ينظر البرلمان التونسي في مشروع قانون ينقح القانون الانتخابي بإدراج عتبة انتخابية بنسبة 5% بداية من انتخابات 2019. ويؤكد المدافعون عن فرض هذه العتبة أنها ستجنب تشتت المشهد البرلماني وتحلّ أزمة الحكم، لكن منتقديها يصنفونها خطرا على الديمقراطية والتعددية.
والتنقيح هو مشروع حكومي يستند إلى تشخيص يرى في نظام الاقتراع الحالي -الذي لا يعتمد عتبة انتخابية في الانتخابات التشريعية- سببا في أزمة الحكم، منشؤها تشتت الكتل البرلمانية وتعدد الحكومات وعدم استقرارها، إضافة إلى الصعوبات التي تواجهها في تمرير مشاريع القوانين.
ويثير المقترح جدلا سياسيا كبيرا سواء من ناحية توقيته باعتباره يأتي قبل أشهر قليلة عن موعد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية نهاية العام الجاري، أو من ناحية مضمونه ونتائجه المحتملة خاصة على حظوظ فوز الأحزاب الصغيرة والمستقلين بمقاعد في البرلمان المقبل.
إقصاء
ويرى الأمين العام لحزب التيار الشعبي اليساري المعارض زهير حمدي أن إقرار عتبة بنسبة 5% في القانون الانتخابي من شأنه أن يؤثر بشكل مباشر على نتيجة الانتخابات المقبلة، ويقصي الأحزاب المعارضة والأحزاب الصغرى والمستقلين من الفوز بمقاعد في البرلمان.
ويقول للجزيرة نت إن التصديق على هذا التنقيح من شأنه أن ينسف أحد أبرز مبادئ الديمقراطية وهي التعددية الحزبية، مقابل تقوية هيمنة الأحزاب الكبرى، مضيفا أن تونس لا تزال في مراحلها الأولى في المسار الانتقالي الذي “يقتضي فسح المجال للتعددية والتنوع”.
وبسؤاله عن سبب مخاوفه، رغم أنه قيادي في الجبهة الشعبية (تكتل يساري)، من فرض العتبة، يقول إن الأحزاب المعارضة لا تملك إلا مواردها القليلة على عكس الأحزاب الكبرى، في إشارة إلى حزب حركة النهضة وحزب نداء تونس المدعومين من قوى إقليمية ورجال أعمال.
وفضلا عن كونه يسعى لإدراج عتبة بنسبة 5% كحد أدنى لتمكين الأحزاب والقوائم الانتخابية المترشحة من الفوز بمقاعد برلمانية وعدم احتساب الأصوات التي تقل عن العتبة، فإن مشروع تنقيح القانون الانتخابي يتضمن فرض عتبة 5% للحصول على التمويل العمومي.
ويقول زهير حمدي إن وضع مثل هذه العتبة سيشكل منعطفا خطيرا على مستقبل العملية السياسية ومصير الانتقال الديمقراطي لأنه سيعيد فرض لون واحد داخل البرلمان من خلال ائتلاف حزبين كبيرين لهما أغلبية مقاعد مقابل إقصاء أحزاب صغيرة في طور التشكل والتهيكل.
عقلنة
في المقابل يعتبر النائب والقيادي بحركة النهضة أسامة الصغير أن الغاية من إقرار هذه العتبة ليس إقصاء الأحزاب أو المستقلين، لأن القانون لا يمنع الأحزاب أو المستقلين من الترشح أو ممارسة نشاطاتهم أو القيام بحملاتهم الانتخابية أو الحصول على التمويل العمومي.
ويوضح للجزيرة نت أن المطروح أمام أنظار البرلمان هو النظر في إدراج عتبة بنسبة 5% من أجل ترشيد الترشحات للانتخابات، والحد من التشتت البرلماني، وإيجاد حل لأزمة الحكم التي تعاني منها البلاد جراء تعدد الحكومات وعدم استقرارها وعدم قدرتها على القيام بأي إصلاحات.
ومرت البلاد بأزمة سياسية خانقة في الأشهر الماضية بسبب تمسك حركة نداء تونس ورئيسها الشرفي الباجي قايد السبسي بإقالة رئيس الحكومة يوسف الشاهد، في حين رفضت حركة النهضة المشاركة في الائتلاف الحكومي الذي سحبت الثقة منه، وهو ما ألقى بظلاله على مؤسسات الدولة.
