الأزمة التي انفجرت بين الهند وباكستان أخيراً ما زالت تستعر، وكان أثارها تفجير انتحاري الشهر الماضي أسفر عن مقتل 40 جندياً هندياً في الجزء الذي تسيطر عليه الهند من كشمير. هذا التفجير أثار قلقاً حول الكيفية التي ستتطور بها الصراعات في المستقبل بين الجارتين المسلحتين نووياً.
في المواجهة الأخيرة أعلنت منظمة «جيش محمد»؛ ومقرها باكستان، مسؤوليتها. وتعود جذور المجموعة إلى جماعة أخرى متشددة ونشطة في كشمير؛ «حركة المجاهدين»، التي يُعتقد أن لها صلات بتنظيم «القاعدة»، ويقال إن قائد «جيش محمد» أمر بالعملية وهو بمستشفى عسكري في باكستان حيث يتلقى العلاج. بعد مثل هذه الاستفزازات يواجه القادة الهنود على الدوام خيارات صعبة حول كيفية الرد دون إثارة تصعيد عسكري خطير يمكن أن يؤدي في النهاية إلى استخدام الأسلحة النووية. هذه المرة صدرت تهديدات من الطرف الهندي؛ حيث هدد وزير النقل نيتين غادكاري بأن الهند ستوقف تدفق مياه النهر المخصصة لباكستان، بموجب معاهدة «نهر السند»، وتحويلها للاستعمال المحلي. كما تعهد ناريندرا مودي رئيس الحكومة بأن الجيش الهندي ستكون له «حرية كاملة في تحديد المكان والوقت وقوة وطبيعة الرد على العدو».
الاختلاف هذه المرة أن مودي لجأ إلى الجيش، وقد تصبح هذه سابقة بحيث تقرر القيادة العسكرية، وليست المدنية، الخيارات أثناء الأزمات المستقبلية، وهذا أمر كان صحيحاً على الجانب الباكستاني.
الجيش الهندي رد في 26 فبراير (شباط) الماضي، بقصف مخيمات تدريب «جيش محمد»، وكانت تلك المرة الأولى التي تعبر فيها القوات الهندية الحدود الباكستانية، وردت باكستان بغارة جوية على طول خط المراقبة، لكن خلال المناوشات الجوية؛ وهي الأولى منذ عام 1971، أسقطت القوات الباكستانية طائرة هندية وأسرت طيارها ثم أطلقت سراحه في 1 مارس (آذار) الماضي. يقول محلل عسكري غربي: إن الأزمة الأخيرة تذكير واقعي بأنه لا يوجد قانون ينص على أن القوى النووية لا تستطيع أن تقاتل بعضها بعضاً بشكل تقليدي، واللجوء إلى اعتماد المخاطرة ظهر أكثر على مودي، فاتهمه البعض بأنه موجّه للجماهير المحلية قبل الانتخابات العامة المقبلة بالهند في أبريل (نيسان) المقبل. لكن، حسب محدثي، فإن هذه الأزمة تثير شبح الأزمات المستقبلية لأنها أكثر دموية وأكثر خطورة.
اللافت، كما يقول، أنه في حين كانت الأزمات السابقة تدور رحاها على الأرض، فإن هذه الأزمة اعتمدت الغارات الجوية، ومن المرجح بالتالي أن تستعجل نيودلهي شراء طائرات مقاتلة حديثة؛ سلاح الجو الهندي في أمسّ الحاجة لها.
قد يبدو من الوهلة الأولى أن إطلاق سراح الطيار الهندي علامة خاتمة هذه الأزمة، لكن ليست هناك نهاية تلوح في الأفق للتنافس الأوسع بين البلدين.
منذ أواخر التسعينات تولت الولايات المتحدة دور الوسيط وصانع السلام في شبه القارة الهندية، ولعب الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون دوراً أساسياً في إنهاء حرب «كارجيل» عام 1999. أيضاً خلال مواجهات ما تسمى «القمّتان التوأم» عامي 2001 و2002 لعبت أميركا دوراً في الحد من التوترات وتخفيف حدة الأزمة، لكن هذه المرة لم تقم بأي دور باستثناء تصريح لمايك بومبيو يدعو الطرفين إلى التزام الحذر.
