يعكس تنظيم تونس لملتقى ليبي تونسي بين هيئتي مكافحة الفساد في البلدين ناقش سبل التصدي لتبييض الأموال الليبية في تونس، وجود مساع تونسية للخروج من دور المتفرج بخصوص هذه الظاهرة التي تفاقمت عقب سقوط النظامين التونسي والليبي في 2011.
تونس – أجبرت الضغوط الدولية ولاسيما تصنيفات الاتحاد الأوروبي كلا من تونس وليبيا على اتخاذ إجراءات جدية لمحاربة ظاهرة غسيل الأموال الليبية في تونس.
وقال رئيس الهيئة الليبية لمكافحة الفساد نعمان الشيخ في تصريحات لـ”العرب” على هامش الملتقى الليبي التونسي الأول لمكافحة الفساد، إن “الجانب التونسي هو من دعا إلى عقد هذا اللقاء، ونحن لبّينا الدعوة على الفور لاسيما مع تزايد الضغوط الدولية وتصنيف ليبيا على القائمة السوداء للاتحاد للأوروبي”.
وأضاف الشيخ أن “الملتقى يهدف للخروج بتوصيات قابلة للتنفيذ، ضمن حزمة واحدة من الإجراءات تقوم بها الهيئتان (التونسية والليبية) مع الجهات المعنية”.
وترتبط هذه “الاستفاقة المتأخرة” سواء في تونس أو ليبيا، بالمتغيرات التي شهدها البلدان وخاصة تغيير محافظ المصرف المركزي في تونس وفك التحالف بين النهضة ونداء تونس، وفرض الإصلاحات الاقتصادية في ليبيا.
وفي مطلع فبراير 2018 صنّف الاتحاد الأوروبي تونس على قائمة الدول الأكثر عرضة لمخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وعقب ذلك بأيام استقال محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري بعد تضارب الأنباء بشأن إمكانية إقالته، ليتم تعيين مروان العباسي مكانه، وهو ما طرح عدة تساؤلات ورسخ ما يروّج من اتهامات بشأن علاقة العياري بالتغاضي عن عمليات تبييض الأموال، لكن السلطات التونسية لم توجه له أي اتهامات واكتفت بإقالته من منصبه.
وأعاد الاتحاد الأوروبي تونس إلى القائمة السوداء، بعدما أدرجها في أكتوبر الماضي في القائمة الرمادية، خلال تصنيف حديث صدر الأسبوع الماضي وشمل أيضا ليبيا للمرة الأولى.
وتحدثت تقارير إعلامية تونسية عن تواطؤ المصرف المركزي التونسي في عهد الشاذلي العياري، في تسهيل عمليات تبييض الأموال القادمة من ليبيا، عن طريق شركات وهمية يتحصل مديروها على اعتمادات مستندية من قبل المصرف المركزي الليبي.
وسبق لموقع “انكفاضة” التونسي المختص في مجال الاستقصاء أن أعد تحقيقا أكد من خلاله تواطؤ الشاذلي العياري وكاهيته محمد الرقيق في منح تراخيص لشركات ليبية رغم تحذيرات رفعتها مديرة إدارة عمليات التجارة الخارجية بالبنك المركزي التونسي سلوى لاغة إلى محافظ البنك من إمكانية تورّط البنك في منح “غطاء” لعمليات “مشكوك فيها” تقوم بها إحدى الشركات الليبية.
وذكر الموقع أن حُجّة العياري في ذلك كانت “تشجيع الصادرات التونسية خلال الفترة الانتقالية مادامت هذه العمليات التجارية ليس لها تأثير على الاحتياطي التونسي من العملة الصعبة” وفق ما جاء في المذكّرات الداخلية للبنك المركزي.
وبدوره قال النائب الصحبي بن فرج عقب استقالة العياري، “إنه تقدم في شهر سبتمبر 2017 إلى هيئة مكافحة الفساد بملف خطير وموثق حول شبهة تبييض أموال وتهريب عملة بتواطؤ من مصالح البنك المركزي (عمليات تصدير كاذبة نحو ليبيا، فواتير مزيفة، تحيّل، تبييض أموال، استبدال عملة بدون موجب قانوني وبمبالغ طائلة بملايين الدولارات)”.
وعيّن العياري في عهد حكومة الترويكا التي قادتها حركة النهضة الإسلامية، وظل في نفس المنصب رغم تصدر حزب نداء تونس لنتائج انتخابات 2014، وهو ما أرجعه الصحبي بن فرج حينئذ “إلى التوافق الذي كان بين حزبي النهضة والنداء”.
ويتشابه الوضع في ليبيا أيضا، حيث أن بعض الأطراف يتهمون صراحة محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير بتمكين جماعات متطرفة وشخصيات محسوبة عليها من الاعتمادات المستندية المصرفية.