ويقول إن عدم فرض عتبة انتخابية بانتخابات المجلس التأسيسي بعد ثورة 2011 كانت له مبرراته، وهو توسيع قاعدة المشاركة السياسية أمام كل الأطياف لكتابة دستور توافقي، مشيرا إلى أن البلاد محتاجة اليوم إلى الغربلة وترشيد الترشحات لتحقيق نظام سياسي يكفل الاستقرار.
ويرى أسامة الصغير أن من شأن الأحزاب الوسطى أن تستفيد من إدراج هذه العتبة الانتخابية بواسطة عقد التحالفات الانتخابية، مبينا أن ذلك من شأنه أن يجمع القوى السياسية القريبة من بعضها، ويحث الأحزاب الصغيرة على العمل المشترك فيما بينها وتطوير برامجها وخطاباتها.
لا تغيير
ومن وجهة نظر العضو السابق بهيئة الانتخابات عبد الجواد الحرازي، فإنه بقدر ما تكون نسبة العتبة ضعيفة في تونس بقدر ما تكون أفضل بالنسبة للديمقراطية الناشئة، لأنها تضمن التعددية، مبينا أن هناك خشية من أن تقصي العتبة المذكورة بعض الأطراف من الفوز بالمقاعد.
الحرازي: العتبة قد تقصي بعض الأطراف
ويقول للجزيرة نت إن إقرار العتبة بنسبة 5% لن يسمح بتجنب التشتت البرلماني أو تجاوز أزمة الحكم، مشيرا إلى أن انتخابات 2014 أفرزت فوز حزبين كبيرين هما نداء تونس وحركة النهضة، “لكن التشتت البرلماني حصل جراء أزمة الاستقالات بنداء تونس”.
وفازت نداء تونس بانتخابات 2014 بأغلب المقاعد (86 من جملة 217) تلتها حركة النهضة (68)، لكن نداء تونس تعرض لأزمة داخلية خانقة تسببت في تشتته إلى أحزاب صغيرة في حين تراجعت كتلته إلى المركز الثالث بعد حركة النهضة وكتلة الائتلاف الوطني.
ويقول إن “إدراج هذه العتبة لن ينفع الانتقال الديمقراطي بتونس ولن يضمن الاستقرار أو الحد من التشتت”، موضحا أنه طالما لا يمنع قانون الأحزاب مسألة السياحة الحزبية والانتقال من حزب لحزب ومن كتلة لأخرى سيبقى التشتت وعدم الاستقرار مهيمنا على المشهد السياسي.
أكبر البقايا
ويؤكد الجوادي أن النظام الانتخابي الحالي الذي يعتمد على نظام الاقتراع النسبي مع أكبر بقايا الانتخابات لا يسمح لأي حزب بالفوز بـالأغلبية المطلقة للأصوات بالبرلمان (109 مقاعد)، وهو ما يحتم على الحزب الفائز بأكبر عدد من المقاعد البحث عن تحالفات سياسية أخرى.
ويرى أن المشهد السياسي في تونس لن يتغير كثيرا مع بقاء حركة النهضة كحزب قوي ومهيكل قد يفوز بالمركز الأول بنسبة أصوات تصل كحد أقصى إلى 25%، في حين يسعى حزب “تحيا تونس” الذي أسسه رئيس الحكومة يوسف الشاهد للفوز بالانتخابات القادمة أيضا.
ويواصل البرلمان التونسي مناقشة مشروع تنقيح القانون الانتخابي اليوم الثلاثاء وغدا وبعد غد الخميس. ويتوقع أن تحظى التنقيحات بإقرار العتبة موافقة الأغلبية داخل البرلمان (كتلة حركة النهضة، وكتلة نداء تونس، وكتلة الائتلاف الوطني..).
وتأتي مناقشة البرلمان لهذا التنقيح وسط اعتراض كبير من قبل عديد المنظمات الحقوقية والناشطة في المجال الانتخابي، داعية إلى تأجيل النظر في هذا التنقيح إلى ما بعد الانتخابات 2019 حفاظا على فرص التكافؤ بين الأحزاب وتجنبا لتغيير قواعد اللعبة لمصلحة أي طرف.
الجزيرة