المصالحة بين الحريري وريفي خطوة لبناء جبهة تتصدى لحزب الله

المصالحة بين الحريري وريفي خطوة لبناء جبهة تتصدى لحزب الله

انفراط عقد تحالف 14 آذار شكّل عاملا رئيسيا في تغول حزب الله سياسيا في لبنان، وهناك اليوم جهود محلية تدعمها قوى إقليمية لإعادة تصويب الأمور سواء بترميم هذا التحالف أو خلق جبهة جديدة تكون بوصلتها التصدي لأجندات الحزب التي تخدم بالأساس تطلعات دمشق وطموحات طهران على حساب لبنان.

بيروت – قالت مصادر سياسية لبنانية مطلعة إن المصالحة التي جرت بين رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري ووزير العدل الأسبق أشرف ريفي تعد خطوة أولى نحو تشكل جديد داخل المشهد السياسي قد يتجاوز الحريرية السياسية.

ورأت المصادر أن الأمر قد ينسحب على تيارات أخرى اجتمعت داخل تكتل 14 آذار سابقا وتصدعت العلاقات في ما بينها خلال السنوات الأخيرة.

وأضافت أن الانتخابات الجزئية التي ستشهدها مدينة طرابلس، بعد أن أبطل المجلس الدستوري نيابة ديما جمالي عن تيار المستقبل، كانت مناسبة عجّلت بتحقيق هذه المصالحة، التي كانت ستحصل بكل الأحوال في ظل عوامل داخلية وخارجية تدفع بهذا الاتجاه.

وتروي مصادر من داخل تيار المستقبل أن الإعداد لمصالحة تنهي القطيعة بين الحريري وريفي منذ فبراير 2016، جرى بتكتم شديد ووفق إيقاع مدروس، وأنه اعتمد على إخراج يرضي كافة الأطراف ويرسل في الوقت عينه رسالة قوية إلى كافة التيارات السياسية اللبنانية، لاسيما تلك التي تدور في فلك حزب الله والنظام السوري.

وقد أعلن عن هذه المصالحة مساء الثلاثاء إثر لقاء جرى في منزل رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة. ورأى المراقبون أنّ لمكان المصالحة دلالات في حفظ مكانة ريفي والتعبير عن إقبال الحريري على تلك المصالحة، لكن المكان يعبّر كذلك عن الدور الذي يلعبه السنيورة داخل تيار المستقبل ومدى قربه من زعيم “المستقبل”.

وتقول المصادر إن إيجابية الحريري وريفي حيال المصالحة التي أشرف على رعايتها السنيورة والوزير الأسبق رشيد درباس، تأثرت بما رُصد من توجه لدى حزب الله لاستهداف صقور المستقبل من خلال تقصده التلميح بتورط السنيورة في قضايا فساد. وأضافت المصادر أن ما تعرّض له موقع رئاسة الوزراء، بشخص الحريري، خلال الـ9 أشهر التي استغرقها تشكيل الحكومة، رفع الحاجة إلى رصّ الصفوف داخل الطائفة السنية، على نحو بات فيه خلاف ريفي مع الحريري عامل ضعف لوحدة السنّية السياسية في مواجهة خطط حزب الله، بعد أن نجح الأخير في اختراق المسيحيين والدروز.

وكان رؤساء الحكومة السابقون، نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام قد عبروا مرارا خلال مرحلة تشكيل الحكومة عن تضامنهم مع الحريري والدفاع عن موقع رئاسة الحكومة وصلاحياته.

ونشر منسق تحالف 14 آذار السابق فارس سعيد، الأربعاء، صورة للقاء المصالحة على تويتر معلقا “حتى السنّة الذين هم مدد وعدد وأمّة يتحولون إلى طائفة إذا أرادوا”.

ويعتبر مراقبون أن قانون الانتخابات ومسألة تعطيل تشكيل الحكومة من قبل حزب الله من أجل فرض وزير يمثل سنة 8 آذار المتحالفين مع حزب الله وفتح ملف فساد مسيّس ضد السنيورة، هي مؤشرات تهدف إلى إضعاف قدرة السنة السياسية على معاندة حزب الله وطهران ودمشق للهيمنة على البلد.

ورأوا أن توجه رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره وزير الخارجية جبران باسيل يميل لمسايرة أجندة حزب الله، على نحو بات استهداف السنّة عنوان المرحلة المقبلة لإزالة العائق الأساسي من أمام جهود التطبيع اللبناني الكامل مع طهران ودمشق.

وكشفت مصادر عربية أن المصالحة تمت بعد تضافر عوامل داخلية ذاتية أملت ذلك، لكنها دعت إلى عدم إهمال العوامل الخارجية، لاسيما دعوات السعودية الدائمة لرصّ الصفوف داخل القوى والتيارات المناوئة لحزب الله والسياسة الإيرانية في المنطقة.

وقالت المصادر إن الرياض تدخلت مرارا لرأب الصدّع بين “المستقبل” و”القوات اللبنانية” و”التقدمي الاشتراكي” وشخصيات سيادية مسيحية مستقلة، فما بالك بتحصين اللحمة الداخلية للتيارات السياسية السنية الصديقة للرياض.

وعلى الرغم من رفض المراقبين الربط ما بين اجتماع الحريري مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز في الرياض الاثنين وحدث مصالحته مع ريفي، إلا أنهم كشفوا عن دعوات جرت باتجاه هذه المصالحة من قبل السعودية والإمارات في هذا الشأن.

وخلص المراقبون إلى أن الرياض وأبوظبي تعملان على تشجيع التناغم بين حلفائهما في لبنان عشية استحقاقات هامة تنتظرها المنطقة، لاسيما تلك المتعلق بإيران وسوريا وحزب الله. ونشر السفير السعودي في لبنان وليد بخاري، الأربعاء، في تغريدة على حسابه عبر “تويتر” صورة للقاء المصالحة تجمع الحريري وريفي والسنيورة دون أي تعليق. وتعبّر التغريدة، حسب مراقبين، عن البيئة السعودية الحاضنة للحدث وما بعده.

وتتسق هذه المقاربة الإقليمية مع ما أشيع في الساعات الأخيرة عن ورشة جديدة لإصلاح ذات البين بين التيارات السياسية المسيحية السيادية والتي جمعها لقاء قرنة شهوان منذ عام 2001 الذي شكّل واجهة مبكرة لتحالف 14 آذار عام 2005. وتقول المعلومات إن مساعي في هذا الصدد تجري بين حزب الكتائب والقوات اللبنانية وأن مشاورات تجري مع شخصيات مسيحية مستقلة.

وتقول مصادر في شمال لبنان إن المصالحة بين الحريري وريفي ستسهل إعادة انتخاب ديما جمالي (بصفتها مرشحة الحريري شخصيا) مرة ثانية لاستعادة مقعدها النيابي في طرابلس بعد عزوف ريفي عن الترشح، وستعزز موقع تيار المستقبل في الشمال بعد عودة ريفي إلى خيمة الحريري، وستتكامل مع التحالف المستمر بين الحريري والوزير السابق محمد الصفدي ورئيس الوزراء الأسبق نجيب ميقاتي، ما سيضعف اختراق حزب الله لطرابلس وشمال لبنان.

وتخلص مصادر مراقبة إلى أن المصالحة تعزز زعامة الحريري داخل الطائفة السنية وتقوي موقعه على رأس الحكومة وأن الأنباء التي تحدثت عن توجه الحريري مرة ثانية إلى السعودية خلال أيام تؤكد على دعم الرياض لشخص الحريري سواء داخل الطائفة السنية أو على رأس الحكومة في لبنان.

العرب