كيف أنقذ مهاتير محمد ماليزيا من فخ صندوق النقد الدولي؟

كيف أنقذ مهاتير محمد ماليزيا من فخ صندوق النقد الدولي؟

إن صندوق النقد الدولي الذي أطلق عليه الشعب الارجنتيني اسم (صندوق الشيطان) ولم يطلقوا عليه هذا المسمى من فراغ، كان ولا زال يبتز الكثير من الدول ويسحبها حتى تقع في فخ الاقتراض الذي ما إن تدخله حتى يمتص ثرواتها ويستغلها أيما استغلال! يزعم هذا الصندوق أن من أهم اهدافه مساعدة الدول النامية والفقيرة في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية واعطائها القروض التي تعينها على تخطي أزماتها المالية ومشكلاتها الاقتصادية، ويزعم ايضاً أنه يتطلع نحو تحقيق تنمية مستدامة ورخاء شامل ومتزايد. كلام جميل، ولكن ماهي الحقيقة؟

يقدم هذا الصندوق مساعداته منذ تاريخ تأسيسه في مؤتمر بريتون وودز وحتى الآن، وقد أقرض بعض الدول للمرة الثانية او الثالثة حتى الآن، ولكن بدون أي زيادة في نمو أو رخاء هذه الدول التي لجأت اليه باعتباره الملجأ الأخير للتزود بالسيولة المالية. إن ما حدث في هذه الدول بعد الاقتراض هو العكس تماماً مما يهدف إليه الصندوق: تفاقمت مديونيتها وغرقت في مستنقع الفقر أكثر فأكثر! يتحدث أرنست فولف في كتابه (صندوق النقد الدولي) عن هدف تأسيس هذا الصندوق ويقول: “إن الهدف من تأسيس الصندوق لم يكن، كما يزعم البعض، استحداث نظام نقدي عالمي جديد وقوي وخالٍ من العيوب. بل كان هدف تأسيسه يكمن في تعزيز هيمنة القوى العظمى الجديدة في العالم، الولايات المتحدة الامريكية، على النظام العالمي الجديد”.

ورغم أن هذا الصندوق قد تسبب بإفلاس الكثير من الدول، ولا زالت تتكرر نفس الحكاية: تحدث أزمة مالية في دولةٍ ما، وتوشك على الافلاس، لا تستطيع هذه الدولة بيع سنداتها، لأن تصنيفها الائتماني منخفض ولن تجد من يقرضها، فتلجأ إلى فك الشيطان، تذهب إلى صندوق النقد الجاهز دائماً لتقديم القروض، وتستدين منه بشروط. فيطبق عليها سياسات وبرامج التقشف الهيكلي التي تؤدي إلى مضاعفة اعداد الفقراء بشكل كبير! يطلب منها رفع الدعم عن السلع الأساسية كالخبز مثلاً، وأن تخفض الانفاق الحكومي على التعليم والصحة وباقي القطاعات، ويفرض الضرائب ويخصخص المؤسسات.

رأي مهاتير في صندوق النقد الدولي معروف، فهو لم يقبل مساعدات الصندوق من قبل حينما مرت ماليزيا بأزمة النمور الآسيوية، ومع أن الدول الاسيوية المتضررة من الازمة قد استجابت لتوصيات الصندوق، إلا أن مهاتير محمد رفض هذه التوصيات
ورغم وعود الصندوق بأن هذه الوصفة الاقتصادية العجيبة سوف تعالج الاقتصاد وتشفيه، إلا أن العجز الاقتصادي يزداد في هذه الدولة، تنخر هذه الوصفة في الطبقة الوسطى حتى تحولهم إلى فقراء، وتسبب مظالم اجتماعية كثيرة بسبب سياسات التقشف، ويصبح أقصى هم المواطن أن يحصل على الخبز وأن يتعلم وأن يكون بصحة وعافية حتى لا يضطر لدفع مبالغ طائلة عندما يمرض! والمثير للدهشة أن هناك دول عديدة لا تزال تلجأ إليه كمصر والأردن على سبيل المثال! ربمـا لا يعلم البعض ولكن صندوق النقد الدولي ليس الحل الوحيد عندما لا تجد الدولة من يقرضها، أو عندما تكون معرضةً للإفلاس!

دعنـا نرى تجربة ماليزيا في ذلك بقيادة مهاتير محمد الذي يصفه الشعب الماليزي بـ (المبجل). إن رأي مهاتير في صندوق النقد الدولي معروف، فهو لم يقبل مساعدات الصندوق من قبل حينما مرت ماليزيا بأزمة النمور الآسيوية، ومع أن الدول الاسيوية المتضررة من الازمة قد استجابت لتوصيات الصندوق، إلا أن مهاتير محمد رفض هذه التوصيات، وطبق سياسة مالية معاكسة لها، وقد استطاعت ماليزيا تخطي أزمتها المالية ونجحت في تعزيز عملتها (الرينجت)، بل إنها خرجت بأقل الخسائر مقارنة بدول أخرى مثل الفلبين وكوريا الجنوبية واندونيسيا.

وعندما تم سؤال مهاتير حول ما إذا كان الاقتراض من صندوق النقد هو المسار الأسلم للبناء الاقتصادي لمصر كان جوابه: “رأيي معروف في هذا الأمر، فأنا أنصح دائما بعدم الاقتراض، وأن يتم اللجوء إلى البدائل الداخلية. أنا لا أحب سياسة الاقتراض، خاصة أن المقترض يخضع للمقرض، فصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ليسا مؤسستين عالميتين بمعنى الكلمة، ولكنهما يخضعان لسيطرة وهيمنة عدة دول فقط، ومن ثم فإن توجههما يصب لخدمة مصالح تلك البلدان.

هاتان المؤسستان تسمحان بالإتجار في العملة رغم أن العملة ليست سلعة في الواقع، وهذا يتسبب في إفقار الدول، ومن ثم تذهب للاقتراض من هاتين المؤسستين، وماليزيا رفضت الإملاءات التي حاول صندوق النقد أن يفرضها عليها، وكنت أتمنى أن تكونا مؤسستين ديمقراطيتين بالفعل، وأنا لا أؤمن بالاقتراض على الإطلاق. وأنصح مصر بعدم الاقتراض واللجوء إلى البدائل الداخلية لتوفير السيولة اللازمة لها، وإذا كانت هناك حاجة ملحة للاقتراض فيجب أن يكون في أضيق الحدود.”

وفي مقابلة أجرتها “بلومبرج” في الخامس من يوليو 2017، قال “مهاتير” وهو يسترجع ذكرياته حول فترة الأزمة الاقتصادية ومشيراً إلى صندوق النقد: “عندما نقترض المال منهم، فإن الشرط الذي غالبًا ما يفرضونه، هو أن يكون لهم يد في إدارة اقتصاد البلاد، ومواردها المالية.”

لقد نجح مهاتير في إدارة أزمة الاقتصاد الماليزي بعيداً عن صندوق النقد، كما نجح بتحويل ماليزيا إلى عملاق اقتصادي بعد أن كانت دولة ذات اقتصاد بسيط يعتمد على الزراعة وحقول المطاط، لقد نجح مهاتير في كل ذلك من دون الحاجة إلى سماع توصيات صندوق النقد المدمرة، فهل من معتبر؟

منار العبري

الجزيرة