إيران ومحاولة قضِم مشاريع إعادة إعمار العراق

إيران ومحاولة قضِم مشاريع إعادة إعمار العراق

كشفت إيران عن أطماعها في إعادة إعمار العراق مطالبة الشركات التابعة لها بأن يكون لها الأولوية في المشاريع. جاء ذلك حين دعا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى إعطاء الشركات الإيرانية الأولوية في عملية إعادة إعمار العراق بعد انتهاء المعارك ضد تنظيم الدولة،وجاء كلام ظريف خلال زيارته مدينة كربلاء ولقائه قادة فصائل الحشد الشعبي،الموالية لإيران. وقال ظريف بالفارسية لقد “أدرك العالم الحقيقة بأن الولايات المتحدة لم تكن الجهة المتغلبة على داعش بل أنتم من هزمتم داعش لذلك يمارسون كل الضغوط عليكم وعلينا”، مستخدما الاسم المختصر لتنظيم الدولة الإسلامية.

ودعا ظريف إلى إعطاء الشركات الإيرانية الأولوية في إعادة بناء العراق نظرا للدعم الذي قدّمته إيران وللتعقيدات اللوجستية التي تعترض التعاون مع الشركات الغربية.وقال ظريف “إذا قررت شركة أوروبية أو أميركية المجيء للعراق للقيام بأعمال وإعمار، فإن تكاليف تلك الشركة لحماية عمالها وكوادرها في العراق أكثر مما تنوي إنفاقه من أجل إعادة الإعمار والبناء”.وتابع وزير الخارجية الإيراني “لكن عندما تقرر شركة إيرانية أن تتواجد في العراق لتنفيذ مشاريع، فضلاً عن قلة تكاليفها وعدم حاجتها للإنفاق على حمايتها، فإنها تأتي حباً بالإمام الحسين والأشقاء الذين أتوا للعراق ووقفوا إلى جانب الحشد الشعبي”.

وأعرب القيادي في الحشد الشعبي أبو عمار الجبوري عن امتنان الفصائل لإيران.وقال القيادي إن “إيران هي الدولة الوحيدة التي وقفت إلى جانب العراق. والسبب الرئيس لصمود العراق بوجه الإرهاب هو وقوف إيران لجانبنا”، مضيفا لقد “استطعنا أن نقف ونرد هذه الهجمة من قبل أميركا وإسرائيل. الكل يرفض دخول الأميركيين للعراق”.ويرى مراقبون أن الشركات الإيرانية ذات صيت سيء ومشاريعها غير مكتملة ومتلكئة وعادة ما يشوبها فساد ويشتكي مواطنون متضررون من المشاريع التي تشرف عليها او تنفذها شركات إيرانية.

لكن إيران “المهتمة” كثيرًا في إعادة إعمار العراق، كانت قد لفتت  انتباه الحاضرين في مؤتمر إعمار العراق، الذي عقد في دولة الكويت في شباط/فبراير من العام الماضي، حيث امتنع وزير خارجيتها جوادظريف عن إعلان أي التزام بمساعدة العراق، وهو ما يتناقض مع التصريحات الإيرانية المتوالية بشأن مساعدة بغداد. والتزمت دول عدة منها عربية وخليجية ومؤسسات مالية واقتصادية واجتماعية بتخصيص نحو 30 مليار دولار لدعم النهوض بالعراق في مؤتمر إعادة إعماره.وشهد مؤتمر إعادة إعمارالعراق مشاركة ممثلين عن دول ومؤسسات وهيئات دولية من بينها الأمم المتحدة.

وكان الغائب الأكبر، على حد تعبير مراقبين، هو إيران ووزير خارجيتها ظريف، الذي حضر لكنه لم يقدم أي مساهمة مالية في إعادة إعمار العراق، كما أن ظريف الذي حضر الاجتماع والتقى عددا من المسؤولين على هامشه، غاب عن الصورة الجماعية. واكتفت إيران على لسان ظريف وعدد من المسؤولين بتصريحات غامضة بشأن مساعدة العراق من خلال الشركات التي تعمل على أراضيه في قطاعات مختلفة. وقيل مرارا إن طهران ساعدت العراق في هزيمة الإرهاب.

