رجال الرئيس الأمريكي في كل واد يتخبطون

رجال الرئيس الأمريكي في كل واد يتخبطون

من جديد يحوّل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تغريداته إلى إعلانات مفاجئة ومزاجية لا تخيف خصوم الولايات المتحدة بقدر ما تستفز حلفاءها وتضع مؤسسات الإدارة ورجالها في حرج وتخبط وتضارب. وكما كانت عليه حال تغريدته المباغتة حول سحب القوات الأمريكية من سوريا، كذلك تبدو عليه تغريدته الأخيرة التي تنذر بتدمير تركيا اقتصادياً إذا ضربت الأكراد، وتعد بمنطقة آمنة عمقها 20 ميلاً، وتلتزم بالهجوم مجدداً على تنظيم «الدولة الإسلامية» عبر قاعدة مجاورة موجودة لتوها، كما تنهى الأكراد عن استفزاز تركيا في الوقت ذاته.
وهذه خلطة عجيبة أحرجت ثلاثاً من مؤسسات الإدارة الأمريكية، فلم يتجاسر أيّ من ممثليها على مواجهة الصحافة الأمريكية للتعليق على تغريدة ترامب، أو على الأقل التخفيف من غلوائها كما يحدث عادة. فوزارة الخارجية كانت، في شخص الوزير مايك بومبيو ذاته، تحاول ميدانياً امتصاص التوتر الذي خلقه في منطقة الشرق الأوسط قرار ترامب بالانسحاب من سوريا. ومجلس الأمن القومي، عبر زيارة جون بولتون إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي وفي تركيا، يحاول طمأنة الحلفاء الإسرائيليين والكرد بأنّ سحب القوات الأمريكية لا يعني انسحاب أمريكا من المنطقة. وأما رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال جوزيف دانفورد، فقد مزج بين تثبيت استعدادات البنتاغون لسحب القوات على نحو منظم، وبين تهدئة خواطر المقاتلين الأكراد الذين أخذت قواعدهم تشهد الانحسار التدريجي للمساندة العسكرية واللوجستية الأمريكية.
ولكن حتى لو تجاسر أيّ من هؤلاء الثلاثة وحاول تخفيف الشطط في تغريدة ترامب، فما الذي يمكن أن يقوله حقاً؟ على سبيل المثال، كيف يمكن تدمير تركيا من بوابة الاقتصاد وفي هذه الظروف تحديداً؟ أو كيف تعيد واشنطن الكرة بعد أن فشلت المحاولة الأولى حين فرض البيت الأبيض سلسلة عقوبات على أنقرة بسبب احتجاز القس الأمريكي أندرو برنسون، ولم يتأخر الوقت حتى استعادت الليرة التركية عافيتها؟ وماذا يعني ترامب بالمنطقة الآمنة، وهل يتم إنشاؤها في عمق الأراضي السورية، وأين تحديداً، ومن سوف يتولى إدارتها عسكرياً بعد الانسحاب الأمريكي؟ وهل الغرض منها حماية الأكراد في المقام الأول، وأي الأكراد في نهاية المطاف: «وحدات حماية الشعب» أم «قوات سوريا الديمقراطية»، أم «حزب الاتحاد الديمقراطي»، أم «حزب العمال الكردستاني»؟
ولعل حرج جنرالات البنتاغون سوف يكون الأشد بين المؤسسات الثلاث، حين سيُسأل أحدهم عن هوية هذه «القاعدة المجاورة» التي ألمح إليها ترامب في تغريدته، وما إذا كان المقصود منها هو القوات الأمريكية المنتشرة في العراق، أم تلك التي ما تزال منذ العام 2014 متمركزة في قاعدة التنف جنوب سوريا؟ وإذا صحّ ذلك، فما حكمة سحب القوات الأمريكية إذا كانت ستخرج من الباب لكي تعود من النافذة، لأداء المهمة ذاتها التي انسحبت منها، أي استئصال تنظيم الدولة؟ وأية كلفة مادية ولوجستية وعسكرية يمكن أن تنطوي عليها هذه المناورة الفاشلة مسبقاً، وأي الحلفاء غير الأكراد سوف يستخدم البنتاغون؟
أسئلة لا يبحث لها الرئيس عن إجابات وهو منخرط في التغريد المزاجي والاستفزازي، وأما كل رجال الرئيس فإنهم في كل واد يتخبطون.

القدس العربي