ولم يتردد رئيس الهيئة الليبية لمكافحة الفساد في اتهام المصرف المركزي بالتلكؤ وعدم التفاعل معهم بخصوص إجراءات التدقيق على مدى السنوات الماضية. وقال لـ”العرب” “إن مصرف ليبيا لم يكن متعاونا مع جميع الجهات الرقابية وربما هذا ما وضعه محل اتهام بمنح الاعتمادات المستندية على أساس المحسوبية والوساطة أو الولاءات السياسية”. واستدرك قائلا “المصرف أبدى في الفترة الأخيرة تعاونا غير مسبوق وشارك معنا خلال الملتقى التونسي الليبي ونأمل في تعاون أكبر خلال الفترة القادمة، لاسيما مع تزايد الضغوط الدولية على ليبيا في ما يتعلق بمكافحة الفساد”.
وسبق لسفير ليبيا السابق لدى الإمارات عارف النايض، أن اتهم أغسطس الماضي ما وصفها بـ”الجماعات المؤدلجة” في إشارة إلى تيار الإسلام السياسي، بافتعال الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها ليبيا.
وجاءت اتهامات النايض في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك على خلفية انهيار قيمة الدولار الأميركي أمام الدينار الليبي في السوق السوداء، إذ هوى الدولار أمام الدينار إلى أدنى مستوياته خلال الأسبوع الماضي، ليصل إلى 4 دينارات بعد أن تجاوز الـ10 دينارات ديسمبر الماضي.
وأرجع محللون أسباب انهيار أسعار الدولار إلى عدة أسباب من بينها ارتفاع أسعار النفط خلال الأسابيع الماضية واستئناف ضخ النفط من حقول كانت متوقفة، لكن النايض أكد أن ما حدث “لم يكن مصادفة أو لمعادلة اقتصادية، وإنما هي، بكل بساطة، عملية جني أرباح”. وأوضح أن مصرف ليبيا المركزي خص “شلة صغيرة ممن تلاقت مصالحهم مع مصالح المؤدلجين، ومن المؤدلجين أنفسهم ووكلائهم بمبالغ ضخمة من العملة الأجنبية وبفتح الاعتمادات المستندية” لتقوم تلك الشلة في ما بعد بمحاربة الدينار الليبي لإسقاط قيمته إلى أقصى حد.
وتابع “بعد أن تراكمت لديهم جبال من مليارات الدينارات الليبية، استخدموا المركزي مجددا بطرح الدولار بكميات كبيرة بحيث انهار الدولار أمام الدينار، وصارت قيمة الدينارات المتراكمة أكثر من ضعف ما كانت عليه”.
وفي يوليو الماضي أوقف الجيش الليبي ضخ النفط واشترط القائد العام المشير خليفة حفتر إقالة الصديق الكبير، وتشكيل لجنة تقصي حقائق دولية للتحقيق في دعم المصرف للجماعات الإرهابية، مقابل استئناف الإنتاج من جديد.
واليوم لم تعد الانتقادات لمحافظ المصرف المركزي الليبي تأتي من قبل معارضي حكومة الوفاق فقط، بل من داخلها أيضا. وهاجم وزير الداخلية فتحي باشاغا الأربعاء بطريقة غير مباشرة مصرف ليبيا المركزي واتهمه بعرقلة تنفيذ الترتيبات الأمنية.
وأضاف في تصريحات محلية “حينما تسأل أي مواطن ليبي عن أسباب انهيار سعر الدينار وغلاء الأسعار وانعدام السيولة وتنامي دور تجار الحروب ومصادر تمويل عديد التشكيلات المسلحة الخارجة عن القانون ستجد الإجابة متجهة إلى جهة بعينها، (في إشارة إلى مصرف ليبيا المركزي) تلك الجهة لم تلتزم بحدود اختصاصاتها القانونية وصارت تلعب دورا سياسيا وأصبحت طرفا في معادلة النفوذ والاستقطاب”.
ولا يستبعد مراقبون أن يكون هذا الموقف الجديد نتاج ضغوط دولية فرضت على حكومة الوفاق لاسيما بعد تصنيف ليبيا على القائمة السوداء الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى دعوات أطلقتها الدول الست الكبرى مايو الماضي بضرورة وقف إهدار المال العام في ليبيا.
ومن غير المعروف ما إذا كانت هذه التصريحات مقدمة لإقالة حكومة الوفاق للصديق الكبير الذي يقال إنه مدعوم وبقوة من قبل أطراف أجنبية دافعت على بقائه في منصبه رغم إقالته من قبل البرلمان سنة 2014.
العرب