السؤال المهم هنا هو: من الذي يجب أن يقوم بإعادة اعمار العراق بالضبط؟.. من الذي يتحمل مسؤولية إصلاح الدمار الرهيب الذي شهده العراق في السنوات الماضية؟الجواب المباشر هنا هو: ثلاث دول بالذات يجب أن تتحمل هذه المسؤولية، هي، أمريكا، وبريطانيا، وإيران.السبب في ذلك ان هذه الدول هي التي دمرت العراق وألحقت به كل ما شهده من خراب.الولايات المتحدة الأمريكية تتحمل المسؤولية الأكبر، فهي التي دمرت العراق بغزوها واحتلالها له، وما ارتبط بالغزو من جرائم مروعة طالت كل شيء ودمرت كل شيء.واشنطن، وعن عمد تام دمرت بنية العراق الأساسية، وألحقت الخراب باقتصاده ونهبت ثروته. وأمريكا بغزوها هي المسؤول الأول عما شهده العراق من إرهاب شامل، وما ارتبط به من حرب تدمرت فيها مدن عراقية بأسرها، وتشرد ملايين العراقيين.وبريطانيا تتحمل نفس القدر من المسؤولية، فقد كانت شريكا أساسيا لأمريكا في الغزو والاحتلال، وفي كل الجرائم التي تم ارتكابها.وإيران أكملت مسيرة الخراب الأمريكي للعراق. إيران اغرقت العراق في الطائفية وصراعاتها وحالت دون إمكانية ان تتعافى البلاد. وإيران تتحمل المسؤولية الأكبر عن الفساد الرهيب لعملائها في العراق الذين حكموا البلاد واستنزفوا ما تبقى من ثروات ونهبوها.إذن، من المنطقي والطبيعي ان هذه الدول الثلاث هي التي يجب أن تتحمل مسؤولية إعادة اعمار العراق.

لكن الذي حدث ان أمريكا أعلنت بصراحة ووضوح انها لا تعتزم المساهمة بأي أموال على الاطلاق في مؤتمر الكويت لإعادة اعمار العراق. ولم تكتف بهذا، بل أعلن مسؤولون أمريكيون بمنتهى الصفاقة ان كل ما سيفعلونه هو تشجيع السعودية والدول الخليجية على ان تقدم إلى العراق المنح لإعادة الإعمار. وإيران لا تنفق أموالا إلا على الجماعات والقوى الإرهابية العميلة لها في العراق وغيره من الدول العربية، وهي القوى التي تنفذ مخطط الدمار والخراب. وتنتظر إيران ان تأخذ من العراق لا ان تعطيه أي شيء.هذه الدول تريد اذن من السعودية ودول الخليج العربية الأخرى ان تتولى هي إعادة بناء ما هدموه ودمروه هم. تريد من دول الخليج العربية ان تعالج آثار ما ارتكبوه من جرائم حرب وإبادة وتدمير للعراق وأهله.هذا لا يمكن ان يكون مقبولا.

فإيران تسعى لقضم عملية إعادة إعمار العراق لتخفيف من وطأة العقوبات الأمريكية عليها، إذ يؤكد المتابعون للعلاقات العراقية الإيرانية، ان العراق هو أهم متنفس لإيران للتخفيف من الحصار الأمريكي عليها، نظرا لقربه منها ولوجود حلفاء وأصدقاء كثيرون يتحكمون بالسلطة والسوق الاقتصادية فيه، مما يوفر امكانيات كبيرة للالتفاف على العقوبات الأمريكية واستمرار تدفق الدولار على إيران عبر الآليات والطرق التقليدية كالمشاركة الفاعلة في إعادة الإعمار وغير التقليدية التي لا تستطيع الولايات المتحدة كشفها أو السيطرة عليها، ولكنها تكون في النهاية على حساب تعريض الاقتصاد العراقي إلى أضرار جادة. وان استطاعت إيران أن تستحوذ على مشاريع إعادة الإعمار فهذا تأكيد على نفوذها شبه مطلق في العراق، أو هكذا أردات سياسة التوازنات الإقليمية والدولية التي تمارس  على أرض العراق.

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية