» التي بدأت بإدلب ولم تنتهِ بمدينة أريحا وقبلها جسور الشغور.
في السطر الاخير, فإن الصلة اكثر من واضحة وجلّية بين هذه الهجمات المنسقة (وليس صدفة المتزامنة) التي يشنها داعش على الرمادي ودير الزور وتدمر, وتلك التي يُباشرها باندفاعة لافتة «جيش الفتح» نحو ادلب واريحا وحالياً سهل الغاب وجبال الكرد على تخوم اللاذقية، فالجذر الارهابي واحد بين الدواعش والنصرة (عودوا الى رسائل البغدادي والفاتح ابو محمد الجولاني المُتبادَلة)، ولا يَنْسَيّن أحد, ان الصُنّاع والرُعاة والممولين والداعمين والمخططين هم انفسهم الذين يقودون عمليات تدمير سوريا والعراق, ويعيثون فساداً في ليبيا وتونس وسيناء واليمن..
دققوا جيداً ولن تَصْدُمّنكم.. «الحقائق»..
محمد خروب
صحيفة الراي الاردنية