لم تُبدد الاتهامات التي وجهها حافظ قائد السبسي، المدير التنفيذي لحركة نداء تونس، إلى حركة النهضة الإسلامية، القلق المتزايد لدى الأوساط السياسية في البلاد، من وجود صفقة أو تفاهمات جديدة قد تُعيد ترميم “التوافق المغشوش” بين الحركتين والذي أثقل كاهل المشهد السياسي العام، وشوّه توازناته طيلة السنوات القليلة الماضية.
بل إن تلك الاتهامات التي ترافقت مع تحذيرات أطلقها عبيد البريكي، المُنسق العام لحركة تونس إلى الأمام، من اقتراب الحركتين من بلورة تلك الصفقة على حساب التحديات الخطيرة التي تواجه البلاد، فتحت الباب على الكثير من الهواجس التي تطرح جملة من الاحتمالات والسيناريوهات التي تعيد الأمور إلى المربع الأول.
وقال حافظ قائد السبسي خلال ندوة لـ“اللجان الجهوية” لحركة نداء تونس، عُقدت الأحد، وتم خلالها تحديد موعد عقد المؤتمر الانتخابي للحركة يومي 2 و3 مارس القادم، إن حركة النهضة الإسلامية “تقف وراء المشروع السياسي” لرئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي ”يستغل موارد الدولة في حملته الانتخابية”.
ويبدو أن هذا الاتهام المزدوج بتوقيته اللافت، ليس معزولا عن السياق السياسي الراهن، ولا هو خارج إطار التحذيرات التي أطلقها عبيد البريكي، وحيثياتها المُتعددة، التي تدفع إلى إعادة طرح الكثير من الأسئلة حول خبايا اللقاءات التي تمت في قطر بين الغنوشي وقائد السبسي الابن، وما نتج عنها، من تفاهمات لتوسيع مساحة الاتفاق حول النقاط الخلافية.
وكان عبيد البريكي قد حذر في تصريحات نُشرت السبت، من إمكانية حدوث مقايضة بين الرئاسة التونسية، وحركة النهضة بخصوص ملف الجهاز السرّي للحركة الذي كشفت عنه خلال شهر أكتوبر الماضي هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
وقال إن الهيئة التأسيسية لحركته “تُحذر من تقارب في الخطاب بين حركة النهضة ورئاسة الجمهورية في التصريحات الأخيرة وعودة الحديث عن اللقاءات بين الطرفين”. ولم يستبعد في هذا السياق، “إمكانية توفر عناصر توافق جديدة بعد حالة التناقض التي عرفها الطرفان، وذلك لوجود موقف لدى رئاسة الجمهورية من الحكومة الحالية، ولبحث النهضة عن مخرج من الوضع الذي تعيشه بخصوص ملف الجهاز السري”.
ويرى مراقبون أن هذه التحذيرات، ترسم الوجه الآخر من المشهد العام في البلاد الذي يتسم بالكثير من الغموض على مستوى المتغيرات والمقاربات التي ترتكز أساسا على تعويم الخيارات القادمة، ولا سيما مع ارتفاع الأصوات التي تُشير إلى أن نتائج اجتماعي الدوحة1 والدوحة2 بين الغنوشي وقائدالسبسي الابن، اقتربت كثيرا من “إنضاج طبخة سياسية” برعاية قطرية وجزائرية.
وفي هذا السياق، كشف غازي الشواشي، الأمين العام للتيار الديمقراطي، لـ“العرب”، أن لديه معلومات مؤكدة تُشير إلى “وجود مُحادثات ومُشاورات لإعادة التوافق بين حركتي النهضة والنداء، وبين الرئيس قائد السبسي، والغنوشي أساسا، وذلك في إطار صفقة سياسية ستكون القاطرة لأي حراك سياسي قادم”.
واعتبر أن هذه “الصفقة” تتمحور أساسا حول “إسقاط رئيس الحكومة الحالي، يوسف الشاهد، وإيجاد مخرج لمأزق ملف العدالة الانتقالية، وتوافق حول هيئة الانتخابات، بالإضافة إلى غلق ملف الجهاز السري لحركة النهضة، وغيرها من الملفات الأخرى التي تريد حركة النهضة غلقها نهائيا”.
وأكد الشواشي لـ“العرب”، أن المعلومات التي بحوزته “تُشير إلى أن دخول قطر على الخط يعود إلى أن السلطات القطرية ترفض وجود قطيعة بين الرئيس قائد السبسي والغنوشي، وهي تدفع باتجاه رأب الصدع الذي أصاب العلاقة بينهما”.
واعتبر أن مثل هذه التطورات قد “تشكل خطرا على الاستقرار السياسي في البلاد، وبالتالي فإنها تثير الكثير من القلق خاصة وأن تداعياتها قد تشمل الاستحقاق الانتخابي”، وذلك في إشارة إلى الأصوات التي بدأت تدعو إلى تأجيله “تحت مُبررات وذرائع” وصفها بـ“الواهية”.
وتُضيف هذه المعلومات المزيد من الغموض إلى المشهد السياسي العام، لتأخذ بذلك القراءات المُرافقة لتلك اللقاءات التي جمعت بين قائد السبسي الابن والغنوشي في الدوحة، سياقا جديدا من التفسير، بالنظر إلى التسريبات التي تغمز من قناة التواطؤ بين الطرفين، بغض النظر عن خطابهما السياسي الذي يعكس تناقضا بينهما.
واستندت تلك التسريبات التي تتالت خلال الأيام القليلة الماضية إلى جملة من التطورات دفعت العديد من المراقبين إلى توقع مُتغيرات قد تطرأ على مواقف حركة النهضة، وحركة نداء تونس، باتجاه الإعلان عن “تفاهمات” جديدة قد تعيد خلط أوراق المشهد السياسي في البلاد.
وترتبط تلك التطورات، باجتماعي الدوحة1 والدوحة2 بين الغنوشي وقائد السبسي الابن اللذين يبدو أنهما توصلا إلى “تفاهمات مازالت بحاجة إلى ضمانات إقليمية”، رغم تزايد الحديث عن أن الجانبين حصلا على ضمانات من قطر والجزائر، بحيث تكون الدوحة ضامنة للتفهامات لجهة حركة النهضة، والجزائر ضامنة لها لجهة قائد السبسي.
وكان الرئيس قائد السبسي تلقى في 25 ديسمبر الماضي، رسالة خطية من أمير قطر، سلمها له السفير القطري لدى تونس سعد بن ناصر الحميدي لم تُعلن الرئاسة التونسية عن فحواها، فيما أعلنت الجزائر أن وزير الدفاع التونسي عبدالكريم الزبيدي سلّم رسالة خطية من الرئيس قائد السبسي للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، لم يُعلن أيضا عن فحواها وليست مُرتبطة بالدعوات لحضور القمة العربية في مارس القادم، باعتبار أن الحبيب الصيد زار الجزائر بعد ذلك بيومين كمبعوث خاص للرئيس قائد السبسي وسلّم دعوة لحضور قمة تونس.
العرب