يربك استمرار الاحتجاجات في السودان لنحو شهرين السيناريوهات المتوقعة التي يمكن أن يؤول إليها المشهد السياسي، خاصة أن تجمع المهنيين مستمر في رفض المبادرات ولا يتزحزح عن مطلبه بتنحي الرئيس السوداني عمر البشير، في حين ترفض الحكومة تقديم أي تنازل.
وفي ظل صمود الحكومة والمحتجين لنحو شهرين، ربما تعززت الحاجة إلى مبادرات لفك الاختناق السياسي، وهو ما يرى فيه تجمع المهنيين وحلفاؤه من المعارضة “قبلة حياة” لنظام يجيد إعادة إنتاج نفسه دون أن تعوزهم الأمثلة على ذلك.
وقد اصطدمت مبادرة لشخصيات سودانية تسمي نفسها “مجموعة الـ52” تدعو إلى تشكيل حكومة انتقالية؛ برفض تجمع المهنيين.
ومضى التجمع إلى أبعد من رفضه لهذه المبادرة، فقد رحب بطلب الجهات والمؤسسات الانضمام إلى إعلان الحرية والتغيير الموقع في يناير/كانون الثاني 2019، والقاضي بإسقاط النظام دون قيد أو شرط، وإقامة سلطة انتقالية ديمقراطية.
شخصيات تتنصل
وفضلا عن ذلك، تنصلت شخصيات من “مجموعة الـ52” مما جاء في المبادرة، وفضلت الالتزام حاليا بإعلان الحرية والتغيير الذي وقعه تجمع المهنيين وتحالف نداء السودان وقوى الإجماع الوطني والتجمع الاتحادي المعارض.
وقال تجمع المهنيين في بيان إن ممثلا من التجمع تلقى اتصالا مساء السبت الماضي من القيادي الإسلامي السابق الطيب زين العابدين، أعلمه فيه بأن مبادرة السلام والإصلاح التي أطلقتها “مجموعة الـ52” ترغب في مقابلة التجمع، وكان رد ممثل التجمع أن الدعوة لمقابلة أي كيان أو جهة تتخذ القرار فيها هيئات التجمع.
وفي بيان أصدره الصحفي فيصل محمد صالح الذي كان ضمن “مجموعة الـ52″، أكد التزامه بشبكة الصحفيين السودانيين التي هي جزء من تجمع المهنيين، وبكل ما يصدر عنه من مواثيق ومواقف، قائلا “أفضل في هذه المرحلة ألا أقف تحت أي لافتة أخرى”، كما تنصل القيادي في الحزب الشيوعي الشفيع خضر والناشطة السياسية بلقيس بدري من مبادرة المجموعة.
وتعود مبادرة “مجموعة الـ52” إلى عام 2015، ووقع عليها سياسيون وأكاديميون وإعلاميون وشخصيات عامة، وقرروا رفع مذكرة لرئاسة الجمهورية تطالب بتشكيل حكومة انتقالية، لكنها لم تجد آذانا صاغية.
الحزب الحاكم
ورغم مرور قرابة الشهرين على انطلاق الاحتجاجات، فإنه لم يظهر حتى الآن أي تيار داخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم يرفض إعادة ترشيح البشير في الانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2020، عدا أصوات منفردة لإصلاحيين مثل الشفيع أحمد محمد.
ويتحدث مراقبون بأن استمرار الاحتجاجات سيعزز تنافسا غير مرئي بين الرئيس البشير والإسلاميين الذين يشكلون حاضنة سياسية له، إذ يمكن أن يبعدهم الرئيس من المشهد تحت تأثير ضغوط من دول خليجية، وقد يسبق الإسلاميون إلى التضحية بالبشير.
كما يلوح احتمال أن يعلن الرئيس السوداني حالة الطوارئ، إذا انقلب على الإسلاميين في حال استمرت احتجاجات الشارع.
فخ المبادرات
وأما الحكومة السودانية فربما رأت في القبول بالمبادرات فخا يوقعها في حزمة تنازلات هي حتى الآن غير مضطرة إليها، ويقول الباحث في مركز دراسات استشراف المستقبل نزار محمد الحسن إن أي مبادرة سياسية مطروحة ستكون غير مقبولة من الحكومة، لأنها ربما فسرها المعارضون والشارع بأنها تراجع من السلطات.
ويرى الحسن -في حديث للجزيرة نت- ضرورة أن يقدم الحزب الحاكم مبادرة قوية تنطوي على خطاب مقبول للداخل والخارج معا، ويشدد المتحدث على ضرورة عدم الحديث حاليا عن إعادة ترشيح البشير لانتخابات الرئاسة، فضلا عن ضرورة إعداد الحزب الحاكم والحكومة لرؤية اقتصادية لعام 2030.
ويستبعد الحسن أن تكون لدى تجمع المهنيين سيناريوهات لإدارة البلد مستقبلا، عبر تقديم تصورات للأزمة الاقتصادية والعلاقات الخارجية، “لأنه عبارة عن جسم هلامي”.
حل وسط
في المقابل، يرى عضو حزب المؤتمر الوطني المعارض البرلماني السابق أبشر رفاي، أن من بين السيناريوهات التي قد تشكل فزاعة تستغلها الحكومة هي فرضية التدخل الخارجي.
ويضيف رفاي للجزيرة نت أن حالة الشد والجذب بين “تسقط بس” (دعاة إسقاط النظام) و”تقعد بس” (أنصار الرئيس) ربما تقطع الحبل، وأن فشل الطرفين في التوصل إلى حل وسط يهدد الوطن والمواطنين بتدخل أجنبي.
ويطرح رفاي -الذي ترأس سابقا تضامن المرشحين المستقلين في انتخابات 2010- ما يسميه مبادرة “حلول بس”، تقوم على رسالة للحكومة والمحتجين مفادها “لا تجاهر بإسقاطك ولا تخافت وتزايد بقعودك، واتخذ بين ذلك سبيلا”.
ويتابع قائلا “مطلوب من دعاة (تسقط بس) النزول قليلا، ومن دعاة (تقعد بس) الصعود قليلا، ليلتقي الطرفان في محطة (حلول بس)”.