يقول محدثي: يبدو أن التوترات بين الهند وباكستان تخف تدريجياً الآن، لكن الوضع في كشمير عرضة للتأثر في المستقبل. من هنا تنظر الدولتان إلى الصين!
بطبيعة الحال تسعى باكستان للحصول على ضمانات من الصين في وقت الأزمة، فالأخيرة تحتفظ بصداقة فريدة مع إسلام آباد ازدادت قوة في السنوات الأخيرة مع ديناميكية الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني، وهو مشروع رائد في «مبادرة الحزام والطريق»، حيث تنتظر الصين من ورائه حقبة ذهبية على طول الممر الممتد من شينغيانغ إلى مرفأ غوادار الباكستاني، وهذا مشروع ترفضه الهند لأن جزءاً منه يمر عبر أراضٍ في كشمير تعدّها الهند تابعة لها.
لكن، يحذّر محدثي الباكستانيين بأن عليهم أن يدركوا أن الصين لن تسمح بتعرض الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني لأي تطورات إقليمية سلبية، وقد يكون هذا هو السبب الذي جعل الصينيين أول من طالبوا بحل سريع للأزمة الأخيرة بين الهند وباكستان.
ليس كل كشميري باكستاني مرتاحاً للعملية الأخيرة؛ إذ يقول طلعت بهات، الناشط الكشميري ومخرج الأفلام الوثائقية ومقره في السويد، إن الهجوم الأخير ألحق الضرر بالحركة السياسية السلمية من أجل حقوق الشعب الكشميري. تحتاج باكستان إلى التحرك ضد «جيش محمد» وغيرها من الجماعات الإسلامية. إن المراهنات الاستراتيجية للجيش الباكستاني تدمر قضية كشمير، وتساهم في جعل الهند تفلت من انتهاكاتها لحقوق الإنسان نتيجة مثل هذه الأفعال.
واعترف توكير جيلاني، رئيس «جبهة تحرير جامو وكشمير» في الشطر الخاضع لباكستان، بأن الهجوم لن يجلب أي تعاطف من المجتمع الدولي لمحنة كشمير، كما أنه سيزيد من سباق التسلح في جنوب آسيا ويبقي المنطقة متخلفة.
من جهتها؛ طلبت الهند من جديد من الأمم المتحدة تصنيف منظمة «جيش محمد» وزعيمها مولانا مسعود أزهر، إرهابيين، لكن كالعادة؛ الصين أحبطت جهود نيودلهي. حسب محدثي، من المرجح ألا تتدخل بكين في سياسة إسلام آباد بالنسبة لدعم المتشددين، لكن قد يصبح رد الصين على «جيش محمد» وزعيمها حاسماً إذا تعلق الأمر بعمل دولي محتمل ضد المقاتلين الكشميريين، خصوصاً أن الدعوات في الهند تزداد للحكومة لاتخاذ إجراءات أحادية ضد هذه الجماعات، لكن عواقب أي عمل أحادي من جانب نيودلهي قد تكون مدمرة للسلام في الإقليم وكذلك للعلاقات بين البلدين النوويين المتنافسين في جنوب آسيا.
على هامش الاجتماعات السنوية لـ«المجلس الوطني للشعب الصيني» التي انعقدت الأسبوع الماضي، قال وزير خارجية الصين وانغ يي يوم الجمعة الماضي، إن نيودلهي وإسلام آباد «يجب أن تلتقيا في منتصف الطريق» لتهدئة الأزمة، مصوراً دور الصين متوازناً بين جارتيها النوويتين، ووصف باكستان بأنها «أخو الصين الحديدي».
يذكر أنه خلال اجتماعات العام الماضي استخدم وانغ يي عبارة لافتة إنما ملتبسة في وصف العلاقات بين الصين والهند، حيث قال: «إن التنين الصيني والفيل الهندي يجب ألا يتحاربا؛ بل عليهما الرقص معاً!».
لا يزال هناك بعض من عدم اليقين بشأن ما حدث بالضبط بين الهند وباكستان الشهر الماضي، لكن من المؤكد أن أزمة مماثلة ستحدث مرة أخرى في المستقبل. والسؤال المطروح هو حول ما إذا كانت الجهات الفاعلة؛ إنْ في نيودلهي أو في إسلام آباد، أو واشنطن أو بكين، أخذت عبَراً من هذه الأزمة تقلل من خطر تصاعد الأزمة المقبلة التي حتماً ستقع.