عكس الانتشار الكثيف للجيش ومدرعاته في أنحاء العاصمة السودانية حجم الخوف الذي بات يسيطر على السلطات بسبب توسع دائرة الاحتجاج، وخروج مطالب المتظاهرين من البعد المطلبي المباشر إلى الدعوة إلى إسقاط النظام.
يأتي هذا فيما يراهن الرئيس السوداني عمر البشير على وصول الدعم الخارجي الذي يستطيع من خلاله امتصاص الغضب الشعبي.
ونجح المتظاهرون، بعد أن استمروا بالاحتجاج لأكثر من ثلاثة أسابيع بشكل سلمي، في تحقيق نصر معنوي على السلطات التي بات همها الآن إطلاق الوعود بتحسين الوضع الاجتماعي والسياسي، وعرض خطوات للإصلاح السياسي بشكل مرتجل مثل التعهّد بتشريك أوسع للشباب في الانتخابات.
ولا يعني الاستنجاد بالجيش شيئا آخر غير إحساس الرئيس السوداني عمر البشير بأن الأمور قد تنفلت من بين يديه، وأن الوضع المتردي ربما يشجع بعض القيادات العسكرية المناوئة له على استثمار اللحظة في بلد لديه تقاليد في الانقلابات.
وتواردت تسريبات عن أن قيادات عسكرية لم تخف للبشير معارضتها لإدارة الحكومة لهذه الأزمة، وخاصة مواجهة المحتجين بالقوة، وفرض زيادات في الأسعار وضرائب في وقت يعيش فيه السودانيون وضعا صعبا بسبب خيارات “الإصلاح الاقتصادي” غير المحسوبة.
ويعتقد أن نشر المدرعات في الشوارع سيكون مقدمة لإعلان حالة الطوارئ للضغط من أجل تراجع الاحتجاجات خاصة بعد أن لحقت بها فئات مؤثرة مثل الأطباء والصيادلة والمهندسين والمحامين وأساتذة الجامعات والطلبة.
وتسيطر على الرئيس السوداني هواجس الانقلاب واستلام الجيش للسلطة، وهو ما أشار إليه منذ أيام حين قال “الذين تآمروا على السودان وزرعوا (وسطنا) الخونة والعملاء.. يريدون للجيش أن يتسلم السلطة.. ما عندنا مانع، لأن الجيش لما يتحرك، ما بيتحرك دعما للعملاء، (وإنما) بيتحرك دعما للوطن”.
ويشهد السودان منذ 19 ديسمبر 2018 تظاهرات بدأت احتجاجا على زيادة سعر الخبز، لكنها سريعا ما تحولت إلى حركة احتجاج ضد نظام البشير الذي يواجه أكبر تحدّ منذ توليه الحكم في 1989.
وقال “تجمع المهنيين السودانيين” الذي يضم قطاعات عديدة بينها أطباء وأساتذة جامعيون ومهندسون، الجمعة، “سنبدأ أسبوع الانتفاضة الشاملة بتظاهرات في كل مدن وقرى السودان”.
ودعا الاتحاد في بيان له إلى “مسيرة الأحد” في شمال الخرطوم و”مسيرات من مختلف أجزاء العاصمة” الخميس المقبل.
وفي حين يلقى البشير معارضة واسعة فإنه ما زال يراهن على دعم خارجي سخي يساعده على الخروج من عنق الزجاجة، وخاصة ما أسماه المنحة “المليارية” من الصين. لكن هذا الدعم قد لا يصل في الوقت الذي يحتاجه النظام السوداني.
وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قال الأسبوع الماضي إثر استقباله مستشارا مقربا من البشير إن “مصر تدعم بالكامل أمن واستقرار السودان الأساسيين لأمنها الوطني”.
ولاحظ دبلوماسي أوروبي طلب عدم كشف هويته أن السياسة الخارجية للبشير “تمليها من كل جانب الضغوط الاقتصادية”.
ويستفيد البشير بوجه خاص من صمت المجتمع الدولي عن التجاوزات التي تقوم بها الشرطة في مواجهة الاحتجاجات، ما يوحي برسالة سلبية تترك للسلطات السودانية حرية التحرك لإفشال الانتفاضة وإسكات أصوات خصومها بالقوة.
وطالب الاتحاد الأوروبي، الجمعة، بـ”نزع فتيل التصعيد” والإفراج عن جميع المعارضين المعتقلين “تعسفا”. لكن مراقبين محليين اعتبروا أن البيان لا يعدو أن يكون مجرد تسجيل موقف تقليدي.
وعانى اقتصاد السودان كثيرا من حظر فرضته في 1997 الولايات المتحدة بداعي دعم نظام البشير تنظيمات إسلامية، بعد أن استضاف في تسعينات القرن الماضي خصوصا أسامة بن لادن.
وأتاح تعزيز التعاون مع واشنطن رفع الحظر في 2017 لكن ذلك لم يؤدّ إلى النتائج المتوخاة خصوصا مع إبقاء واشنطن السودان على لائحة الدول الداعمة “للإرهاب” منذ 1993.
وللخروج من الأزمة الاقتصادية كان على السودان التعويل على شركاء آخرين.
وفي ديسمبر 2018 قبل أيام من بدء حركة الاحتجاج، التقى البشير في دمشق الرئيس السوري بشار الأسد. وكان بذلك أول رئيس عربي يزور سوريا منذ 2011.
وبحسب خبراء فإن الهدف من الزيارة التقارب مع روسيا الحليف الموثوق لسوريا والقوة النافذة في الشرق الأوسط.
وكان البشير تخلى في 2016 عن حليفه الإيراني وانضم إلى التحالف الذي تقوده الرياض ضد المتمردين في اليمن المدعومين من طهران.
وبحسب وسائل إعلام فإن المئات من الجنود السودانيين يقاتلون في صفوف التحالف في اليمن.
ويؤخذ على البشير تغيير تحالفاته بشكل دائم ما يجعل تحالفاته الخارجية هشة، ويعيق خيارات الدعم الذي عادة ما تقدمه الدول العربية الغنية لدعم اقتصاديات الدول الفقيرة أو التي تعيش أزمات اقتصادية أو أمنية.
من جانب آخر، استثمرت قوى أخرى على غرار الصين المليارات من الدولارات في السودان في العقود الأخيرة.
وتقول آمال الطويل من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة إن الموقع الاستراتيجي للسودان في القرن الأفريقي يشكل نعمة للبشير.
وأضافت أن “القوى الدولية والإقليمية لن تترك السودان ينهار” معتبرة مع ذلك أن كل شيء رهن “طريقة تطور موازين القوى في الشارع”.
العرب