شعار استعادة مكانة العراق في محيطه الإقليمي والدولي وترميم صورته المتداعية، والذي رُفع عاليا مع تسلّم السياسي الكردي المخضرم برهم صالح لمنصب رئاسة الجمهورية العراقية خلفا لفؤاد معصوم، بدأ يتبخّر مع اتخاذ الحراك الرئاسي بعدا شكليا مفرغا من أي محتوى من خلال تعدّد الزيارات الخارجية للرئيس وما ترتّبه من أعباء مالية على خزينة الدولة العراقية المرهقة أصلا، دون نتائج عملية سوى إطلاق التصريحات البروتوكولية والتقاط الصور التذكارية.
بغداد – لم يستطع الرئيس العراقي برهم صالح أن يحاكي آمال الكثيرين من الذين عولوا على وجوده في هذا الموقع، ليعبر عن همومهم ويكون جزءا من حلها، إذ انشغل الزعيم الكردي الأنيق بزيارات بروتوكولية شملت حتى الآن سبع دول عربية وإقليمية وأوروبية، من دون أن ينجم عن أي منها شيء ملموس.
ومنذ تسلمه منصب رئيس الجمهورية في الثاني من أكتوبر الماضي، زار برهم صالح كلا من السعودية وإيران والكويت والأردن والإمارات، فضلا عن إيطاليا، قبل أن تحط طائرته الخاصة رحالها في تركيا، الخميس، في زيارة رسمية.
وانتهت جميع زيارات صالح الخارجية بمؤتمرات أو بيانات صحافية، يظهر خلالها الرئيس العراقي إلى جانب مسؤول الدولة المضيفة، ليقولا كلاما عاما عن أهمية تعزيز العلاقات الثنائية.
وقال صالح خلال المؤتمر الصحافي في أنقرة إن زيارته “تحمل رسالة واضحة مفادها أن العراق يسعى للعودة إلى موقعه الإقليمي بقوة، ويريد شراكة وتعاونا استراتيجيين مع تركيا”.
وأضاف أن “العراق وتركيا بحاجة إلى اتفاقية شاملة، ويجب حل مشكلة المياه بشكل جذري والإقرار بمبدأ الأمن المشترك، وعلى الجميع التعاون لمنع أي محاولة لزعزعة الاستقرار في المنطقة”، مشيرا إلى أن “شعوب المنطقة ليست بحاجة إلى وصاية من الخارج وأنها تستطيع إنهاء الصراعات”.
ولن تكون تركيا آخر محطات الرئيس العراقي في هذه المرحلة، إذ من المخطط أن يذهب إلى قطر أيضا.
وبالرغم من أن الرئيس العراقي، يحرص على اصطحاب وفد تنفيذي في جميع زياراته، ويؤكد خلال التعليق على نتائجها قائلا إنها تتم بالتنسيق مع رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي، إلا أن الوقائع تؤكد أن هذه الجولات الدولية بلا مفعول.
وليس واضحا لدى المراقبين في بغداد، ما إذا كان الرئيس العراقي ينسق مع رئيس حكومته فعلا قبل القيام بهذه الزيارات، أو إذا كانت هذه الزيارات تمهد لشيء ملموس على صعيد الاتفاقيات الثنائية أو المعاهدات أو التنسيق في ملفات محددة.
ولم يعلن صالح عن توقيع أي نوع من الاتفاقات خلال زياراته الدولية، وسط تساؤلات عن سبب هذه الجولات في ظل الصلاحيات الشكلية التي يحددها الدستور العراقي لرئيس الجمهورية.
الرئيس العراقي يحرص على اصطحاب جيـش مـن الخبراء والمستشارين في زيارات خارجية لا ينتج عنها توقيع اتفاقات
وتقول مصادر “العرب” في بغداد إن “عادل عبدالمهدي يتلقى إشعارات بشأن زيارات رئيس الجمهورية إلى الدول المختلفة، وفي بعض الأحيان يطلعه على نتائجها الرئيس نفسه، لكنها في الحقيقة بعيدة عن الأجندة الحكومية، التي تتضمن بضع أولويات”.
وكشفت المصادر أن “عبدالمهدي يخطط لزيارات تشمل معظم الدول التي زارها صالح، ولا سيما في الإقليم، للتفاهم بشأن بعض الملفات، حالما ينتهي من استكمال كابينته المنقوصة من ثلاث حقائب، هي الدفاع والداخلية والعدل”.
وأشارت إلى أن “جولات برهم صالح الخارجية لم تأخذ في اعتبارها خطط رئيس الوزراء بشأن زياراته لبعض الدول، على مستوى التمهيد للخوض في عدد من الملفات الملحة”.
ومن الواضح أن جميع الملفات التي تتضمنها الزيارة تنفيذية تحتاج إلى موقف حكومي لا يمكن للرئيس العراقي أن يعبر عنه.
ويصف مراقبون عراقيون جولات الرئيس العراقي المكوكية في الخارج، بأنها تدخل في باب الترف السياسي خلال هذه المرحلة، التي يواجه فيها العراق تحديات داخلية خطيرة، تتمثل في النقمة الشعبية الكبيرة على الطبقة السياسية العاجزة عن النهوض بالدولة وتوفير الحدّ الأدنى من الخدمات.
وعبر الكاتب السياسي العراقي فاروق يوسف عن اعتقاده بأن برهم صالح سيكون الرئيس العراقي الأكثر تكلفة في مرحلة ما بعد 2003.
وقال يوسف في تصريح لـ”العرب” إن صالح “يتصرف كما لو أن البلد الذي يترأسه لا يعاني من أزمات خانقة، وقد صار معروفا أن الوفود المرافقة للرئيس غالبا ما تكون كبيرة، لا لشيء إلا من أجل إضفاء نوع من الفخامة غير المعتادة”.
وإذا ما كانت البيانات الرسمية تتحدث عن جيش من الخبراء والمختصين فإن زيارات الرئيس العراقي لم ينجم عنها توقيع أي اتفاقيات من شأنها أن تساهم في إعمار العراق. وأضاف أن صالح “حرص على التعريف بنفسه”، وأن “المؤتمرات الصحافية التي كان يعقدها في عواصم الدول التي زارها لم تتضمن إلا كلاما إنشائيا هو بمثابة فبركات غير مجدية حتى للاستهلاك المؤقت”.
وبالرغم من منصبه الشرفي المجرد من الصلاحيات، فقد كان في إمكان صالح أن يكون قدوة لسواه من المسؤولين العراقيين لو أنه أظهر شيئا من التقشف في زياراته التي تنحصر ضرورتها في الانفتاح الشكلي على دول الجوار.
وباتت كثرة سفرات المسؤولين العراقيين مصطحبين معهم وفودا كبيرة تشكل مناسبة لهدر المال العام بما يثقل الميزانية بأعباء ثقيلة لا تبرير لها سوى أنها انعكاس لسلوك أولئك المسؤولين المنسجم مع استفحال ظاهرة الفساد.
كما أن مخصصات الإيفاد إضافة إلى البذخ الذي يتميز به سلوك أولئك المسؤولين أثناء السفر يستنزف الكثير من الأموال التي يحتاجها بلد لا يخفي حاجته إلى القروض الأجنبية بالرغم من ثرائه.
وتشكل مخصصات مؤسسة الرئاسة ذات الوجود الرمزي التي يقف على رأسها صالح جزءا لافتا من الموازنة العامة، بالرغم من أنه لا دور لها في الحياة السياسية.
ومع ذلك، يقول فاروق يوسف إن “كل رئيس جديد، كما هو حال صالح، يحيط نفسه بجيش من المستشارين والخبراء الذين غالبا ما يكونون من أقربائه وأصدقائه القدامى”.
العرب